محمود أبو قادوس (47 عاماً)، أب لأربعة، من سكّان حيّ الشيخ رضوان في قطاع غزة

   

بتسيلم -23/1/2024

قبل الحرب كنّا نقيم في حيّ الشيخ رضوان في مدينة غزّة، وكنت أعمل مديراً للمبيعات في شركة اتّصالات. في 13.10.23 وزّع الجيش منشورات تدعونا إلى إخلاء المنطقة، لكنّني قرّرت مع أسرتي وعدد آخر من الجيران البقاء وعدم المغادرة حاليّاً.

مرّت أسابيع عانينا خلالها كثيراً - القصف لم يتوقّف، ومع مرور الوقت كان الطّعام والماء يقلّان ويقلّان فيما الخروج لشراء الحاجيّات كان محفوفاً بمخاطر كثيرة. أمضينا أيّاماً كنّا نتناول فيها وجبة واحدة في اليوم، وأحياناً حتى هذا لا نحصّله. كان الوضع صعباً جدّا، لا كهرباء ولا ماء. بالكاد كنّا ننام.

ولداي مصطفى (14 عاماً) وآدم (12 عاماً) مُصابان بمرض السكّري ويجب أن يُجريا أربعة فحوصات دم في اليوم. هذا ما كنّا نفعله في البداية ولكن كلّما مرّ الوقت أصبح ذلك صعباً علينا. في بعض الأيام كنا نجري لهما الفحص مرّتين فقط في اليوم. هذا وتّرنا كثيراً لأنّنا خشينا أن تُصيبهما نوبات بسبب السكّري.

في يوم السّبت الموافق 10.12.23، عند السّاعة 9:00 صباحاً، سمعت حركة دبّابات وجرّافات إسرائيليّة في الشارع. كانت تسير وتجرف الشارع بكلّ ما فيه: الأرصفة، الحوانيت، الأكشاك، وكلّ ما هنالك. بعد ذلك دخل جنود إلى بنايتنا، وهي بناية من ثلاثة طوابق. نحن نقيم في الطابق الثالث. دخلوا إلى شقّتنا مع جارنا. قال لي الجار إنّ عليّ أن أسلّم نفسي. خاف ولداي كثيراً من شكل الجنود.

منعونا من استخدام المراحيض فاضطُررت أن أبول في ثيابي، لأنّه يصعُب عليّ أن أمسك نفسي فأنا مريض بالسكّري

كان أحد الجنود يتكلّم والجار يُترجم لي. أراد أن يعرف رقم هُويّتي. بعد ذلك عصّب عينيّ وكبّل يديّ إلى الخلف. أنزلوني الدّرج ثمّ اقتادوني إلى المدرسة التي في الحيّ. لم أعرف ماذا حدث لزوجتي والولدين.

كان معي 13 شخصاً آخرين. جميعُنا كانت أعيننا معصوبة وأيدينا مكبّلة، ولكنّني من تحت عصبة عينيّ استطعت أن أعرف من كانوا هناك. رأيت جاري الذي أتى من قبل مع الجنود، ورأيت أبناءه وعدداً من أقاربه. في المدرسة حقّقوا معنا بالعربيّة. سألني المحقّق إن كنت أنتمي لحماس وأجبته بالنفي. سألني هل أمتلك سلاحاً وأجبته بالنفي. كان يشتمني طوال الوقت، والجنود الآخرون هناك كانوا يدفعونني ويضربونني، يصوّبون سلاحهم نحوي ويصرخون عليّ.

بعد ذلك أدخلونا إلى حافلات وأخذونا إلى مكان آخر، قريب من البحر. هناك أيضاً ضربونا وصرخوا علينا قائلين إنّنا حماس. منعونا من استخدام المراحيض فاضطُررت أن أبول في ثيابي، لأنّه يصعُب عليّ أن أمسك نفسي فأنا مريض بالسكّري. أحرجني ذلك كثيراً.

بعد مضيّ بعض الوقت أدخلونا إلى الحافلة مرّة أخرى. عندما رأى الجنود سروالي مبلّلاً راح أحدهم يتهكّم عليّ. أخذونا إلى "بركس" ثم أمرونا بأن نجلس راكعين. كانت أعيننا معصوبة. احتجزونا في هذا "البركس" مدّة أسبوع. أحياناً كان الجنود يُفلتون علينا الكلاب ويدعونها تدوسنا ونحن مُلقون على بطوننا. وأحياناً كانوا يقولون إنّه يجب عليهم تفتيشنا بالاستعانة بالكلاب. طوال هذا الوقت كانوا يجلبون القليل جدّاً من الطعام. بعد مضيّ أسبوع نقلونا إلى "بركس" ثانٍ، وبعد ذلك إلى "بركس" آخر.

أحياناً كان الجنود يُفلتون علينا الكلاب ويدعونها تدوسنا ونحن مُلقون على بطوننا

حقّقوا معي مرّة واحدة. سألوني عن أسرتي وعن جيراني، سألوا أين يقع منزلي وأيّ من أقاربي ينتمي لحماس. كنت أقول لهم طوال الوقت إنّني لا أنتمي لحماس ولا أنتمي لأي تنظيم آخر، وإنّني لم أساعد حماس في أيّ شيء. استمرّ التحقيق أكثر من ساعة. أثناء التحقيق كان كلّ من يمرّ بجانبي يضربني.

في كلّ يوم، من الخامسة صباحاً وحتى المساء، كان الجنود يأمروننا بأن نجلس راكعين على رُكبنا. كنّا نأكل ونشرب وأيدينا مقيّدة إلى الأمام. وإذا التفتنا جانباً أو حتى تكلّمنا مع بعضنا البعض، كان عقابنا الوقوف واليدان مرفوعتان إلى أعلى طوال ثلاث ساعات تقريباً. إضافة إلى ذلك، كانوا يمنعون عنّا استخدام المراحيض عندما نطلب، ولم يسمحوا لنا بأداء الصّلاة في جميع الأوقات.

كنّا ننام نحو السّاعة 22:00 ويوقظوننا في الـ4:00 فجراً. كان يصعب عليّ جدّاً أن أغفو بسبب الآلام في كلّ جسمي وخاصّة في الرّجلين والرّكبتين، وأيضاً بسبب قلقي على زوجتي والأولاد. كانت الظروف صعبة جدّاً، وكان الجنود يصرخون ويزعجون نومنا، هذا إضافة إلى انّهم كانوا يغسلون أرضيّة "البركس" في ساعات اللّيل بالذّات، وعندها يشتدّ البرد أكثر داخل "البركس".

كنت أقول لهم طوال الوقت إنّني لا أنتمي لحماس ولا أنتمي لأي تنظيم آخر، وإنّني لم أساعد حماس في أيّ شيء [...] أثناء التحقيق كان كلّ من يمرّ بجانبي يضربني

في 19.1.24 ناداني الجنود باسمي عند السّاعة 3:00 فجراً وقالوا إنّه سيتمّ إخلاء سبيلي. أعادوا إليّ محبسي، خاتم الزواج، الذي كانوا قد أخذوه منّي عندما اعتقلوني. عند الـ4:00 فجراً أدخلوني إلى حافلة مع نحو 50 معتقلاً آخرين. كانت يداي مقيّدتين وعيناي معصوبتين. عندما وصلنا إلى معبر كرم أبو سالم أنزلونا، وهناك كان في استقبالنا أشخاص من الصّليب الأحمر. سرنا على الأقدام في اتّجاه رفح، إلى مخيّم المهجرين التابع لوكالة الغوث، وها أنا هُنا منذ ذلك الحين.

كنت مُنهَكاً ومُتعباً وجسمي محطّماً من شدة الألم. شكرتُ الله على أنّني تخلّصت من هذا الكابوس. الظروف هنا صعبة، لكنّها لا تُقارَن بما عشته أثناء اعتقالي. مرّت عليّ أيّام صعبة جدّا، بل هي كانت أصعب أيّام حياتي. لم أتخيّل أبداً أنّني قد أتعرّض لمثل هذا العذاب والألم. كنت أتمنّى الموت في كلّ لحظة فقط لكي أتخلّص من الآلام التي كانت تصيبني في ركبتي وجسمي كلّه.

لم ألتق بعدُ زوجتي والولدين. فقط بالأمس علمت أنّهم في منزل أخي، في شارع الوحدة في غزّة. إنّهم يعيشون في ظروف صعبة جدّاً، حيث لا طعام هناك ولا ماء. لا أتمكّن من التواصُل معهم بانتظام لأنّه لا توجد هواتف، وهُم يخافون المجيء إلى رفح.

- سجّل هذه الإفادة باحث بتسيلم الميدانيّ محمد صباح في 23.1.24