ف. ج. من سكان محافظة الخليل

  

بتسيلم - 19/3/24

في 17.10.23، قرابة الساعة 1:25 بعد منتصف الليل، استيقظنا على صوت طرقات قويّة على باب المنزل. فتحتُ الباب فرأيتُ ضابطًا إسرائيليًّا وأربعة جنود، وعشرات الجنود الآخرين الذين كانوا منتشرين حول المنزل. سألني الضابط عن اسمي وطلب بطاقة هويّتي، فأعطيتُها له، ثمّ قال لي إنّهم جاءوا لاعتقالي. طلبتُ منه أن يسمح لي بانتعال حذائي وبارتداء معطفي، لأنّ الطقس كان باردًا. رفض في البداية، لكنّه وافق أخيرًا وأمرني بانتعاله على عَجَل. أحضرت لي زوجتي الحذاء وانتعلتُه.

عصبَ الجنود عينيّ وكبّلوا يديّ بقيود بلاستيكيّة خلف ظهري، ثمّ أخذوني ركضًا مسافة 200 متر وأدخلوني إلى سيّارة جيب عسكريّة، سارت وتوقّفت في شارع لا أعرفه. أحضروا إلى سيّارة الجيب معتقلًا آخر. عاملوه بعنف وسمعتُ صراخه. كان هناك ضابط صرخ عليه وأهانه وهدّده، وفي كلّ مرّة كان المعتقل يردّ على ما يقوله الضابط وكان الضابط يضربه. لقّبه بـ "داعش" وقال إنّه بعد ما فعلته حماس في غلاف غزّة سوف يقضون على كلّ سكّان القطاع.

حضر طبيب عسكريّ وشتمنا هو أيضًا. أنا أتكلّم العبريّة وسمعتُه يقول للضابط: لماذا أتيتَ بهم إلى هنا؟ كان يكفي إطلاق النار عليهم في الرأس

نقلتنا سيّارة الجيب إلى مديريّة التنسيق والارتباط التابعة للجيش الإسرائيليّ وأنزلتنا في الساحة. رأيتُ، من تحت عصابة العينين، ورأيت معتقلين آخرين يجلسون على الأرض في الساحة وأيديهم مقيَّدة وأعينهم معصوبة. كان الجنود يوجّهون إليهم الإهانات والشتائم. أخذونا إلى العيادة وأجلسونا على كراسٍ معدنيّة. حضر طبيب عسكريّ وشتمنا هو أيضًا. أنا أتكلّم العبريّة وسمعتُه يقول للضابط: لماذا أتيتَ بهم إلى هنا؟ كان يكفي إطلاق النار عليهم في الرأس. سألَنا الطبيب بعض الأسئلة حول وضعنا الصحّيّ وملأ استمارة طبّيّة. أخبرتُه بأنّني أعاني من مرض في القلب وبأنّني قد خضعتُ لعمليّة القلب المفتوح. بعد ذلك أعادونا إلى الساحة وبقينا هناك مقيّدي الأيدي ومعصوبي الأعين حتّى الصباح. كان الطقس باردًا جدًّا وشعرتُ بدمي يتجمّد في عروقي.

قرابة الساعة 8:00 أخذني الجنود مع ثلاثة معتقلين آخرين بحافلة، وكنّا لا نزال معصوبي الأعين ومقيّدي الأيدي. وصلنا إلى محطّة الشرطة في "كريات أربع" وأنزلونا في الساحة. رأيتُ من تحت العصابة نحو 20 معتقلًا يجلسون على الأرض مقيّدي الأيدي ومعصوبي الأعين. جميعهم كانوا بالغين، تتجاوز أعمارهم 55 عامًا، وكان حولهم بضعة جنود يركلونهم ويشتمونهم. أجلسوني أنا والمعتقلين الثلاثة الذين كانوا معي في سيّارة بجوارهم، ثمّ بدأوا يأخذوننا واحدًا واحدًا إلى غرفة التحقيق.

أدخلني الجنود إلى غرفة تحقيق كان فيها محقّق يتحدّث العربيّة بطلاقة. اتّهمني المحقّق بأنّني ناشط في حماس، أشارك في المسيرات وأنشر بوستات تحريضيّة على الفيسبوك. أنكرتُ هذه الاتّهامات. بعد نحو عشرين دقيقة من التحقيق أمرني المحقّق بالتوقيع على إفادتي، فرفضتُ.

بعد ذلك، أخذني شرطيّ يرافقه أربعة جنود إلى غرفة أخرى لأخذ بصمات أصابعي. قبل أن يُزيلوا القيود لهذا الغرض، حذّرني الشرطيّ من أنّني إذا لم أفعل كلّ ما يقوله الجنود لي فسوف يطلقون النار على رأسي. بعد أن أخذوا بصمات أصابعي وصوّروني، وبعد أن انتهوا من التحقيق مع باقي المعتقلين - وجميعهم كانوا أكبر منّي سنًا - أصعدنا الجنود إلى السيّارة، وأثناء سفرنا شتمونا وبصقوا علينا وركلونا على أرجلنا.

بعد أن قلتُ لهم إنّني أعاني من مرض في القلب ضربوني، بشكل متكرّر، على منطقة الصدر

أخذونا إلى سجن "عتصيون" وهناك ألقونا من السيّارة إلى الساحة بعنف وأعيننا معصوبة. أجلسونا هناك وأخذ الجنود يضربوننا ببنادقهم، ويركلوننا، ويبصقون علينا، ويهينوننا. وكلّما قال لهم أحد المعتقلين بأنّه مريض أو مصاب، تعمّدوا ضربه في المكان الذي اشتكى منه. بعد أن قلتُ لهم إنّني أعاني من مرض في القلب ضربوني، بشكل متكرّر، على منطقة الصدر. سمعتُ صراخ معتقل ما أعرفه من قبل، وهو يعاني من حمّى البحر الأبيض المتوسّط، اعتدى الجنود عليه بوحشيّة. قال لهم معتقل آخر إنّه يعاني من انزلاق غضروفيّ ومن آلام في العمود الفقريّ، فتعمّدوا ضربه على ظهره. وقام الجنود أيضًا بالتبوّل على بعض المعتقلين. كنّا عطاشًا، لكنّ الجنود كانوا يضربوننا ويركلوننا كلّما طلب أحدهم شرب الماء أو الذهاب إلى المرحاض. أخبرني أحد المعتقلين لاحقًا بأنّ جنديًّا تبوّل عليه ثمّ مسح عضوه الجنسيّ بوجهه.

بقينا على هذه الحال حتّى الساعة 20:30 ثمّ أخذنا السجّانون إلى التفتيش العاري. أخذوا منّي الأدوية. بعد ذلك أدخلوني إلى زنزانة مع عشرة معتقلين آخرين، وكان فيها أسرّة معدنيّة ومُلاءات خفيفة فقط بدلًا من بطانيّات، وكان الطقس باردًا جدًّا. كان في الزنزانة مرحاض مفتوح وقذر جدًّا وكانت الرائحة فظيعة. لم نتلقَّ طعامًا أو شرابًا. بقينا في هذه الزنزانة طيلة الليلة.

في صباح اليوم التالي، قرابة الساعة 6:00، بعد العدد، أخرجونا إلى الساحة لتناول وجبة الفطور. كنّا نحو 30 معتقلًا. تكوّنت وجبة الفطور من لبنة وشريحتين من الخبز، وبالطبع فقد بقينا جائعين. بعد خمس دقائق أعادونا إلى الزنازين. في وجبة الغداء أخرجونا إلى الساحة ثانيةً وأعطونا وعاء من المعكرونة التي كانت شديدة الملوحة بحيث كان من المستحيل تناولها، ثمّ أعادونا إلى الزنازين. وكانت وجبة العشاء عبارة عن وعاء من الأرزّ، وكان هو أيضًا مالحًا جدًّا لدرجة أنّنا لم نستطع أكله.

بعد يومين في "عتصيون" نقلوني بالحافلة مع 50 معتقلًا آخر إلى سجن "عوفر". أدخلونا جميعًا إلى زنزانة مساحتها 4×4 أمتار. كان مكتظًّا جدًّا هناك لدرجة أنّنا بالكاد استطعنا أن نتنفّس. بدأ السجّانون بأخذنا واحدًا واحدًا إلى تحقيق "الشاباك"، وبعد ذلك إلى التفتيش العاري، ثمّ أعطونا ملابس سلطة السجون وأخذونا إلى أجنحة السجن.

أخذوني أنا إلى الجناح 14 - جناح الانتقال. كان الجناح مزدحمًا جدًّا، وكان فيه نحو 120 معتقلًا. أدخلوني إلى غرفة مع 11 معتقلًا آخر وقد كان فيها ستّة أسرّة. كان ستّة منهم ينامون على الأسرّة والباقون على فرشات رفيعة على الأرض. كانت البطانيّات خفيفة للغاية وكانت الغرفة باردة جدًّا ومفتوحة النوافذ. كان الطعام سيّئًا وبكمّيّات قليلة جدًّا، وكنّا جائعين حقًّا. لم يكن هناك الحدّ الأدنى من المتطلّبات. كما لم يكن هناك ماء ساخن للاستحمام أو صابون. استحممنا بماء بارد.

طلبتُ من السجّان أن يحضر لي أدويتي، فأجابني بالعربيّة: "لو تموت"

ولأنّهم أخذوا منّي الأدوية في "عتصيون"، ففي اليومين الأوَّلَين في "عوفر" لم يكن معي أدوية. بدأتُ أشعر بالدوار وبعدم التوازن، وواجهتُ صعوبة في المشي. طلبتُ من السجّان أن يحضر لي أدويتي، فأجابني بالعربيّة: "لو تموت". طرقتُ باب الزنزانة احتجاجًا وحضر ضابط وممرّضة وقالا إنّهما سيجلبان لي أدوية، وجلبا لي لاحقًا. وقالا إنّ مرضى القلب، ارتفاع ضغط الدم والسكّريّ فقط سيحصلون على أدوية. في اليوم الثامن من اعتقالي أُبلغوني بصدور أمر اعتقال إداريّ بحقّي لمدّة ستّة أشهر.

في 23.10.23 مساءً أدخل السجّانون إلى زنزانتنا شابّين من قرية بيت سيرا في محافظة رام الله. أحدهما اسمه عرفات حمدان (24 عامًا)، والثاني كان جاره. بدا حمدان مريضًا ومتعبًا وكان يلهث. استلقى على فرشة على الأرض ووجد صعوبة في التحدّث. حاول النهوض لأداء صلاة العشاء الأولى معنا، لكنّه لم يتمكّن وعاد للجلوس على الأرض. استند إلى الحائط وقال لنا إنّه جائع. أعطيناه بعض الأرزّ والعدس المطبوخ الذي كنّا نحتفظ به، لكنّه أكل ملعقتين فقط ولم يتمكّن من ابتلاع الثالثة. أعطيناه أيضًا بعض الماء ليشرب. رأينا أنّ حالته الصحّيّة تتفاقم، وبدأ يتقيّأ ويلهث. قال جاره إنّه مصاب بمرض سكّريّ اليافعين، وإنّه يعاني من نوبة السكّريّ ويجب نقله إلى المستشفى فورًا. نادينا على السجّانين وطلبنا منهم إحضار طبيب، لكنّهم تجاهلونا.

قرابة الساعة 5:00 صباحًا، في أثناء العدد، قلنا للضابط إنّ عرفات مريض جدًّا، وإنّ وضعه الصحّيّ يتفاقم وإنّه فاقد للوعي. قال لنا الضابط إنّه سيستدعي المسعفين وغادر. بعد نحو 20 دقيقة حضر مسعفان إلى باب الزنزانة برفقة ضابط وسجّانِين وطلبوا منّا إحضار عرفات إلى الباب حتّى يتمكّنوا من فحصه من خلاله. قلنا لهم إنّه فاقد للوعي ولا يستطيع الوصول إلى الباب. فهدّد أحد المسعفين بأنّه إذا لم نحضر عرفات إلى الباب فسوف يغادرون. اضطررنا إلى سحبه وهو فاقد للوعي حتّى باب الزنزانة، ثمّ رفعناه حتّى يتمكّنوا من فحصه من خلاله. لم يتمكّن المسعف من فحصه بهذه الطريقة، لذا قام أحد المعتقلين بأخذ جهاز فحص السكّر من المسعف وفحص عرفات. تبيّن أنّ نسبة السكّر لديه منخفضة جدًّا. قلتُ للمسعفين إنّ هذا الوضع خطير وإنّ عرفات يُنازع، لكنّهم تجاهلوني وغادروا بعد 10 دقائق مع الضابط والسجّانِين الذين رافقوهم. بعد ذلك عادوا وأخذوا عرفات إلى عيادة السجن. بعد نحو ساعة أعادوه. لم يكن قادرًا على الوقوف واتّكأ على أحد السجّانين الذين أدخلوه إلى الزنزانة. قال السجّان إنّ عرفات يحتاج إلى طعام وشراب، فأجبتُه بأنّه ليس لدينا ما نطعمه. فردّ بأن ننتظر حتّى وجبة الفطور.

جلس عرفات على الأرض واستند إلى الحائط حتّى وجبة الفطور التي كانت نحو الساعة 9:00. أكل لقمتين فقط، وشرب بعض الماء، ثمّ عاد للاستناد إلى الحائط، كان يلهث بشدّة. نادينا المسعف مرّة أخرى لكي يفحصه، فقال بأن نناديه عندما يموت عرفات. بقي عرفات على هذه الحال حتّى هدأ وتوقّف عن اللهاث. كان لا يزال جالسًا وظهره إلى الحائط وظننا بأنّه قد نام. قلتُ للسجناء أن يدعوه ليرتاح قليلًا، لكنّ عرفات لم يستيقظ. بعد ساعة ونصف الساعة رأينا سائلًا يخرج من فمه، ففحص أحد السجناء نبضه وصرخ بأنّ عرفات مات. بدأنا نصرخ إلى السجّانين وخبّطنا على الباب بقوّة. جاء ضابط وعشرة سجّانين إلى الزنزانة وقلنا لهم إنّ عرفات مات. أخذوا عرفات من الغرفة وبعد ذلك سألتُ أحد السجّانين عنه، فقال إنّهم نقلوه إلى المستشفى.

بعد أربعة أيّام أحضر السجّانون معتقلًا جديدًا، وقد أخبرنا بأنّ عرفات توفّي في اليوم الذي أخرجوه فيه من الغرفة. كان عرفات بحاجة إلى أدوية وغذاء ملائم لمرض السكّريّ الذي كان يعاني منه، وكان عليه أن يأكل في أوقات متقاربة. لكنّ إدارة السجن لم تهتمّ فتوفّي نتيجة للإهمال ولنقص الغذاء.

ضربنا السجّانون بالهراوات وصرخوا علينا للنهوض بينما كانوا يضعون في الخلفيّة النشيد الوطنيّ الإسرائيليّ

في أحد الأيّام، خلال وجودي في سجن "عوفر"، اقتادنا السجّانون في مجموعات وأعيننا معصوبة وأيدينا مكبَّلة بالأصفاد، وألقونا في داخل سيّارة، بعضنا فوق بعض. سافرنا قليلًا ثمّ نقلونا إلى سجّانين آخرين ملثّمين. ضربني أحدهم على وجهي بخوذته المعدنيّة. ألقونا خارجَ السيارة وسقطنا على وجوهنا، فأصيب بعض الأشخاص في وجوههم وكُسر أنف البعض الآخر. ضربنا السجّانون بالهراوات وصرخوا علينا للنهوض بينما كانوا يضعون في الخلفيّة النشيد الوطنيّ الإسرائيليّ ("هتكفاه") بصوت عالٍ. غصبونا على الغناء بأنّنا نحبّ إسرائيل ونكره حماس. غرزوا أصابعهم في عيوننا وضغطوا بقوّة. ومَن رفع رأسه ضُرب عليه.

اقتادونا إلى ضبّاط "الشاباك"، الذين هدّدونا وتحدّثوا عن 7 تشرين الأوّل وعمّا فعلته حماس في غلاف غزّة. بعد ذلك أعادونا إلى السيّارة التي أرجعتنا إلى الجناح في سجن "عوفر". وهناك أيضًا هاجمونا بعنف وشتمونا وبصقوا في وجوهنا.

درج السجّانون على إدخال كلاب إلى الزنازين وإفلاتها علينا بينما كانوا يضربوننا. اعتدوا علينا كلّ يوم. كانوا يقتادون بعض المعتقلين إلى التحقيق، ويُعيدونهم بعد تعرّضهم للضرب المبرِّح. في بعض الأحيان كان المعتقلون يعودون مصابين بجراح بالغة وبكسور في الضلوع، لكنّهم لم يتلقّوا أيّ علاج طبّيّ. كانت جراح المعتقلين تلتهب وتستغرق وقتًا طويلًا جدًّا حتّى تلتئم بدون علاج. أُعيد أحد المعتقلين إلى الزنزانة مصابًا بجرح عميق في رأسه وجبينه، وبخدوش في وجهه من مخالب كلب، وبكسور في ضلوعه، وبانتفاخ في عينه. ولم يتلقَّ أيّ علاج.

طوال فترة اعتقالي كلّها لم أكن على اتّصال بعائلتي، ولم تكن هناك زيارات من المحامين أو من الصليب الأحمر. في نهاية شهر كانون الأوّل نقلوني إلى الجناح 18 فاكتشفتُ أنّ ابني البالغ من العمر 21 عامًا معتقل في نفس الجناح. إنّه لا يزال معتقلًا حتّى اليوم. في 25.2.24 تمّ إطلاق سراحي مع معتقلين آخرين. خلال فترة سجني فقدتُ من وزني 25 كيلوغرامًا وتدهور وضعي الصحّيّ وأنا بحاجة الآن إلى علاج طبّيّ. قضيتُ 14 عامًا في السجن سابقًا، لكنّني لم أتعرّض في حياتي لمثل هذه القسوة وهذا الإذلال.

- سجّلت الإفادة باحثة بتسيلم الميدانيّة منال الجعبري في 19.3.24