بكر جبر زعبي/ فارءه معاي/1-4-2024
ليس هنالك أدنى شك، أن الانتهاكات في المسجد الأقصى، وحصار غزة، والاعتداءات المتكررة في الضفة الغربية، واستمرار مشروع الاستيطان بالتوسع، هي من الأسباب المركزية لاستمرار الصراع القائم في هذه البلاد، ومن الأسباب المركزية لأحداث السابع من تشرين الأول \ أكتوبر، بمعنى: الأسباب المركزية التي دفعت حماس للقيام بما قامت به، وهي لا تخفي ذلك طبعًا، بدليل إطلاقها اسم "طوفان الأقصى" على العملية بأسرها، فالمسجد الأقصى بالنسبة للفلسطينيين بأكملهم، وللتيارات الدينية بشكل خاص، هو مركز القضية وأساسها، ولكن هذا كله لا يخفي حقيقة أن أحد أبرز الدوافع لهذه العملية، وربما أبرزها، لم يكن المسجد الأقصى وما يحصل فيه بقدر مسألة آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ورفع حدة التنكيل بحقهم في العام الأخير، خصوصًا مع استلام إيتمار بن غفير حقيبة وزارة الأمن القومي- المسؤولة عن مصلحة السجون.
تاريخيًا، قسم كبير من عمليات المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، كانت بهدف تحرير الأسرى، عمليات الستينات والسبعينيات، "عملية ميونخ عام "1972 وغيرها، وحتى حرب تموز 2006 مع لبنان التي اندلعت عقب قيام حزب الله باختطاف جنديين إسرائيليين، وآخر هذه العمليات كانت، "طوفان الأقصى".
منذ استلام المدعو بن غفير لملف مصلحة السجون، بدأ بتطبيق تهديداته دون أي رادع أو التفات حتى للآراء المهنية والاستخباراتية التي حذرت من خطورة إشعال ملف الأسرى، حيث لم يترك سبيلًا للتضييق عليهم إلا وسلكه، ابتداءً من منع زيارات الأهل المحدودة أصًلا، مرورا بالتضييق على ظروف الأسرى البائسة، وصولًا إلى التدخل في التفاصيل اليومية البسيطة كوقت استحمام الأسرى ونوعية الخبز الذي يتناولونه، ناهيك عن الزنازين الانفرادية ونقل الأسرى من معتقل إلى آخر والاعتداءات المتكررة عليهم خصوصًا الكبار وأصحاب الأقدمية من بينهم، إلى جانب تجاهل نضال معارك "الأمعاء الخاوية" للأسرى ما أدى وبشكل غير مسبوق إلى استشهاد الأسير الشيخ خضر عدنان جوعًا في أيار 2023.
لطالما تعاملت الأجهزة الأمنية في إسرائيل مع ملف الأسرى بحذر كبير، مدركة أن أيّ تصعيد بحق الأسرى قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في الميدان، خصوصًا وأن بعضهم من الشخصيات القيادية البارزة في الحركات السياسية الفلسطينية، على كل ما يترتب عليه الأمر من التزام الفصائل تجاههم في إطار مسعى تحريرهم.
ورغم كل التحذيرات استمر بن غفير بالتنكيل بالأسرى والتفاخر بذلك، وأذكر في هذا السياق مشاهدة فيديو كان نشر قبل السابع من أكتوبر بفترة قصيرة، يظهر فيه رجلٌ اسرائيليّ وهو يتحدث لابنه الذي يقوم بتصويره، عما فعله بالأسرى متحديًا عجز حماس بفعل أي أمر مقابل ذلك.
ثم جاء "طوفان الأقصى"، وكانت الصفقة الأولى التي تم الإفراج فيها عن مئات الأسرى من الأطفال والنساء، وحتى كتابة هذه السطور، لا تزال المفاوضات جارية لإحراز صفقة ثانية، ربما من أبرز نقاط الخلاف حولها هو مسألة التضييق على إتاحة دخول الفلسطينيين الى المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان الفضيل، الى جانب عدد وهوية الأسرى المحررين.
وفي الجانب القانوني، لا بد من الإشارة الى أن إسرائيل تعتبر كيانا محتلًا في الضفة الغربية، وإلى أن نقلها للمعتقلين الفلسطينيين إلى السجون داخل إسرائيل هو مخالف للقانون الدولي. كما أن إسرائيل تعتقل الفلسطينيين في بيوتهم وأراضيهم، غير آبهة فيما إذا كانوا أطفالًا، وبعضهم من دون أدلة أو بينات. كما أن معاملة اسرائيل لهم تارة كمحكومين وتارة كمحررين بصفقات يمكن النظر إليها على كونِ الأسرى بالنسبة لها رهائن للمساومة.
تحاول بعض الجهات السياسية التقليل من أهمية تحرير الأسرى في أي صفقة قادمة، نظرا لعدد الشهداء الكبير والدمار الهائل في القطاع الذي خلفته الحرب الإسرائيلية. باعتقادي لا ينبغي أن تحسب الأمور بهذا الشكل، بمعزل عن موقفنا من حركة حماس ومن الحرب بشكل عام، لأن الربح والخسارة في الحروب لا يجري قياسهما فقط بعدد القتلى والدمار الذي لحق بكل جهة، لا سيما باختلاف قوتها وأثرها، وإنما بنتائجها النهائية، بما يشمل قضية تحرير الأسرى.
كاتب وصحافي ومحرر موقع "بكرا"