نادية الحلو (45 عاماً)، أمّ لثلاثة، من سكّان حيّ الشيخ رضوان في مدينة غزّة

  

بتسيلم-18/3/2024

حتى اندلاع الحرب كنت أقيم في حيّ الشيخ رضوان في مدينة غزّة مع زوجي يحيى الحلو وأطفالنا الثلاثة: ماريّا (13 عاماً) وملك (12 عاماً) ومحمد (7 سنوات). اليوم نحن في رفح، في مدرسة تمّ تحويلها إلى مخيّم للمهجَّرين.

في 11.11.23 اتّصلوا بنا من الجيش وأمرونا بإخلاء الحيّ. في اليوم نفسه تركت المنزل مع أطفالي وذهبنا عن طريق حاجز "نتسريم" إلى مخيّم البريج للّاجئين في وسط القطاع. بقي زوجي في غزّة مع والديه المسنيّن لأنّه لم يرغب أن يتركهما وحدهما.

في 25.12.23 نثر الجيش في البريج مناشير يأمرنا فيها بالنزوح من هناك أيضاً. كنّا هناك مع عائلات أخرى كثيرة وظنّاً منّا أنّ المدرسة مكان آمن ولذلك بقينا هناك حتى 28.2.23، عند السّاعة 2:00 بعد منتصف اللّيل حيث اقتحم جنود المدرسة وهُم يُطلقون النار. تهدّمت بعض جدران المدرسة. نادى الجنود الرّجال وأمروهم بالخروج ثمّ اعتقلوا بعضاً منهم وأدخلوا الآخرين في بئر كبيرة كانوا قد حفروها.

كبّلوا يديّ إلى الخلف وغطّوا عينيّ بقطعة قماش. ضربني جنديّ على ظهري. أبقونا داخل الشاحنة خمس ساعات، ونحن مكبّلات

اعتقلني الجنود مع تسع نساء أخريات وبقي أولادي مع امرأة أخرى. اقتادني جنديّ وهو يصوّب بندقيّته إلى ظهري ثمّ أدخلني إلى خيمة كبيرة للجيش، كما أدخلوا بقيّة النساء المعتقلات إلى هذه الخيمة. ظننت أنّهم سوف يعيدوننا إلى أولادنا خلال بضع دقائق.

في داخل الخيمة أمروني بأن أخلع ملابسي وأجروا تفتيشاً جسديّاً وأنا شبه عارية.

بعد ذلك أخذني الجنود إلى شاحنة كانت مليئة بالنساء المعتقلات، وكان فيها أيضاً شباب معتقلون. شاهدت ابنتي ملك تقف على تلّة قرب الشاحنة وتلوّح لي بيدها مودّعة.

كبّلوا يديّ إلى الخلف وغطّوا عينيّ بقطعة قماش. ضربني جنديّ على ظهري. أبقونا داخل الشاحنة خمس ساعات، ونحن مكبّلات. قبيل المغرب سارت بنا الشاحنة في اتّجاه الحدود الشرقيّة وهناك أنزلونا منها. قال لنا أحد الجنود "أهلاً وسهلاً. أنتنّ في إسرائيل". أخذت أبكي وأقول للجنود: "أولادي بقوا وحدهم، إلى أين ذهبوا؟ أنا هنا بدون زوجي!". قال لي أحد الجنود "أولادك بخير".

قال لنا أحد الجنود "أهلاً وسهلاً. أنتنّ في إسرائيل". أخذت أبكي

بعد ذلك أخذني إلى شاحنة أخرى كان فيها رجال ونساء. كان الرجال عُراة يرتدون رداءً شفّافاً وبدوا عُراة من تحته. كان البرد شديداً لكنّ الجنود جلبوا أغطية للنساء فقط.

بعد مضيّ ساعتين أدخلونا إلى حافلة، وأيدينا مكبّلة وأعيننا مغطّاة. سارت بنا الحافلة وطوال الطريق منعونا من التحرّك أو التحدّث مع بعضنا البعض. أنا مريضة، أعاني من مرض السكّري وارتفاع ضغط الدم. طلبت ماءً لأشرب لكنّهم رفضوا، بل إنّ الجنديّة ضربتني على رأسي وقالت لي: "شرموطة. أنتنّ حماس". ظلّوا يضربوننا ويبصقون علينا طوال الطريق.

بعد مضيّ ساعتين أخريين نقلونا إلى حافلة أخرى وأجروا علينا تفتيشاً جسديّاً. وصلنا إلى معسكر للجيش يُدعى "عنَتوت"، قرب القدس، وبعد أن أنزلونا هناك أدخلونا إلى قفص حديديّ. فتّشتني جنديّات وأنا عارية وعيناي معصوبتان. أمرنني بأن أخلع ملابسي وأبقى بالسروال الدّاخليّ فقط.

طلبت ماءً لأشرب لكنّهم رفضوا، بل إنّ الجنديّة ضربتني على رأسي وقالت لي: "شرموطة. أنتنّ حماس". ظلّوا يضربوننا ويبصقون علينا طوال الطريق

بعد ذلك أخذوا منّي أقراطي الذهبيّة والنقود التي كانت معي - 3,400 ش. ج. و-100 دولار. أخذوني إلى مكان أرضيّته من الأسفلت والحصى. سمعت صوتاً يقول "ماما" وكان كصوت طفلة. لوهلة ظننتها ابنتي ملك. لم أنم هناك. كلّما غفوت جاء جنديّ وضربني على رأسي وهو يقول "لا تنامي". بعد ذلك قيّدوا أيدينا وأرجلنا بالسّلاسل. أعطوني بيجاما رماديّة لكي أرتديها.

من هناك أخذوني إلى قفص حديديّ وأبقوني داخله طيلة 11 يوماً ويداي مكبّلتان، وكانت معي معتقلات أخريات. كانوا يجلبون لنا طعاماً بكميّة قليلة جدّاً، وحتى هذه الكميّة بالكاد كنت آكلها، لكي أتجنّب دخول المرحاض - لأنّه كان بعيداً ولا توجد فيه حنفيّة أي أنّه لا يمكن تنظيف الجسم كما ينبغي. من كانت في دورتها الشهريّة حصلت على فوطة صحيّة واحدة فقط. في المرحاض كنّا نساعد بعضنا البعض. لم يكن هناك حمّام.

طوال الوقت كان من حولنا جنديّات وجنود يمنعوننا طوال الوقت من النوم. كانوا يُشعلون الأضواء ويشغّلون مكبّرات الصّوت، يأكلون أمامنا ويشتموننا.

بعد مضيّ 11 يوماً أخذونا إلى سجن الدّامون في منطقة حيفا. احتجزوني هناك طيلة 31 يوماً. هناك أيضاً فتّشتني جنديّات وأنا عارية. خضعت للتحقيق خمس مرّات مع القيود على يديّ والعصبة على عينيّ. سألوني عن زوجي وإخوتي وجيراني، عن المساجد وعن بائعي الخضار. سألوني أيضاً عن شبكات التواصُل الاجتماعي التي أتابعها. كنت أقول لهم "أنا لا أنتمي لأيّ تنظيم". كانوا يجلبون لنا القليل جدّاً من الطعام. بيضة في الصباح، وعدا ذلك معكرونة أو أرزّ.

بعد ذلك نقلوني إلى معسكر "زيكيم" القريب من قطاع غزّة. هناك أيضاً فتّشوني وأنا عارية. وجدت نفسي في قاعة كبيرة. كنّا هناك نحو عشر نساء. جميعهنّ يقفن ولا يرتدين سوى السّروال الداخليّ. في داخل القاعة كانت مجنّدات، ولكن في الخارج قرب الباب المفتوح كان جنود وخشيت أنهم يروْننا ونحن عاريات.

وجدت نفسي في قاعة كبيرة. كنّا هناك نحو عشر نساء. جميعهنّ يقفن ولا يرتدين سوى السّروال الداخليّ. في داخل القاعة كانت مجنّدات، ولكن في الخارج قرب الباب المفتوح كان جنود وخشيت أنهم يروْننا ونحن عاريات

أبقونا هناك في اللّيل. بعد أن ارتدينا التقطوا لنا الصور. سألونا: "ما اسمك؟" و-"كيف حالك؟"، وأمرونا "قولي: بخير". بعد ذلك أعادوا تكبيل أيدينا بقيود بلاستيكيّة إلى الخلف وأدخلوني إلى حافلة مع معتقلات أخريات. قالوا إنّهم سيطلقون سراحنا فسألتهم عن الأغراض التي أخذوها منّي، لكنّهم لم يُعيدوا لي أي شيءً. كان ذلك في 8.2.24. طوال الطريق إلى معبر كرم أبو سالم في جنوب قطاع غزّة منعونا من التحدّث مع بعضنا وضربونا. وصلنا إلى معبر كرم أبو سالم وعبرنا. ذهبنا إلى مخيّم للمهجّرين في مدرسة في رفح، وها أنا هنا منذ ذلك الحين.

أولادي أيضاً هنا. اتّضح لي أنّه بعد اعتقالي، قامت صحفيّة بمساعدة أطفالي على التوجّه إلى الصّليب الأحمر وهناك ساعدوهم في التواصُل مع عائلتي والوصول إليها. عندما عُدت إلى القطاع تواصلت مع عائلتي، والآن أولادي هنا معي.

معظم أفراد عائلتي لا يزالون في شمال القطاع. أخي، محمد سعد (43 عاماً)، قُتل في حادثة وقعت في دوّار النابلسي في مدينة غزّة في 29.2.24، حيث أن الأشخاص الذين حاولوا الوصول إلى الشاحنات التي جلبت المؤن إلى شمال القطاع إمّا قُتلوا برصاص الجنود أو دهساً تحت عجلات الشاحنات أو داستهم أقدام الحشود. أتحدّث مع زوجي ووالديّ عندما يُتاح لي ذلك، لأنّ الهواتف لا تعمل دائماً. وضعهم مُريع وهُم جائعون جدّاً. قالت لي أمّي إنّها تُمضي أيّاماً بأكملها دون طعام. علمت أيضاً أنّ منزلنا قُصف وتهدّم.

أدعو الله أن تنتهي الحرب ونتخلّص من العذاب وأن أتمكّن من لقاء زوجي ووالديّ. أتمنى أن أعود إلى قطاع غزّة رغم أنّنا أضحينا بلا منزل. مُرادنا فقط أن نخرج من هذه الحرب أحياء، أنا ومن تبقّى من عائلتي.

- سجّلت هذه الإفادة باحثة بتسيلم الميدانيّة ألفت الكُرد في 18.3.24