محمود البسيوني (34 هامًا)، من سكّان بيت حانون

    

بتسيلم 20/6/2024

أقيم في بيت حانون في شمال قطاع غزّة، مع زوجتي وأولادنا الأربعة: مؤمن ورماس، وهما توأمان (9 سنوات)؛ ويوسف (5 سنوات) ومحمد (4 سنوات).

محمود البسيوني قبل الحرب وبعد الإفراج عنه.

يقع منزلنا في الجانب الشرقيّ من بيت حانون، قريباً من الحدود. منذ 7 تشرين الأول غادرنا المنزل مع عائلتنا الموسّعة لأنّ الوضع في المنطقة كان صعباً - كانت الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة تقصف عشوائيّاً وتشكّل أحزمة ناريّة حول المنطقة. قرّرنا النزوح إلى مدارس منطقة الشيخ زايد في بيت لاهيا، والتي تمّ تحويلها منذ ذلك اليوم إلى مخيّمات للمُهجَّرين.

تمكّنا من الوُصول إلى المدرسة. أثناء مكوثنا هناك قُصفت أبراج قريبة ونجم عن ذلك دمار كبير في المنطقة، كما حاصر الجيش المدرسة. رغم ذلك لم نغادر، لأنّه لم يكن لدينا مكان آخر نذهب إليه، وعلى كلّ حال كان الوضع صعباً جدّاً في جميع المناطق. في المدرسة أصيب واستشهد عدد من النازحين. وبسبب وُجود قنّاصين من حولنا لم نستطع الخروج لدفن الشهداء فقمنا بدفنهم داخل حرم المدرسة.

في المعسكر قسّمونا إلى مجموعتين. المجموعة التي كنت فيها أطلق الجيش سراحها بعد مضيّ خمس ساعات. إخوتي لم يكونوا في تلك المجموعة، وعليه لم يُطلق سراحهم. حتى الآن لا نعرف ماذا حلّ بهم

في بداية شهر كانون الأوّل، ربّما في السّابع منه، اجتاح الجيش المنطقة مرّة ثانية وحاصر المدرسة. نادى الجنود الرّجال أن يخرجوا ويخلعوا ثيابهم. خرجنا من المدرسة وأيدينا مرفوعة وفعلنا ما أمروا به. عصب الجنود أعيننا وكبّلوا أيدينا وأخذونا إلى معسكر للجيش في بيت لاهيا. وكانوا قد أمروا النساء والأطفال بأن يذهبوا إلى غرب مدينة غزّة.

كنّا في المعسكر نحو 80 شخصاً، هم الذين اقتادوهم من المدرسة. كان هناك أيضاً إخوتي: أكرم البسيوني (40 عاماً) ومحمد (33 عاماً) وعبد الرحمن (45 عاماً). في المعسكر قسّمونا إلى مجموعتين. المجموعة التي كنت فيها أطلق الجيش سراحها بعد مضيّ خمس ساعات. إخوتي لم يكونوا في تلك المجموعة، وعليه لم يُطلق سراحهم. حتى الآن لا نعرف ماذا حلّ بهم.

أمرنا الجنود بأن نذهب إلى غرب مدينة غزّة فتوجّهت إلى مخيّمات المهجّرين هناك، ووجدت في أحدها زوجتي وأولادي ووالديّ. كان الوضع في المخيّم سيّئاً - الطائرات تقصف من الجوّ ومدافع الدبّابات تقصف، والمجاعة كانت قد أخذت تتفشّى في شمال القطاع.

في بداية كانون الثاني اجتاح الجيش الإسرائيليّ غرب غزّة مرّة أخرى واعتقلوني. كبّلوا يديّ وعصبوا عينيّ. أخذوني مع نحو 100 شخص آخرين وأدخلونا إلى بئر كبيرة جدّاً. بعد ذلك نقلونا إلى منطقة "زيكيم" في شمال القطاع، ونحن لا نزال مقيّدي الأيدي ومعصوبي الأعيُن. طوال الطريق ظلّوا يضربوننا بقسوة بالغة، ويهينوننا ويشتموننا.

أخذوني مع نحو 100 شخص آخرين وأدخلونا إلى بئر كبيرة جدّاً

وصلنا إلى مكان لا أعرف اسمه، وهناك احتجزونا طوال 15-20 يوماً في "بَرَكس" كبير وفي ظروف مروّعة. منعونا من التحدّث مع بعضنا البعض، منعونا من الاستحمام، وكنّا طوال الوقت مقيّدي الأيدي ومعصوبي الأعيُن. الطعام الذي جلبوه لنا كان قليلاً جدّا: شريحة خُبز وقطعة جُبن صغيرة - في الصّباح وفي المساء. وكانوا يضربوننا طوال اليوم ويُفلتون علينا الكلاب.

أخذوني للتحقيق مرّة واحدة وهناك سألوني ما اسمي، لأيّ تنظيم أنتمي، لماذا لم أغادر إلى جنوب القطاع، وهل أنا حماس، وسألوني أيضاً عن الأنفاق.

بعد مضيّ عشرين يوماً أطلقوا سراحي. ذهبت إلى عائلتي، في مخيّم للمهجّرين (مدرسة) في بيت حانون. كان الوضع هناك صعباً جدّاً؛ ولا يزال - قصف واجتياحات متكرّرة.

في 16.4.24، في الـ7:00 صباحاً، اجتاح الجيش الإسرائيليّ بيت حانون وحاصر المدرسة التي كنّا فيها. نادوا الرّجال ثمّ أخذونا إلى موقع للجيش. كنّا نحو 25 شابّاً. عندما قلت لاحد الجنود إنّهم قد اعتقلوني من قبل مرّتين ضربني على وجهي. أمرونا بأن نخلع جميع ثيابنا عدا السّروال الدّاخليّ وأعطونا ملابس بيضاء تشبه عباءات الكورونا. كبّلوا أيدينا وعصبوا أعيننا ثمّ أدخلونا إلى بئر كبيرة وأبقونا فيها ستّ ساعات في الحرّ الشديد. في البداية ظننّا أنّهم سوف يهيلون علينا الرّمال ويدفنوننا أحياء. لكنّهم أخرجونا من البئر وأخذونا إلى مركز اعتقال لا أعرف أين يقع. استغرق السّفر إلى هناك نحو 4 ساعات، وكان الجنود يهينوننا ويشتموننا طوال الطريق.

في مركز الاعتقال، وضعونا داخل "بَرَكس" فيه أكثر من مائة معتقل. احتجزونا هناك طوال أكثر من عشرة أيّام. كنت خائفاً ومتوتّراً جدّاً، إضافة إلى قلقي على أسرتي. بعد ذلك أخذونا للتحقيق، وفي الطريق ظلوا يضربوننا بلا هوادة. كانوا يستمتعون بكلّ ضربة يوجّهونها إلينا.

من أجل الذهاب إلى المرحاض كان ينبغي الحصول على إذن من الضابط، وكثيراً ما كان يرفض أن يأذن بذلك. كنا نحصل على الطعام والماء تبعاً لمزاج الجنود وأهوائهم. كانوا يجلبون لنا الطعام متى شاءوا، وما حصلنا عليه كان شرائح خبز وقطعة جبن صغيرة.

عند منتصف اللّيل، السّاعة الـ24:00، كان جميع الأسرى يتلقّون الضرب، وآنذاك كان السجّانون يتركون الكلاب تهاجمنا، علماً أنّه كان لها رسَن على فمها

سمحوا لنا بالاستحمام في أيّام الإثنين والخميس، وكانوا يعطوننا ملابس داخليّة نستبدل بها ملابسنا، ولكن ليس أكثر من ذلك. البنطال الذي كنت أرتديه لم أغيّره طيلة فترة اعتقالي، التي استمرّت 50 يوماً. الكثير من الأسرى بقوا يرتدون الملابس نفسها فترة طويلة.

عند منتصف اللّيل، السّاعة الـ24:00، كان جميع الأسرى يتلقّون الضرب، وآنذاك كان السجّانون يتركون الكلاب تهاجمنا، علماً أنّه كان لها رسَن على فمها. كان الجنود يوقظوننا في الـ6:00 صباحاً فكان علينا أن نستيقظ وأن نركع حتى الساعة 11:00 تقريباً، وبعد ذلك كانوا يسمحون لنا بالنوم.

لم يأت أحد لزيارتنا، لا محامٍ ولا مندوبون من الصّليب الأحمر. عموماً لم يحدث أن تلقّينا أيّ علاج طبّي، ولكن أحياناً حدث ذلك - مثلاً، أحياناً بعد ضربنا. كان الأمر يتعلّق بمزاج وأهواء المُسعف المناوب. فترة اعتقالي كلّها كانت تعذيباً متواصلاً - ضرب، إفلات كلاب، تقييد الأيدي خلف الظهر، النوم وأيدينا مكبّلة وأعيننا معصوبة. هناك أسرى ضُربوا على أعضائهم التناسليّة. أحد المعتقلين - لم يُطلق سراحُه حتى اليوم - صار يبول في ملابسه واضطرّ إلى استخدام حفاضات بعد أن تلقى ضربات كثيرة على أعضائه التناسليّة. كانوا يضربونهم في هذا الموضع ويقولون لهم "لا نُريد أن تُنجبوا أطفالاً".

أطلق سراحي في 1.6.24. في الواقع، حتى لحظة إطلاق سراحك أنت لا تعرف حقّاً هل سيحدث ذلك. ينادون اسمك، كالعادة، وأنت لا تعرف إلى أين سيأخذونك. فقط عندما وصلنا إلى نقطة الإفراج - في موقع "كيسوفيم" العسكري، شرقيّ دير البلح - أزالوا العصبات عن أعيننا والأصفاد عن أيدينا وقالوا لنا: "امشوا في خطّ مستقيم". فقط آنذاك علمت أنّه قد أطلق سراحي.

كان أحد إخوتي قد نزح من شمال القطاع إلى دير البلح فذهبت إلى خيمته، ومنذ ذلك اليوم وأنا أمكث هنا عنده. ليتهُم أطلقوا سراحي في شمال القطاع لكنت اجتمعت مع زوجتي وأولادي ووالديّ.

الوضع في الخيمة صعب. أواجه صعوبات في التحدّث مع عائلتي، التي لا تزال في المدرسة التي اعتقلوني منها، لأنّ شبكة الهواتف وشبكة الإنترنت في حالة سيئة للغاية. ولذلك، أتمكن من القيام بذلك في حالات نادرة فقط. حالتي النفسيّة سيّئة جدّاً لأن البُعد عن زوجتي وأولادي ووالديّ كلّ هذه الفترة صعب جدًا بالنسبة لي. هُم ما زالوا في المدرسة التي اعتُقلت منها. ولا يزال إخوتي الثلاثة، الذين اعتُقلوا في بداية كانون الأوّل، رهن الاعتقال ولم يُطلق سراحُهم بعد، علماَ أنني لم ألتق بهم في مراكز الاعتقال.

- سجّلت الإفادة، هاتفيّاً، باحثة بتسيلم الميدانيّة الفت الكُرد في 20.6.24