ز. ت., من محافظة بِيت لحم

  

بتسيلم - 2/4/2024

في يوم السبت الموافق 8.11.23 كنتُ جالسًا في الشارع مع صديقي. قرابة الساعة 3:30 فجرًا رأينا أنّ شبّانًا من البلدة يبلّغون عبر الواتساب بأنّ جنودًا دخلوا إلى البلدة سيرًا على الأقدام. انتظرنا هناك، لأنّنا أردنا أن نعرف إلى أين سيذهب الجيش. بعد بضع دقائق علمتُ بأنّ الجيش موجود في منزل عمّي الذي كنّا نسكن فيه قبل نحو ثلاث سنوات. وبعد بضع دقائق ذهب الجنود من هناك إلى المنزل الذي نسكن نحن فيه اليوم، ثمّ اتّصل بي أخي أحمد الذي كان في المنزل وطلب منّي العودة إلى المنزل لأنّ الجنود يسألون عنّي. ثمّ أخذ شخص، قدَّم نفسه على أنّه ضابط، هاتفه وقال لي إنّ عليّ الحضور إلى المنزل. قلتُ له إنّني موجود في بيت لحم وإنّني سأحضر وأسلّم نفسي في اليوم التالي الساعة 08:00 صباحًا، فقال إنّه سيحوِّل منزلي إلى معسكر إلى أن أحضر وأسلِّم نفسي، وأغلق الهاتف. احترتُ ماذا أفعل.

بعد عشر دقائق اتّصل بي أخي مرّة أخرى وقال لي إنّ الجيش يعتقله هو وأبي حتّى أحضر وأسلِّم نفسي. قلتُ له أن يطلب من الضابط أن يتركهما وأنّني قادم لتسليم نفسي. مشيتُ في الشارع حتّى المنزل، وكانت أمّي تنتظرني في الخارج. كان الجنود قد غادروا المنزل مع أبي وأخي وابتعدوا معهما مسافة كيلومتر واحد تقريبًا. تبعتُهم سويّةً مع أمّي. عندما وصلنا إليهم أطلقوا سراح أبي وأخي على الفور.

قيَّدوا يديَّ بأصفاد حديديّة. كان هناك نحو 35 جنديًّا راجلًا، دون مركبات عسكريّة. اقتادوني معهم سيرًا على الأقدام من البلدة حتّى المستوطنة القريبة، مسافة عدّة كيلومترات. هدّدني الجنود وحاول بعض منهم ضربي، لكنّ الجنديّ الذي كان يمسك بي منعهم من الاعتداء عليّ، فاستمرّوا في شتمي وإهانتي. أزال الجنديّ الأصفاد الحديديّة عن يديَّ، وقيّدوهما بقيود بلاستيكيّة وعصبوا عينيَّ.

صوَّب أحد الجنود مصباحًا يدويًّا قويًّا نحو عينيَّ من مسافة قريبة جدًّا، كان الضوء قويًّا. قال لي إنّنا إرهابيّون ملاعين

أدخلوني إلى حافلة انطلقت إلى سجن "عتصيون"، وهناك أنزلوني في الساحة. أجبرني الجنود على الركوع وعدم التحرّك أو تغيير وضعيّتي. صوَّب أحد الجنود مصباحًا يدويًّا قويًّا نحو عينيَّ من مسافة قريبة جدًّا، كان الضوء قويًّا. قال لي إنّنا إرهابيّون ملاعين. مرّ الجنود بجواري وشتموني، نعتوني بـ "زبالة" و"إرهابيّ". تركوني على هذه الحال حتّى نحو ساعة ونصف الساعة بعد شروق الشمس. شعرتُ بأنّ ركبتيَّ تنكسران بسبب الركوع هكذا لفترة طويلة جدًّا.

بعد ذلك أخذوني إلى مكان آخر وتركوني هناك على الأرض مكبَّل اليدين ومعصوب العينين. سمعتُ من مبانٍ مجاورة أصوات ضرب وأصوات أشخاص يصيحون ويبكون من الألم. سمعتُ أحد المعتقلين يطلب من الجنود أن يرخّوا الأصفاد عن يديه قليلًا، وأعتقد أنّ الجنود شدّوها أكثر لمعاقبته، لأنّني سمعتُه على الفور يصرخ من الألم. بقيتُ هناك ساعة ونصف الساعة ثمّ أخذوني إلى التفتيش وأدخلوني إلى غرفة الاعتقال. مكثتُ هناك حتّى 11.11.23، وكانوا يحضرون كلّ يوم معتقلين ويأخذون معتقلين آخرين من "عتصيون".

في 11.11.23 ظهرًا، دخل أفراد وحدة نقل السجناء إلى الزنزانة واستدعوني أنا وسائر المعتقلين، كنّا نحو 40 شخصًا. أمرونا بالاصطفاف بجانب الحائط وبدأوا بنقلنا إلى غرفة الفحص. في بعض الأحيان أدخلوا اثنين أو ثلاثة من المعتقلين معًا للفحص. في داخل الغرفة كان ينتظر 3 سجّانين من سلطة السجون. عندما كنّا واقفين في الخارج سمعنا صراخ المعتقلين الذين أدخلوهم إلى الغرفة. أدركنا أنّ كلّ من يدخل إلى هناك يتعرّض للضرب. جاء دوري وأدخلوني مع معتقلَين آخرين – الذي كان أمامي والذي كان خلفي في الدور. لحظة دخل الأوّل خبطه جنديّان بالحائط فسقط، ثمّ أمسكا بي وألقياني بالطريقة نفسها. رأيتُهما يفعلان الشيء نفسه مع الثالث أيضًا. قالوا لنا: "يلّا، اخلعوا ملابسكم". بدأنا بخلع ملابسنا وعجَّلونا من خلال ضربنا وركلنا في جميع أنحاء الجسم. استمرّوا في ضربنا والضحك علينا لمدّة 7 دقائق تقريبًا، ثمّ أمرونا بارتداء ملابسنا من جديد، وخرجنا ووقفنا في الطابور بجانب حافلة. قيّدوا أيدينا وطلبوا منّا أن نحني رؤوسنا ونرفع أيدينا إلى الأعلى – كانت تلك طريقة أخرى لإذلالنا. لم يُسمَح لنا بالنظر إلى الضبّاط. بعد ذلك أصعدونا إلى الحافلة وجلسنا، بينما استمرّوا هم في الصراخ علينا.

أخذونا إلى سجن "عوفر". عندما أنزلونا هناك أخذوني إلى الطبيب وسألني إن كنتُ أعاني من أيّ أمراض. أجبتُه لا، فردّ هو: "خسارة". أخذوا ملابسي وأعطوني بلوزة وبنطلونًا. رأيتُ أنّ جميع المعتقلين حصلوا على نفس الملابس. بعد ذلك أخذوني إلى زنزانة الاعتقال التي كانت مخصّصة لـ 6 معتقلين، لكنْ كان فيها 10. اضطررتُ أنا و3 معتقلين آخرين إلى النوم على فرشات على الأرض، كانت مهترئة جدًّا ولم ترُدَّ البرد عنّا. حصلتُ أيضًا على بطّانيّة خفيفة جدًّا وصغيرة. هكذا كنتُ أنام طوال 4 أشهر.

سألتُ القاضي لماذا يفرضون عليّ اعتقالًا إداريًّا، فأجابني لأنّني سجين سابق ونحن في حالة حرب؛ وهكذا انتهت الجلسة 

بعد ثلاثة أيّام من دخولي إلى سجن "عوفر" عُقدتْ لي جلسة محكمة شاركتُ فيها عبر الزوم. أخرجني السجّان من الزنزانة وشاهدتُ الجلسة على هاتفه. قال لي المحامي إنّهم أصدروا بحقّي أمر اعتقال إداريّ لمدّة 6 أشهر. سألتُ القاضي لماذا يفرضون عليّ اعتقالًا إداريًّا، فأجابني لأنّني سجين سابق ونحن في حالة حرب؛ وهكذا انتهت الجلسة. أعادوني إلى الزنزانة.

في 20.11.23 حضر نحو 15 سجّانًا ودخلوا إلى زنزانتنا، قيَّدونا بالأصفاد واقتادونا إلى غرفة الحمّامات. نظرتُ عبر النافذة التي هناك ورأيتُهم يُخرِجون الزجاج من نوافذ زنزانتنا ويَخرُجون. كان في زنزانتنا 3 نوافذ: اثنتان منها في الزنزانة نفسها وواحدة في المرحاض. أزالوا الزجاج لكي يدخل الهواء البارد إلى الداخل. كان ذلك في الشتاء وكان البرد قارسًا جدًّا. لم يضعوا في الغرفة سوى 3 معاطف - لكي يدبّوا الخلاف بين المعتقلين. لكننا أعطينا المعاطف لكبار السنّ بيننا ببساطة، وبدأنا بتغطية النوافذ بأكياس النايلون المتبقّية من الخبز، في محاولة لصدّ بعض الهواء البارد من الدخول. عندما كان يأتي السجّان ويرى الأكياس على النوافذ كان يصرخ علينا لإزالتها، ويشتمنا؛ كنّا نزيلها أمامه ونعيدها بعد مغادرته. استمرّ الأمر على هذا النحو 20 يومًا، وفي النهاية أعاد السجّانون زجاج جميع النوافذ وأعطونا جميعًا معاطف.

بدأنا بتغطية النوافذ بأكياس النايلون المتبقّية من الخبز، في محاولة لصدّ بعض الهواء البارد من الدخول

كسجين سابق، صُدمتُ من حالة الطعام في السِّجن. أذكر أنّنا في الماضي كنّا نشتري الطعام من الكانتين، وكان داخل الغرفة موقد كهربائيّ يُستخدَم للطبخ؛ كنّا نتحكّم بكمّيّة ونوعيّة الطعام، وكنّا نشتري ما نريده. لكن، هذه المرّة، أخذ السجّانون الموقد وأدوات الأكل ومنعوا المعتقلين من الشراء من الكانتين. كانت إدارة السجن تتحكّم ب بالطعام شكل كامل: الجودة والكمّيّة والوقت. كان ذلك إذلالًا آخر بالنسبة لنا. كان الطعام في الحدّ الأدنى المطلوب لإبقائنا على قيد الحياة.

في الصباح كانوا يُحضِرون لنا ملعقة عليها مدهون الشوكولاتة أو ملعقتين من المربّى للزنزانة بأكملها. جمعنا هذه الكمّيّة طوال كلّ الأسبوع ولم نأكلها إلّا في أيّام السبت لإدخال بعض السكّر في الدم. بالإضافة إلى ذلك، كانوا يُحضِرون 3 أو 4 حبّات من الخضار للغرفة كلّها. في الظهيرة كانوا يُحضِرون طبقًا ونصف الطبق من الأرزّ مع بعض العدس أو الفاصوليا للزنزانة كلّها. كان العشاء هو نفسه تقريبًا، بيضة واحدة أو سُجُق. طوال 90 يومًا دَرَجتُ على الصوم طوال النهار وجمع حصّتي من الطعام، ثمّ كنتُ أتناولها كلّها في المساء كوجبة إفطار، كما هو الحال في رمضان. عندما دخلتُ إلى السجن كان وزني 102 كيلو، وعندما خرجتُ منه في 29.2.24 كان وزني 80 كيلو.

عندما دخلتُ إلى السجن كان وزني 102 كيلو، وعندما خرجتُ منه في 29.2.24 كان وزني 80 كيلو

كانوا يُخرجوننا للاستحمام مرَّتين في الأسبوع ويخصّصون لذلك ربع ساعة. كانوا يعطوننا علبة شامبو صغيرة جدًّا، لا تكفي لغسل اليدين. أتاحوا لنا استخدام 6 حمّامات فقط، ولم يكن ذلك كافيًا لجميع الأشخاص. لذا، كنّا نستحمّ بالتناوب. أحيانًا كنتُ استحمّ مرّة واحدة في الأسبوع.

في 29.2.24 انتهيتُ من تأدية صلاة الظهر وقرأتُ القرآن ثمّ جاء سجّانان ووقفا على باب الزنزانة. طلب أحدهما من المعتقلين الابتعاد إلى الخلف. بعد ذلك نادى عليّ، سألتُه إلى أين تأخذانني، فأمرني بأن أسكت. سألتُه مرّة أخرى لكي يعرف المعتقلون الآخرون. قال: نقل من سجن إلى سجن آخر. جمَعوا نحو 40 معتقلًا في غرفة كبيرة، ثمّ أدخلونا إلى بوسطة (سيّارة نقل المعتقلين)، وفي الساعة 20:00 انطلقوا بنا إلى خارج معسكر "عوفر" وأطلقوا سراحنا هناك.

- سجّل هذه الإفادة باحث بتسيلم الميدانيّ باسل العدرا في 2.4.24.