فريد عامر (65 عاماً)، أب لستّة

  

بتسيلم- 1/1/2024

أقيم مع زوجتي وأبنائنا الأربعة في بناية تقع شرقيّ خان يونس. اثنان من أبنائنا متزوّجان ويُقيمان في شقّتين كلّ مع زوجته وأولاده. تعرّضت منطقتنا للقصف منذ بداية الحرب، خاصّة الأراضي الزراعيّة ولكن قُصفت أيضاً منازل تبعد عن بنايتنا مسافة 400-500 متر.

في 1.12.23 قرّرنا أنّه من الأفضل أن يغادر ابنانا المتزوّجان، أحمد وعبد الرحمن، شقّتيهما مع زوجتيهما وأولادهما وينتقلا إلى مكان أكثر أمناً في مركز خان يونس. أنا وزوجتي وابنانا الآخران محمد وإبراهيم بقينا في المنزل.

في 5.12.23 حصل قصف شديد طوّق خان يونس من الشرق والغرب واقترب منّا كثيراً. في تلك الليلة لم تغمض لنا عين فقرّرنا في الصّباح الباكر أن تغادر زوجتي وابنانا اللّذان بقيا معنا إلى مركز خان يونس. بقيت في البيت وحدي مدّة تقارب أسبوعاً وكنت أسمع طوال الوقت دبّابات قريبة وقصف منازل بواسطة مدافع رشّاشة وقذائف، ثمّ أطلقوا قذيفة على بنايتنا فتضرّرت الشقّة التي في الطابق الأوّل.

أدركت أنّه يجب أن أغادر أنا الآخر لكنّ الخروج كان محفوفاً بمخاطر كثيرة. انتظرت ثلاثة أيّام لأنّني خفت أن يستهدفني القنّاصون في المنطقة. لقد أتلفوا الألواح الشمسيّة والأنابيب وخزّانات المياه التي على سطح البناية. كانوا يطلقون النيران على كلّ شيء من حولي. كان الأمر مُرعباً.

تقدّم جنديّ نحوي من الخلف وضربني ضربة قويّة على الجهة اليمنى من ظهري، بيده التي كان عليها قفّاز من البلاستيك الصّلب

في يوم الثلاثاء الموافق 12.12.23، عند السّاعة 12:00 ظهراً، وقفت الدبّابات والجيش عند مدخل منزلي تماماً. حملت راية بيضاء وفتحت الباب لكي يروا الرّاية ويعرفوا أنّني مدنيّ. عندما رأى الجنود الرّاية أطلقوا النار على باب المنزل. لم يستهدفوني مباشرة ولكن شعرت أنّهم يقصدون ترهيبي، لا إصابتي.

فوراً قلت لأحد الجنود، بالعبريّة: "أنا صاحب المنزل. أنا مُواطن. عُمري 65 عاماً"، وقد كرّرت ذلك مرّتين. قال لي الجندي: "ازحف على الأرض" وأمرني أن أخلع ملابسي كلّها، بما فيها الداخلية، وأن أبقى عارياً. عندما فعلت ذلك تقدّم جنديّ نحوي من الخلف وضربني ضربة قويّة على الجهة اليمنى من ظهري، بيده التي كان عليها قفّاز من البلاستيك الصّلب. حتى اليوم ما زال موضع الضربة يؤلمني. بعد ذلك كبّل يديّ خلف ظهري وعصب عينيّ.

أبقوني نحو نصف ساعة ملقىً على الأرض في حديقة منزلنا. بعد ذلك أخذوني هكذا - عارياً - إلى منزل آخر في الحيّ يبعد عن منزلي مسافة 150 متراً تقريباً. قاموا بتصويري وأعطوني رقم (058793).

بعد مضيّ ساعتين أخذني الجنود للتحقيق في منزل آخر. أعطوني "شبشب" لكي أنتعله، ثمّ أمسكوني من يدي وساروا بي وأنا لا أزال عارياً وعيناي معصوبتان في طريق وعرة جدّاً - مليئة بالحجارة وقِطَع الزجاج والرّمال.

حقّقوا معي مدّة 45 دقيقة تقريباً. سألوني عن جيراني وهل أعرف أشخاصاً من حماس. أثناء التحقيق أزالوا العصبة عن عينيّ. الضابط الذي حقّق معي سألني عن أولادي ومن أين أعرف العبريّة. طلبت منه ماءً لأشرب فجلب لي الماء. بعد التحقيق أعادوني إلى المنزل الذي احتجزوني فيه من قبل.

من هناك أخذوني إلى مكان قريب من الحدود شرقيّ خان يونس، بعيداً عن القصف والقذائف. طوال هذا الوقت كنت لا أزال عارياً، مكبّل اليدين ومعصوب العينين. في هذه المرحلة كانوا قد كبّلوا رجليّ أيضاً. احتجزونا هناك في العراء. كانت ليلة صعبة. كان المطر يهطل على جسمي العاري. كان إلى جانبي أشخاص آخرون ولكن لم أعرف من هُم. هناك جلبوا لي طعاماً للمرّة الأولى، بعد ثلاثة أيّام من الاعتقال. قِطعتا خُبز وخيارة.

في يوم الأربعاء أدخلونا إلى مركبة تشبه الحافلة ونقلونا فيها إلى مكان علمت لاحقاً أنّه في إسرائيل. استغرق السّفر مدّة ساعة تقريباً.

أبقوا يديّ مكبّلتين وعينيّ معصوبتين طيلة فترة الاعتقال، في اللّيل والنّهار. كان من الصّعب جدّاً الدخول إلى المرحاض على هذا النحو

عندما وصلت إلى هناك أعطوني ملابس داخليّة وزيّاً رماديّاً خاصّاً بالسّجناء. في اليوم التالي أخذوني في اللّيل إلى تحقيق استمرّ نحو ثلاث ساعات. أجلسوني على كرسيّ وربطوا يدي إليه، وربطوا رجليّ إلى حدائد مثبّتة في الأرض. قالوا لي أن أبقي رأسي منخفضاً. مضمون التحقيق كان شبيهاً جدّاً بمضمون التحقيق الأوّل. بعد مضيّ يومين أخذوني مرّة أخرى للتحقيق، وقد استمرّ مدّة ساعة، وكان شبيهاً بسابقيه. وجّهوا إليّ الأسئلة نفسها - عنّي وعن أولادي وجيراني.

في معسكر الاعتقال رأيت أشخاصاً من قطاع غزّة، منهم من اعتُقلوا من منازلهم وآخرون اعتُقلوا من مختلف مستشفيات القطاع.

كانت الظروف هناك صعبة جدّاً. أبقوا يديّ مكبّلتين وعينيّ معصوبتين طيلة فترة الاعتقال، في اللّيل والنّهار. كان من الصّعب جدّاً الدخول إلى المرحاض على هذا النحو، حتى أنّني فضّلت الامتناع عن الطّعام كي لا أحتاج إلى الدخول إلى المرحاض، الذي كان قذراً جدّاً.

في أحد طوابير الأسماء الذي أجروه داخل "البركس" الذي احتجزوني فيه تبيّن لي أنّه يوجد معنا أيضاً طفل في الـ13 من عمره، من عائلة قنديل. لا أعرف اسمه الشخصي. سمعت الجنديّة تسأله "كم عمرك؟" فأجابها: "13 سنة"، ثمّ ذهبوا.

في أحد طوابير الأسماء الذي أجروه داخل "البركس" الذي احتجزوني فيه تبيّن لي أنّه يوجد معنا أيضاً طفل في الـ13 من عمره

في الصّباح الباكر من يوم الأحد الموافق 24.12.23 جاء جنديّ وسأل من منّا توجد له أغراض هُنا في الأمانات. أنا لم أعرف إن كانت لي أغراض هناك لأنّني لا أعرف هل أخذوا بطاقة هويّتي وهاتفي بعد أن تعرّيت أم أنّهما بقيا هناك. على كلّ حال لم أتسلّم من الأمانات أيّ شيء.

بعد ذلك أدخلوني ومعتقلين آخرين إلى حافلة أقلّتنا إلى معبر كرم أبو سالم. وصلنا إلى هناك عند السّاعة 7:00 صباحاً، مع حافلة أخرى. كنّا نحو 60 معتقلاً. فكّوا وثاقنا ثمّ مشيت من هناك حافياً مسافة 4-5 كم. قال لي أحد الجنود: "انظر، هذا هو الطريق. امش فيه، وممنوع أن تتوقّف أو تنظر إلى الوراء".

عندما وصلت إلى الجانب الفلسطينيّ من المعبر كانت نقطة توزيع تابعة لوكالة الغوث. أعطوني ماء للشرب وبسكويت.

طلبت من موظفي الوكالة أن يسمحوا لي بالاتصال بزوجتي ففعلوا، ولكنّي لم أتمكّن من الاتصال بها لأن الاتصالات الخليويّة كانت مقطوعة. ثمّ طلبت أن أتحدّث مع محمد ابن أخي، وهو موظّف في وكالة الغوث. بعد أن تحدّثت معه جاء وأخذني.

لم يعرف أحد من عائلتي أنّني كنت معتقلاً لدى الجيش الإسرائيليّ منذ قرابة أسبوعين. كانوا يظنّون أنّني لا أتمكّن من الاتّصال بهم لأنّ الاتصالات الخليويّة شبه مقطوعة، وأنّني ربّما خرجت من المنزل وأحاول الوصول إليهم. لقد فوجئوا وصُدموا عندما سمعوا بما جرى لي.

بعد ذلك أقلّوني إلى المنزل حيث التقيت أسرتي. بكينا، جميعُنا.

- هذه الإفادة سجّلتها باحثة بتسيلم الميدانيّة ألفت الكُرد، في 1.1.24