فؤاد حسن (45 عامًا)، متزوّج وأب لخمسة، من سكّان قصرة في محافظة نابلس

   

بتسيلم - 31/3/2024

أنا أسكن سويّةً مع عائلتي في قرية قُصرة، جنوب شرق مدينة نابلس. أعمل في منطقة أريحا في قطف التمر.

في 4.11.23، قرابة الساعة 2:00 ليلًا، استيقظتُ على أصوات قرب منزلي. نظرتُ عبر نافذة غرفة النوم، في الطابق الثاني من المنزل، ولاحظتُ وجود عدد من الجنود يحاولون فتح باب المنزل. أيقظتُ زوجتي، رناد حسن (38 عامًا)، وطلبتُ منها أن تضع الحجاب وترتدي ملابس مناسبة، لأنّ الجيش سيقتحم المنزل؛ أيقظتُ أيضًا أولادنا كلّهم حتّى لا يخافوا: يوسف (15 عامًا) وسناء (13 عامًا) وأحمد (10 أعوام) وجنّات (10 أعوام) وعمر (6 أعوام).

كسر الجنود قفل الباب واقتحموا المنزل. كان هناك أكثر من 15 جنديًّا وقد صوّبوا أسلحتهم نحونا. أمرني أحد الجنود بالعربيّة أن أعطيه هويّتي وهاتفي المحمول أيضًا. سألني ما اسمي، وأجبتُه أنّ بطاقة هويّتي لديه ويمكنه معرفة اسمي منها، فصرخ عليّ أن أجيب على السؤال.

دخل الجنود جميع الغرف، نبشوا الأغراض وألقوا كلّ شيء على الأرض. في غرفة ابني يوسف كانت هناك صور للقتلى من أبناء قريتنا؛ قتلهم المستوطنون في بداية الحرب في غزّة؛ فمزّق الجنود الصور. أحضر لي أحد الجنود صورة لأحد القتلى وقال لي: "ما هذا؟"، فقلتُ له: "هؤلاء أقاربنا من أبناء القرية الذين قتلوا". قال لي: "إذًا، دير بالك على ابنك". فقلتُ له: "إنّه صبيّ صغير، وشعر بالحزن على القتلى". عندها صرخ عليّ مرّة أخرى: "دير بالك على ابنك!".

بعد ذلك اقتادوني إلى خارج المنزل وسألوني عن أخي إبراهيم (25 عامًا). فأجبتُهم أنّني لا أعرف مكانه. كان الجنود قد اقتحموا منزل والدتي قبل بضعة أيّام، وطلبوا إبراهيم؛ لكنّه لم يكن في المنزل. نحن لا نعرف أين هو. اقتادني الجنديّ إلى سيّارات الجيب التي كانت تقف على بُعد نحو 200 متر عن المنزل، وهناك قيّدوا يديّ بالأصفاد وعصبوا عينيّ، ثمّ ضربني أحد الجنود بسلاحه على ظهري ودفعني بقوّة نحو سيّارة الجيب. كان في سيّارة الجيب نحو 11 جنديًّا، وخلال السفر ضربوني بقبضات أيديهم وبأسلحتهم وركلوني، حتّى وصلنا إلى مستوطنة "مجداليم". عرفتُ مكان وجودي لأنّ المستوطنة قريبة من قريتنا، ولم يستغرق وصولنا إلى هناك أكثر من بضع دقائق. بعد نحو ساعة نقلوني من هناك إلى معسكر حوّارة.

عند مدخل المعسكر، خضعتُ أنا ومعتقلون آخرون لإجراءات شملت التفتيش ونحن عراة تمامًا وفحصًا بجهاز كشف المعادن اليدويّ. كان هناك خمسة جنود، وكان كلّ اثنين من المعتقلين في غرفة واحدة. خلال التفتيش، ركلنا الجنود وشتمونا وأهانونا.

عندما نزلنا من الحافلة قال لنا جنديّ: "أهلًا بكم في جهنّم"

قضيتُ ليلة واحدة في حوّارة، وفي اليوم التالي أخذونا إلى سالم. في الطريق إلى الحافلة كان علينا أن نسير ونحن محنيّو الرأس وأن نضع أيدينا على ظهر الشخص الذي يسير أمامنا. عندما صعدنا إلى الحافلة، وأيدينا وأرجلنا مكبّلة بالأصفاد، قام الجنود بضربنا وشتمنا؛ شتموا الله والنبيّ محمد، وقالوا لنا: "سنُريكم الآن كيف تنفعكم المقاومة". نقلونا إلى سجن مجدو. كنّا نحو 16 معتقلًا. أخذونا إلى التحقيق واحدًا تلو الآخر. عندما جاء دوري سألني المحقّق عن أخي إبراهيم، وطلب منّي تسليمه. قلتُ له إنّني لا أعرف مكان وجوده وإنّه ليس لديه هاتف. فقال المحقّق: "هذه مشكلتك، هذا أخوك، ويجب عليك تسليمه". قلتُ للمحقّق: "لن أفعل ذلك، فهذا شأنه، فهو كبير بما يكفي ومسؤول عن نفسه". انتهى التحقيق هنا. بعد التحقيق أعادونا إلى الحافلة مرّة أخرى، وفي هذه المرحلة لم تكن أيدينا مكبّلة بالأصفاد. نادوا على المعتقلين بأسمائهم وكان علينا أن نجيب دون أن نرفع رؤوسنا. رفع أحد المعتقلين رأسه، فشتمه السجّان بأمّه وبأخته. فردّ عليه المعتقل بالشتيمة نفسها وقال له: "أختك وأمّك ليستا أفضل من أمّي وأختي". فدفعه السجّان وقال: "سأهتمّ بأن يلعب الكلب بين رجليك في مجدو". أخذونا من هناك إلى مجدو، وعندما نزلنا من الحافلة قال لنا جنديّ: "أهلًا بكم في جهنّم". فقال أحد المعتقلين، وهو من سكّان جنين، للجنديّ: "أهلًا بكم في جنين". فأجابه "سنرى حالًا".

فقال لي: "أنت ملزم بتقبيل العلم". فقلتُ له: "لا، أنا لا أريد". فجأةً، بدأ الجنود العشرون الموجودون في الغرفة بضربي

عند المدخل فتّشونا مرّة أخرى ونحن عراة بالكامل. الأمر الأكثر إذلالًا كان أنّ ثلاث جنديّات أجرينه. قلتُ لأحد الجنود: "أنا لن أخلع ملابسي أمام الجنديّات"، فأجاب: "سكّر نيعك". لم يكن لديّ خيار سوى الإذعان لهم. يدخل كلّ معتقلَين اثنين إلى التفتيش الذي كان يجريه خمسة جنود وجنديّات؛ وبالطبع فالتفتيش مصحوب بالشتائم والضرب والركل بالأرجل – بذريعة أنّنا يجب أن نفتح أرجلنا أكثر؛ سقط بعض الأشخاص أرضًا من جرّاء تلك الركلات. بعد ذلك أخذونا إلى الطبيب، وهناك سألونا الأسئلة المعتادة، أي إذا كنّا نعاني من أيّ أمراض، أو نتناول أدوية. بعد ذلك التقطوا صورًا لنا، ثمّ أدخلونا واحدًا تلو الآخر إلى مكتب "الشاباك". كان على الحائط علم إسرائيل بحجم ضخم جدًا، وكان أوّل سؤال لضابط "الشاباك" هو "إلى أيّ تنظيم تنتمي؟"، ثمّ أمرني بتقبيل العلم وأثناء قيامي بذلك قاموا بتصويري. كان في الغرفة نحو 20 جنديًّا. فقلتُ للضابط إنّني لن أفعل ذلك، فقال لي: "أنت ملزم بتقبيل العلم". فقلتُ له: "لا، أنا لا أريد". فجأةً، بدأ الجنود العشرون الموجودون في الغرفة بضربي. ضربوني بكلّ ما وقعت عليه أياديهم وعلى كلّ أنحاء جسمي. ركلني أحدهم على رأسي، ففقدتُ الوعي. عندما استعدتُ وعيي استمرّوا في ضربي. بعد ذلك أوقفوني وصوَّروني والعلم خلفي. ثمّ أخذوني إلى خارج الغرفة وضربوني مرّة أخرى، حتّى فقدتُ الوعي ثانيةً.

قلتُ لأحد الجنود: "أنا لن أخلع ملابسي أمام الجنديّات"، فأجاب: "سكّر نيعك"

استيقظتُ عندما قال أحدهم: "لقد مات، لقد مات" بالعبريّة، "ابتعدوا عنه". طلب منّي أن أقوم وأغسل وجهي في الحمّام؛ رأيتُ أنّ جسمي كلّه مغطّى بالدم، وكنتُ أنزف من أنفي وفمي ورأسي أيضًا. قال لي بالعربيّة ألّا أتحدّث عمّا جرى. كان هذا أحد السجّانين في السجن.

أجلسوني في غرفة مجاورة، وكنتُ أسمع طوال الوقت ضرب المعتقلين وصراخهم؛ خرج جميع المعتقلين من هناك وهم جرحى ينزفون. كسروا نظّارتي اثنين من المعتقلين، أحدهما من سكّان نابلس، والآخر لا أعرف من أين هو.

بعد ذلك نقلونا إلى زنازين أوضاعها سيّئة جدًّا. كانت زنازين صغيرة، وكان فيها عدد كبير من المعتقلين. كنّا نحو 12 معتقلًا في زنزانة لا تحتوي إلّا على أربعة أسرّة. أما الباقون فكانوا ينامون على الأرض على فرشات رفيعة. لم يكن هناك سوى بطانيّات خفيفة جدًّا، ولم نتمكّن من النوم. كنتُ أعاني من آلام في الصدر، لدرجة أنّني لم أستطع النهوض، كما كنتُ أشعر بآلام في ظهري ورأسي. طلبتُ أن أذهب إلى العيادة، لكنّهم لم يقبلوا. أعطوني قرص أكامول واحدًا في اليوم، لكنّني لم آخذه؛ كان معنا معتقل من منطقة مخيّم بلاطة وكان مصابًا بشكل بالغ وعانى من آلام فظيعة. كانت لديه جروح مفتوحة، وكان العلاج الوحيد الذي تلقّاه مرهمًا للجروح مرّة واحدة في الأسبوع، وكان ذلك يكفي للدهن مرّة واحدة؛ أعطيتُه أقراص الأكامول التي أعطوني إيّاها، لأنّه كان يعاني كثيرًا.

عانينا كثيرًا من البرد. كانت النوافذ مفتوحة، ولم يكن هناك ما يكفي من البطّانيّات والملابس. وضعنا الفرشات الواحدة بجانب الأخرى، حتّى نتمكّن من وضع البطّانيّات فوق بعضها البعض ونحن نائمون، لكي نشعر بالدفء أكثر قليلًا. كان لكلّ معتقل ملابسه التي يرتديها فقط، ولم تكن هناك ملابس بديلة؛ بقينا بنفس الملابس لعدّة أسابيع دون أن نتمكّن من تبديلها؛ فهمتُ من أحد المعتقلين أنّه كان يرتدي نفس الملابس منذ أكثر من 50 يومًا. عندما حاولنا تنظيف ملابسنا، لم يكن هناك مكان كافٍ لنشرها؛ كان هناك مكان صغير لنشرها، وكانت الملابس تستغرق وقتًا طويلًا جدًّا حتّى تجفّ، لأنّ الشمس لا تدخل الى الزنازين. كانت الرائحة النتنة في الزنازين سيّئة جدًّا. المرحاض موجود داخل الزنزانة، وكان هناك تسرّب مستمرّ من كرسيّ المرحاض والمغسلة. كانت الفرشات نتنة الرائحة وكذلك البطّانيّات. رغم محاولاتنا العديدة لتنظيف الزنزانة، إلّا أنّ ذلك لم يساعد. حاولنا التنظيف بالشامبو، لأنّه لم يكن هناك شيء آخر؛ عندما لم يكن لدينا شامبو، حاولنا استخدام معجون الأسنان للتنظيف. بالطبع، لم تكن هناك مخدّات. كنتُ أطوي الفرشة لأضع رأسي على ما يشبه مخدّة. لم أستطع النوم لأنّهم كانوا يضيئون الضوء من الساعة 19:00 حتّى الساعة 5:00 كلّ يوم. وضعتُ الفرشة على الأرض، وأسندت رأسي على عمود كان في منتصف الغرفة؛ هكذا كنتُ أنام في وضعيّة جلوس، لأنّني عندما كنتُ أستلقي كنتُ أعاني من آلام شديدة في الصدر. بعد نحو أسبوع أخذوني إلى عيادة السجن. فهمتُ من الطبيب أنّ لديّ كسورًا في ثلاث أضلاع وأنّ العلاج الوحيد هو الراحة.

كنتُ أنام في وضعيّة جلوس، لأنّني عندما كنتُ أستلقي كنتُ أعاني من آلام شديدة في الصدر

كانوا ينقلوننا كلّ بضعة أيّام إلى زنزانة أخرى. كنتُ في زنزانة مع معتقل من منطقة جبع، وكانت رِجله وأضلاعه مكسورة. كان يعاني معاناة شديدة، خاصّة عندما كان يريد الذهاب إلى المرحاض. كنتُ أذهب معه إلى المرحاض لمساعدته، وأنتظره حتّى ينهي ويخرج، ثمّ آخذه إلى فرشته. كان وضعه صعبًا جدًّا.

كان الطعام مريعًا والكمّيّة لم تكن كافية للعيش، بل لعدم الموت فقط. أشياء نصف مسلوقة بالماء، بدون ملح وبدون توابل. لم تكن هناك فاكهة، ولم يكن هناك شيء مغذٍّ. القليل من الأرزّ فقط وهذا كلّ شيء. أكلنا فقط حتّى لا نموت لأنّنا كنّا جائعين جدًّا. لم تكن لدينا إمكانيّة أن نصنع الشاي أو القهوة. وبحسب ما فهمتُه من المعتقلين الآخرين، فقد صادروا كلّ أغراض المعتقلين في بداية الحرب على غزّة. لم يبقَ شيء في الزنازين، لا غلّاية ولا موقد كهربائيّ للطهي؛ كما صادروا كلّ الأكل والمعلّبات التي كانت في الزنازين، بما في ذلك ما اشتراه المعتقلون بأموالهم في "الكانتينة"، وكذلك الراديو والتلفزيون، فلم نكن نعلم شيئًا تقريبًا عمّا يحدث خارج السجن. لم نكنْ نطّلع على الأوضاع إلّا عندما كان يأتي معتقل جديد. كنّا نجتمع كلّنا حوله لنسمع منه عمّا يحدث في الخارج، وما إذا كانت ستُعقد صفقة تبادل أسرى – على أمل أن تنتهي معاناتنا.

لم نتلقّ أيّ زيارات، لا من المحامين ولا من ممثّلي الصليب الأحمر؛ وبحسب ما فهمتُه من المعتقلين، يُسمح فقط للمحامين الإسرائيليّين بالزيارة. عُقدت الجلسات في المحاكم عبر "الزوم" فقط.

في 13.11.23 في الساعة 23:00 ليلًا تمّ إطلاق سراحي من السجن وأخذوني إلى حاجز الجلمة. وجدتُ توصيلة ووصلتُ إلى منطقة حارس في الساعة 1:30 ليلًا. اتّصلتُ بوالد زوجتي، فحضر ليأخذني إلى البيت. لا يزال أخي عبد الباسط (34 عامًا)، الذي اعتُقِل في منزله أيضًا في تشرين الثاني 2023، معتقلًا حتّى اليوم. تمّ اعتقاله هو أيضًا للضغط على إبراهيم لكي يسلّم نفسه، لكنّنا لا نعرف حتّى الآن مكان احتجازه.

- سجّلت الإفادة باحثة بتسيلم الميدانيّة سلمى الدبعي في 31.3.24.