ز.أ. من سكّان شرقي القدس

      

بتسيلم - 7/4/2024

في 12.10.23، نحو السّاعة 13:30، حين كنت في طريقي إلى مكان عملي على درّاجتي الناريّة، اعترضت طريقي سيّارة مدنيّة من نوع كيا سبورتاج. ترجّل من السيّارة أربعة رجال مسلّحين يرتدون زيًّا رماديّ اللّون. صوّب الأربعة سلاحهم نحوي مباشرة، دون أن يعرّفوا عن أنفسهم. أوقفت الدرّاجة بسُرعة ونزلت عنها، ووقعت هي على الأرض.

سألني أحد الأربعة عن اسمي، ثمّ جرّني إلى داخل السيّارة. خفت كثيرًا. أجلسوني بين اثنين منهم، ولفّ أحدهم شريطًا لاصقًا رماديّ اللون حول رسغيّ استبدله لاحقًا بأصفاد بلاستيكيّة ثمّ بأصفاد معدنيّة. في أثناء تربيط يديّ راح الرّجال الأربعة يتضاحكون ويتهكّمون عليّ. طلب أحدهم من زميله أن يضع شريطًا لاصقًا على عينيّ أيضًا، لكنّ الأخير ردّ بأنّه عوضًا عن ذلك سوف يستخدم قطعة قماش.

كما أنّهم رفضوا أن يجلبوا لي ماءً لأشرب. كان الشرطيّ كلّما طلبت الماء أو الذهاب إلى المرحاض يقول لي "ممنوع الكلام".

أخذوا منّي الهاتف، وحين رنّ عدّة مرّات متتالية أخذ أحد الأربعة يشتمني لأنّ الرّنين أزعجه. شتم أمّي.

أثناء سير السيّارة أمرني أحد الأربعة بأن أتحدّث مع شخص ما عبر الهاتف. قدّم الشخص نفسه على أنّه "الكابتن" المسؤول عن المنطقة التي أسكن فيها. سألني رجل المخابرات هذا هل أنا مسرور من مقتل الإسرائيليّين في غلاف غزّة، فأجبته "بالطبع لا". قال لي إنّه وباسم شعب إسرائيل يشكرني على تعاطفي، وأردف "سلّم على الأسرى". هكذا فهمت أنّني معتقل. أظنّ أنّ الذين اعتقلوني هُم عناصر من وحدة "يمام"، وفقًا لزيّهم الرّماديّ.

عندما أنزلوني من السيّارة ربطوا رجليّ أيضًا، وعصبوا عينيّ بقطعة قماش. اقتادوني إلى الغرفة 4 في محطة الشرطة في "المسكوبيّة"، حيث يحقّقون مع الفلسطينيّين. عندما أنزلوني من السيّارة مدّ أحد الأربعة رجله لكي يوقعني، وتكرّر ذلك لاحقًا أثناء صُعودي الدّرج. أثناء ذلك كانوا جميعًا يتضاحكون ويتهكّمون عليّ. أحدهم سخر من وزني قائلًا: "دير بالك! هذا لا ينكسر، إنّه ينفجر". كان وزني آنذاك 150 كغم.

أجلسوني على كرسيّ وأبقوني وحدي نحو أربع ساعات. كنت متضايقًا جدًّا، صحّيًّا. قبل اعتقالي كنت أراجع طبيب القلب لأنّني أحسّ نخزة في القلب وألهث لدى صعود الدّرج. طلبت من الشرطيّ الذي كان معي في الغرفة أن يستدعي طبيبًا. قلت له إنّني أشعر بألم في قلبي، لكنّه تجاهلني. كما أنّهم رفضوا أن يجلبوا لي ماءً لأشرب. كان الشرطيّ كلّما طلبت الماء أو الذهاب إلى المرحاض يقول لي "ممنوع الكلام". فقط بعد مضيّ أربع ساعات تقريبًا، قبل أن يبدأ التحقيق، سمحوا لي بدخول المرحاض. عندما دخلت أزالوا العصبة عن عينيّ.

​​عندما​ ​أجلسوني​ ​في​ ​غرفة​ ​التحقيق​ ​كنت​ ​لا​ ​أزال​ ​مرب​​ّ​​ط​ ​اليدين​ ​والر​​ّ​​جلين​​، ​​لكن​ ​دون​ ​عصبة​ ​على​ ​العينين​. ​المحق​​ّ​​ق​​، ​​الذي​ ​كان​ ​يرتدي​ ​ملابس​ ​مدني​​ّ​​ة​​، ​​قال​ ​لي​ ​إن​​ّ​​ني​ ​مشتبه​ ​بالتواص​​ُ​​ل​ ​مع​ ​منظمات​ ​معادية​​، ​​مثل​ ​داعش​ ​وحماس​. ​قلت​ ​له​ ​إن​​ّ ​​هذا​ ​غير​ ​صحيح​. ​استمر​​ّ ​​التحقيق​ ​نحو​ ​عشر​ ​دقائق​ ​وفي​ ​نهايته​ ​وق​​ّ​​عت​ ​على​ ​ورقة​ ​ك​​ُ​​تبت​ ​بالعربي​​ّ​​ة​.

بعد ذلك أخرجوني إلى الممرّ الذي بين الغرف وأعادوا ربط العصبة على عينيّ. أجبروني على الرّكوع هناك - رغم أنّني قلت لهُم إنّني لا أقدر على الرّكوع مدّة طويلة بسبب السّمنة الزائدة. قال لي الشرطيّ إنّ هذه ليست مشكلته. أبقوني هكذا حتى السّاعة 21:00 ليلًا. تألّمت كثيرًا، حتّى أنّني كدت أبكي.

لم يجلبوا لي طعامًا وكنت جائعًا وعطشانَ. وطوال هذه السّاعات لم يسمحوا لي بدخول المرحاض مرّة أخرى. آلمتني مفاصل رجليّ وركبتيّ كثيرًا. عندما جلست هناك كنت أسمع صُراخ وبكاء أناس يبدو أنّهم يتعرّضون للضرب.

بعد لك نقلوني مع أربعة معتقلين إلى المعتقل في "المسكوبيّة"، وقد حدّثوني أنّهم تعرّضوا للضرب. أخذونا بمركبة شرطة، رغم أنّ قطع المسافة يستغرق دقيقة واحدة فقط.

السجّان الذي أجرى التفتيش كان يصفعني كلّما خلعت قطعة من ملابسي

لدى دخول المعتقل فتّشوني وأخذوا خاتم الزواج وألقوه في سلّة القمامة مع ورقة الأمانات التي تثبت مصادرة أموال منّي أثناء اعتقالي. بعد ذلك أمروني بأن أخلع ملابسي وفتّشوني عاريًا. السجّان الذي أجرى التفتيش كان يصفعني كلّما خلعت قطعة من ملابسي. عندما خلعتُ نعليّ أخذهما وضربني بهما على رأسي بقوّة آلمتني كثيرًا. كان هناك سجّان آخر، هو أيضًا ضربني أثناء التفتيش، الذي استمرّ نحو خمس دقائق.

بعد ذلك أخذوني إلى غرفة أخرى قاموا فيها بتصويري، ومن هناك أخذوني إلى غرفة الانتظار حيث أجلسوني على مقعد من الباطون مع قيود على يديّ ورِجليّ وعصبة قماش على عينيّ. جلستُ هناك ساعة من الزمن حتّى أخذوني إلى زنزانة فيها خمسة معتقلين. طلبت من السجّان أن يجلب لي طعامًا، فقال لي إنّني يجب أن أكون ميتًا أصلًا، فلماذا يجلب لي طعامًا.

بقيت دون طعام حتى صباح اليوم التالي، ثمّ جلبوا لي على ما أذكر 50 غم من الجبنة البيضاء وقطعتي خبز. لا أذكر بالضبط، فقد مرّ على ذلك نصف سنة. احتجزوني في "المسكوبيّة" 13 يومًا، وكانوا خلالها يأتون بمعتقلين جدُد كلّ يوم حتى بلغ عددنا 14 – علمًا أنّ الزنزانة تتّسع لعشرة فقط. كان عشرة منّا ينامون على الأسرّة والبقيّة على فرشات وُضعتْ على الأرض.

كانوا يُجرون العدد ثلاث مرّات يوميًّا، وفي أثناء ذلك يأمروننا أن نقف ووجوهنا نحو الحائط. في كلّ عدّ كان السجّانون يضربوننا ويهينوننا: صفع، ركل، ضرب بهراوات حديديّة وخشبيّة. كانت مدّة تعرّضنا للضرب تختلف من مرّة لأخرى، لكنّهم كانوا يضربوننا دائمًا. هناك معتقلون أصيبوا بجروح أثناء العدد. في إحدى المرّات ألقى السجّانون بنا جميعًا على أرضيّة الغرفة وأخذوا يقفزون فوقنا ويضحكون لمدّة دقائق.

كانت لديّ حبوب دواء لعلاج ضغط الدّم وكنت أتناول حبّة واحدة كلّ يوم. ذات مرّة، ناداني السجّان لكي أتناول منه الدّواء، وعندما وضعت الحبّة في فمي انهال على وجهي صفعًا وهو يصرخ "ابتلع الحبّة جيّداً!".

كانت الإنارة تعمل في الزنزانة من السّاعة 21:00 ليلًا حتّى السّاعة 9:00 صباحًا. الزنزانة كانت بلا نوافذ، ولذلك تحتاج إلى إنارة في ساعات النهار أيضًا. لكنّهم بدلًا من إنارة الغرفة في النهار كانوا ينيرونها ليلًا في أوقات نومنا، وكان هذا يمسّ بجودة النوم.

غداة يوم اعتقالي أخذوني إلى غرفة شاهدت فيها عبر تطبيق "زوم" قاعة المحكمة، وكان يجلس في القاعة محامٍ وقاضٍ وأشخاص آخرون. قرّروا تمديد اعتقالي، وبعد ستّة أيّام قالوا لي إنّه قد صدر بحقّي أمر اعتقال إداريّ لمدّة شهرين.

في اليوم الخامس على اعتقالي صادروا جميع ملابس الأسرى، ما عدا تلك التي كنّا نرتديها. أخذوا منّا المناشف أيضًا. خلافًا لما كان في الماضي، توقّفوا عن تزويدنا بمسحوق الغسيل أو تخصيص مكان لنا لنغسل فيه ملابسنا. المرحاض كان في داخل الزنزانة، وكان فيه حمّام "دوش" واحد أيضًا. بعد اعتقالي بخمسة أيّام توقّفوا عن تزويد الماء السّاخن فصرنا نستحمّ بالماء البارد ودون صابون أو "شامبو".

فورَ وُصولنا إلى سجن النقب أجبرونا على السّجود، جبيننا على الأرض ويدانا فوق الرأس. وكان ممنوعًا علينا أن نرفع رأسنا عن الأرض

بعد مضيّ أسبوع على تبليغي بقرار تمديد اعتقالي الإداري نقلوني إلى سجن النقب مع ثلاثة أسرى آخرين – واحد من الضفة الغربيّة واثنين من القدس. كنّا مكبّلين في الأيدي والأرجُل، وأثناء اقتيادنا إلى مركبة نقل السّجناء ظلّ السجّانون يضربوننا ويركلوننا.

استغرق السفر إلى سجن النقب نحو ثلاث ساعات. كنتُ جائعًا وعطشانَ، لأنّني لم أتناول أي شيء منذ أن أخرجوني من الزنزانة وقد استغرق الأمر بضع ساعات. فورَ وُصولنا إلى سجن النقب أجبرونا على السّجود، جبيننا على الأرض ويدانا فوق الرأس. وكان ممنوعًا علينا أن نرفع رأسنا عن الأرض.

بعد ساعة أخذوني للتفتيش العاري ومن هناك إلى غرفة التحقيق. في التحقيق سألوني لماذا أنا معتقل ولدى أيّ تنظيم أريد الانضمام داخل السّجن – فتح، حماس، الجهاد الإسلامي، فصائل اليسار أو غيرها. قال لي المحقق إنّني أعلم بالتأكيد أين يخبّئ الأسرى الهواتف، لأنّني سُجنت في السّابق لمدّة سبع سنوات. قلت له: "لا أعرف عمّ تتحدّث" فما كان منه إلّا أن راح يشتم أمّي ويهدّد أن يضربني بالشاكوش الذي كان يدقّ به على الطاولة أثناء التحقيق، وهو مغلّف بالجلد.

بعد مضيّ عشر دقائق أعادوني إلى المكان الذي كنت ساجدًا فيه على الأرض، وأجبروني مجدّدًا على السّجود بالوضعية نفسها طوال أربع ساعات، وكنت بعدُ لم أتناول طعامًا ولم أشرب ماءً ولم يسمحوا لي بدخول المرحاض. لقد كانت تلك قمّة المهانة والإذلال. أسوأ بكثير من الألم الجسديّ.

في نهاية الأمر أخذوني إلى الزنزانة. بعد أن كبّلوا يديّ اقتادني السجّان وهو يُمسكني من عُنقي ويُجبرني أن أحني ظهري وأطأطئ رأسي أثناء السير. ما أريد أن أقوله هو أنّني أمضيت من قبل في السّجن سبع سنوات ولكن لم أمرّ بمثل هذا الإذلال، لم أتعرّض لمثل هذا الاضطهاد ولم أشهد مثل هذا المسّ بكرامة الإنسان. هذا التحوّل طرأ بعد 7 أكتوبر 2023.

أخذوني إلى القسم 26، وأدخلوني إلى زنزانة معدّة لاستيعاب خمسة أشخاص ولكن كان فيها ستّة. دفعوني دفعًا إلى داخل الزنزانة، وفي الداخل رأيت الأسرى يقفون في زوايا الغرفة ووجوهُهم نحو الحائط، وبعضهم يرتعد خوفًا. كانت تلك المرّة الأولى التي أرى فيها أسرى يقفون هكذا مع وجوههم نحو الحائط ويتوتّرون إلى هذه الدرجة لحظة أن يفتح السجّان باب الزنزانة. خلال سنوات سجني السابقة كان الأسرى يقفون عند الباب أو يبقون جالسين لدى دُخول السجّانين – ما عدا وقت العدد، حيث كان على الجميع أن يقفوا، ولكن ليس في جُزء معيّن من الغرفة. هذا كلّه تغيّر كثيرًا.

هنا بدأت رحلة عذابي في سجن "كتسيعوت". أثناء العدد كان على الجميع أن يكتظّوا في إحدى زوايا الزنزانة، ساجدين وأيديهم فوق الرأس. كان على الأسرى أن يحشروا أنفسهم كلّهم في زاوية واحدة من الغرفة. هذا إجراء جديد لم يكن ساريًا قبل 7 أكتوبر.

منذ نقلي إلى "كتسيعوت" ولمدّة شهر ونصف أمضيتها هناك كانت الإنارة في الغرفة تعمل فقط بعد السّاعة 20:00 ليلًا. بعد ذلك صاروا يقطعون الكهرباء في اللّيل وفي النهار. كانوا يوفّرون الإنارة فقط في أثناء العدد، لكي يتمكّن السجّان من عدّ الأسرى.

بعد مضيّ شهرين على نقلي توقّف التزويد الدّائم للماء السّاخن. حتى اليوم الـ 60 كنت أستحمّ مرّة كلّ أسبوعين خارج الزنازين. كانت هناك عشر "دوشات" وكانوا يخصّصون لكلّ أسير خمس دقائق للاستحمام. كنّا نستحمّ دون صابون ولم تكن لدينا مناشف.

كذلك حدّدوا تزويد المياه الجارية في الغرف لمدّة ساعة واحدة في اليوم، من 14:30 إلى 15:30. وأيضًا المياه في المرحاض – الموجود داخل الزنزانة – كانت تتوفّر فقط خلال هذه السّاعة، ولذلك كنّا نمتنع عن استخدام المرحاض خارج هذا الوقت. لكن أحيانًا كان الأسرى لا يقدرون على الانتظار، وعندئذٍ كان الوضع مقرفًا حيث فضلات الجسم تبقى بلا تنظيف وتزكم أنوفنا الرائحة الكريهة.

كانت لدينا للشرب زجاجتا ماء سعة لتر ونصف كلّ واحدة، ويجب أن تكفيا عشرة أسرى طوال 23 ساعة، إلى حين وُصول المياه الجارية مرّة أخرى. كنّا نتوضّأ تيمّمًا لأنّ المياه لم تتوفّر لنا. في الشهر الأخير الذي أمضيته في السّجن أعادوا لنا المياه الجارية الباردة في الغرف طوال اليوم، وكان ذلك في ثاني أيّام شهر رمضان.

صادروا جميع كتب القرآن، وإذا حدث أن عثر السجّانون على قرآن أثناء التفتيش كانوا يُلقونه أرضًا ويدوسونه بأقدامهم

وأيضًا، بعد 7 أكتوبر صادروا جميع كتب القرآن، وإذا حدث أن عثر السجّانون على قرآن أثناء التفتيش كانوا يُلقونه أرضًا ويدوسونه بأقدامهم. صادروا أيضًا سجاجيد الصلاة والمسابح، ومنعوا الصلاة بأيّ شكل – الجماعية والفرديّة. كان ممنوعًا علينا أن نصلّي بصوت مُرتفع، وهناك أسرى تعرّضوا للضرب لأنّهم رفعوا صوتهم أثناء الصّلاة. قبل قدوم رمضان بشهر واحد سمحوا للأسرى بأداء الصلاة فرديًّا، ولكن دون صوت. صلاة مع "كاتم صوت"!

إضافة إلى إجراء العدد اليومي، الذي كانت غايته إذلال الأسرى، كانوا يُجرون تفتيشًا يوميًّا داخل الزنازين حيث يكبّلون أيدينا ويُخرجوننا منها فيما هُم يضربون ويركلون الجميع؛ بعد ذلك كانوا يفتّشون الزنزانة، بما في ذلك النوافذ والجدران والأرضيّة. وهكذا كلّ يوم: عدّ ثلاث مرّات وتفتيش مرّة واحدة. أحيانًا كانوا يبلّلون ملابسنا والفرشات أثناء التفتيش اليوميّ.

ألغي الخروج إلى السّاحة، وتقريبًا لم تكن لدينا أيّة فرصة للمشي أو الحركة أو تنفّس الهواء النقيّ.

منذ 7 أكتوبر توقّفت العيادات عن العمل. فقط في الشهر الأخير من فترة اعتقالي فتحوا العيادات مجدّدًا، ولكن كانوا يسمحون بزيارة العيادة فقط لأسيرين اثنين يوميًّا، من أصل 1,300 أسير في القسم ج الذي كنت سجينًا فيه. أتحدّث هنا عن أناس لم يتلقّوا أيّ علاج طوال خمسة أشهُر. في وقت العدد كان يأتي مع السجّانين مُسعف ويجلب معه حبّة "أكامول" واحدة لكلّ الأسرى العشرة الذين في الزنزانة. أي أنّ معالجة جميع أمراض الأسرى كلّهم كانت تتمّ بحبّة "أكامول" واحدة.

بسبب التردّي المُريع لظروف النظافة الصحّيّة، تقييد الحصول على المياه، منع المياه السّاخنة ومنعنا من غسْل ملابسنا أو استبدالها – تفشّت أمراض جلديّة لدى جزء من الأسرى. بعضهم عانى أيضًا من البواسير، نتيجة الإمساك الناجم عن قلّة المياه واضطرارنا لاستخدام المرحاض فقط خلال السّاعة التي توفّرت فيها المياه. كما أنّ مشكلة الإمساك تفاقمت نتيجة التغذية الرّديئة نوعيًّا وكميًّا، ما سبّب للأسرى أمراضًا معويّة.

الطعام الذي كانوا يجلبونه لنا لم يكن مطبوخًا كما ينبغي. على سبيل المثال، كانوا يقدّمون لنا الأرزّ منقوعًا بالماء السّاخن، دون طبخه، والكميّة كانت نحو ثلاث ملاعق لكلّ أسير. وكانوا يضيفون إلى ذلك ملعقة فاصولياء أو حبوب أخرى لكلّ شخص؛ أو قطعتي سجق و7 شرائح خبز لكلّ أسير إضافة إلى ملعقة قرنبيط، رُبع خيارة ورُبع حبّة بندورة. كنّا نحصل على وجبة واحدة في اليوم، وأحيانًا اثنتين. كان الطعام بدون ملح وبهارات. البلاطة التي كان يستخدمها الأسرى في الماضي لتسخين الطعام قد صادروها، وأيضًا كان ممنوعًا الشراء من "الكانتين".

في وقت العدد كان يأتي مع السجّانين مُسعف ويجلب معه حبّة "أكامول" واحدة لكلّ الأسرى العشرة الذين في الزنزانة

في واقع مصادرة جميع ملابسنا ما عدا التي كنّا نرتديها ومنعنا من غسلها انتشرت في الغرفة رائحة كريهة، إضافة إلى منع المياه السّاخنة في الحمّام وقطع المياه الجارية عن المرحاض. أنا شخصيًّا بقيت مرتديًا الملابس نفسها، ودون غسلها، طوال ستّة أِشهُر.

منعوا عنّا الزيارات، وطوال هذا الوقت لم يكن لدينا أيّ اتّصال بأيّ جهة خارج السّجن – العائلة، المحامين، الصّليب الأحمر، لا أحد بتاتًا. قبل شهر من إطلاق سراحي سمحوا لي بمقابلة محامٍ في السّجن.

أثناء فترة اعتقالي كانوا يمدّدون بشكل متواصل أمر الاعتقال الإداريّ: في البداية لمدّة شهرين وبعد ذلك لمدّة شهرين آخرين، ثمّ لمدّة 50 يومًا. في كلّ مرّة كانوا يقتادونني في الساعة 8:00 صباحًا إلى غرفة لكي أشارك فيها في الجلسة عبر تطبيق "زوم"، وقد كانت تبدأ في الساعة 14:00. أثناء الانتظار حتى بدء الجلسة كانوا يُجبروننا، أنا والأسرى الآخرين الذين جلبوهم إلى هناك، على الرّكوع، وكانوا يبقوننا دون طعام أو ماء للشرب.

أخلوا سبيلي في 30.3.24. عند السّاعة 7:30 صباحًا أخرجوني من الزنزانة واقتادوني إلى غرفة أجبروني فيها على الانتظار بالوضعيّة المؤلمة نفسها – السّجود واليدان مرفوعتان فوق الرأس. أبقوني هكذا طوال أربع ساعات دون طعام أو ماء للشرب، ودون السّماح لي بدخول المرحاض. خلال هذا الوقت كان أفراد أسرتي ينتظرونني خارج السّجن.

- هذه الإفادة سجّلها باحث بتسيلم الميدانيّ عامر عاروري في 7.4.24.