هديل الدحدوح- ظاظا (24 عامًا)، أمّ لطفلين، من سكّان حيّ الزيتون في مدينة غزّة

  

بتسيلم-18/3/2024

عندما اندلعت الحرب بقينا في منزلنا في حيّ الزيتون في مدينة غزّة: أنا وزوجي رشدي (30 عامًا) وطفلانا محمّد (4 أعوام) وزين (سنة واحدة). كان والدا زوجي وإخوته يسكنون في المبنى نفسه. كنّا نسمع طوال الوقت أصوات إطلاق نار وقصف كثيف من حولنا، لكنّنا بقينا إلى أن أصيب منزلنا ولحقت به أضرار، فانتقلنا إلى منزل خال زوجي لمدّة 20 يومًا، ثمّ عدنا إلى منزلنا بعدما أعلنت الهدنة.

استؤنفت عمليّات القصف لكنّنا بقينا في المنزل، وعندما كان الوضع مخيفًا جدًّا كنّا نذهب إلى قبو الجيران. في 6.12.23، وبينما نحن مختبئون في قبو الجيران بدأ منزلهم يتعرّض لإطلاق نار. كنّا هناك نحو 20 شخصًا. قُتل أحد صهرائي من جرّاء إطلاق النار وأصيب صهر آخر عندما حاول مساعدته. فجّر الجنود حائط المنزل ودخلوا إلينا إلى القبو. كان ذلك مخيفًا جدًّا. شعرتُ بتوتّر وانفجرتُ في البكاء.

أخرجنا الجنود من القبو. أخذوا الرجال، قيّدوا أيديهم وعصبوا أعينهم. ثمّ أخرجونا، نحن النساء والأطفال أيضًا، واقتادونا إلى إحدى الشقق. أخذوا بطاقات الهويّة والهواتف منّا جميعًا وربطوا كلّ بطاقة بهاتف المرأة نفسها.

قُتل أحد صهرائي من جرّاء إطلاق النار وأصيب صهر آخر عندما حاول مساعدته. فجّر الجنود حائط المنزل ودخلوا إلينا إلى القبو

نادى عليّ أحد الضبّاط وقال لي إنّه يريد أن يجري لي فحص دم. ذُعرتُ وتوتّرتُ. بدأت بالبكاء وبكى الطفل زين أيضًا. أخذني الضابط إلى الخارج وبقي زين مع جدّته. في الخارج رأيتُ زوجي ووالده، زياد، وأخاه أيمن واثنين من الجيران.

أمسكتني جنديّة كانت تحمل حقيبة صغيرة من يدي واقتادتني إلى منزل آخر. كنتُ مذعورةً وبكيتُ طوال الوقت. أحضروا زوجي وحماي أيضًا إلى نفس المنزل. في داخل المنزل قامت هي وجنديّ آخر بتقييد يديَّ بالأصفاد وبتغطية عينيَّ بقطعة قماش. أعطوني حقنة مخدّرة، ثمّ سألني الجنديّ إن كانت فعّالة. أجبتُه أنّه حتّى عندما أجرِيتْ لي عمليّة قيصريّة لم يؤثّر التخدير عليّ وبقيتُ واعية.

أعطى الجنود زوجي أيضًا حقنة مخدِّرة. أجروا لنا فحص دم. وضعوا لنا شيئًا في أفواهنا أيضًا، لا أعرف ما هو. وبعد إطلاق سراحي، أخبرتني حماتي بأنّهم أخذوا الطفلين أيضًا لبضع دقائق، وأخبرها محمّد بعد أن أعادوهما بأنّهم أجروا لهما فحوصات.

بقينا في هذا المنزل حتّى اليوم التالي، ثمّ أخذوني أنا وزوجي إلى مكان ممتلئ بالرجال. اقتادوا والده إلى مكان آخر. رأيتُ ذلك عندما ألقيتُ نظرة خاطفة من تحت عصابة العينين. أعتقد أنّني كنتُ المرأة الوحيدة هناك. كنتُ متعبة جدًّا ولم أشعر بأنّني بحالة جيّدة. كانت لديّ آلام في الصدر بعدما لم أرضع زين على مدى يومين متتاليين. كما ضربني الجنود على ظهري وصدري.

أمرني الجنود بخلع الحجاب. قال لي أحدهم: "أنا قتلتُ زوجك وأريد أن أقبركما وأنتما حيّان، حتّى تأكلكما الكلاب"

بعد ذلك وضعوني في حفرة في الأرض. عندما كنتُ في داخلها، مع جميع المعتقلين الآخرين، أمرني الجنود بخلع الحجاب. قال لي أحدهم: "أنا قتلتُ زوجك وأريد أن أقبركما وأنتما حيّان، حتّى تأكلكما الكلاب".

بعد نحو نصف ساعة أخرجونا من الحفرة وأصعدونا إلى شاحنة. كان هنالك رجال ملتصقين بي تمامًا. في تلك المرحلة اعتقدتُ أنّ زوجي قد قُتل فعلاً. بعد إطلاق سراحي رأيتُ أنّهم صوّرونا في الشاحنة. أنا أظهر هناك في الصورة. سافرت الشاحنة إلى منشأة اعتقال خارج القطاع. أدخلوني هناك إلى زنزانة مع نساء كنّ موجودات هناك قبلي. وضعوا الرجال على انفراد. كنتُ منهكة بعد ثلاثة أيّام من المعاناة المستمرّة والضرب.

بعد يومين أحضروا المزيد من النساء من القطاع، وأصبح عددنا 19 امرأة في الزنزانة. كان الطقس باردًا جدًّا ورطبًا هناك، ولم يكن هناك سوى بطانيّة واحدة لنا جميعًا.

بعد ذلك أصعدونا إلى حافلة. أمسكوا بنا وجرّونا إليها كالحيوانات ونحن مقيّدات الأيدي ومعصوبات الأعين، وفي أثناء ذلك كانوا يضربوننا على رؤوسنا. قال لنا الجنود مرارًا وتكرارًا: "أنتنّ حماس".

نقلتنا الحافلة إلى منشأة اعتقال تُدعى "عنتوت"، وهناك قالت لي الجنديّات أن أخلع ثيابي وأبقى بملابسي الداخليّة، وهكذا قمن بتفتيشي. بعد ذلك أعطينني "ترينينغ" رماديّ اللون لارتدائه. طوال ذلك الوقت كنّ يضربنني ويشتمنني. مكثتُ في تلك المنشأة تسعة أيّام، أيّام من الإنهاك والبرد القارس والجوع. كنتُ مقيَّدة بالأصفاد طوال الوقت.

قالت لي الجنديّات أن أخلع ثيابي وأبقى بملابسي الداخليّة، وهكذا قمن بتفتيشي [...] طوال ذلك الوقت كنّ يضربنني ويشتمنني

بعد ذلك نقلونا إلى سجن بئر السبع وبقينا هناك خمسة أيّام أخرى. كنّ يخرجننا إلى الفناء في كلّ مرّة ويضربننا هناك. كان ذلك منهكًا وقاسيًا.

بعد ذلك نقلونا إلى سجن الدامون قرب حيفا وتمّ تفتيشي وأنا عارية مرّة أخرى. أخذوني للتحقيق خمس مرّات، وفي كلّ مرّة كانوا يسألونني نفس الأسئلة: "هل أنت حماس؟ أين كنتِ في 7 أكتوبر؟". كما سألوني عن السنوار وعن الأنفاق، وفي كلّ مرّة كانوا يقولون لي إنّهم قتلوا زوجي وطفليّ. احتجزونا هناك في الجناح 9، مع سجينات من الضفّة ساعدننا. استحممنا، وهنّ قدّمن ثيابهنّ لي ولكلّ المعتقلات من غزّة.

احتجزوني في الدامون 40 يومًا تقريبًا.

بعد 54 يومًا من الاعتقال، في 26.1.24، أخذونا إلى معبر كرم أبو سالم وأطلقوا سراحنا. لم يعيدوا لنا ودائعنا: عندما اعتقلوني كنتُ أضع عليّ مجوهراتي الذهبيّة، بقيمة 4,900 شيكل، وكان بحوزتي 370 دينارًا، بالإضافة إلى بطاقة هويّتي وهاتفي. لديّ وصل بهذه الودائع. مشينا بضعة كيلومترات حتّى وصلنا إلى معبر كرم أبو سالم.

وصلنا إلى مكاتب الأمم المتّحدة في المعبر. كنّا جميعًا منهكات. طلبتُ من عاملي الأمم المتّحدة الاتّصال بزوجي، فحضر بعد ساعة.

عندما رأيتُ زوجي لم أتعرّف عليه. بدا مختلفًا تمامًا بعد اعتقاله لمدّة 33 يومًا وتعرّضه للتعذيب. أطلِق سراحه قبلي.

أنا الآن هنا في خيمة في شارع في مدينة رفح، مع زوجي وطفلينا. أحضرهم صهري وأخت زوجي إلينا منذ بضعة أيّام. كانوا معهم في حيّ الزيتون في غزّة طوال هذا الوقت. بدا الطفلان منهكين أيضًا. عانقتُهما وبكيتُ فقط.

أنا متعبة جدًّا. وضعنا الاقتصاديّ صعب للغاية. ليس لدينا طعام ولا ثياب. الطفلان جائعان والطقس بارد جدًّا هنا. أذهب إلى مخيّم آخر للحصول على طعام، ولكن لا أستطيع الحصول على حليب لزين، الذي كان لا يزال يرضع قبل اعتقالي. محمّد لا يعرفني إطلاقًا ولا يقترب منّي. يريد والده فقط. لديه الآن أنيميا (فقر دم) بسبب سوء التغذية. الجوع يقتلنا. الآن رمضان أيضًا، وهذا يزيد فقط من حدة النقص الفظيع الذي نعيشه.

- سجّلت هذه الإفادة باحثة بتسيلم الميدانيّة ألفت الكرد في 18.3.24