نهال الغندور صلاح (40 عامًا)، أمّ لأربعة

  

بتسيلم - 31/12/2024

أنا وزوجي وأطفالنا، سما (11 عامًا) وكريم (9 أعوام) وزينب (7 أعوام) وسلمى (4 أعوام)، كنّا نسكن في بناية عائلتي، في مشروع بيت لاهيا، شمالي مدينة غزّة، قرب السوق. كنتُ أعمل معلّمة رياضيّات في مدرسة وكان زوجي عاطلًا عن العمل.

في بداية الحرب بقينا في البيت. لكن في 18.11.23 سقطت قذيفة على بنايتنا وغادرنا جميعًا: أنا وزوجي والأطفال ووالداي وأختاي، سمر وندى، وإخوتي، شادي ومحمّد ومحمود مع عائلاتهم. كنّا ما مجموعه 25 شخصًا. في البداية انتقلنا إلى مخيّم جباليا للاجئين. مكثتُ أنا وزوجي وأطفالنا وبعض الأفراد الآخرين من العائلة يومين لدى عائلة المدهون ثمّ يومين في بيت أقاربنا من عائلة أبو دية.

في 22.11.23 تركتُ أنا والأطفال، وأختي سمر، وزوجة شادي وأولادهما، وعمّتها تمام أبو دية، بيت عائلة أبو دية وتقدّمنا جنوبًا.. تقدّمنا جنوبًا حتّى وصلنا إلى الحاجز الذي نصبه الجيش في منطقة "نتسريم". هناك، أمرَنا الجنود بالجلوس على الأرض. فجلستُ أنا وبنات شادي، روز ومي وسارة، على الرمال. بعد ذلك نادوا على سمر وقالوا لها أن تدخل خلف الجدار، ثمّ أمروني أنا أيضًا بالذهاب إلى هناك. أمرني الجنود بخلع ملابسي وبقيت بملابس الداخلية فقط. بعد ذلك سمحوا لي بأن أرتدي ملابسي ثانية وجلستُ بجانب سمر. غطّوا أعيننا. سألتْ سمر مَن الموجود بجانبها، فأجبتُها أنّ هذه أنا. بعد ساعتين ناديتُها مرّةً أخرى ولم تردّ. لم أعرف أين هي.

قالوا لنا إنّنا موجودات في منشأة اعتقال للجيش الإسرائيليّ. في كلّ مرّة تحرَّكتُ فيها تلقّيتُ ضربة على رأسي

في المساء نقلوني سويّةً مع نحو 15 امرأة أخرى، كانوا قد اعتقلوهنَّ، إلى مكان آخر. قالوا لنا إنّنا موجودات في منشأة اعتقال للجيش الإسرائيليّ. في كلّ مرّة تحرَّكتُ فيها تلقّيتُ ضربة على رأسي. في كلّ مرّة سمعتُ فيها أصوات جنود خفتُ من أن أتلقّى ضربة مرّة أخرى. طوال الوقت كانوا يمشّطون السلاح لإخافتنا، وكلّما كنتُ أسمع ذلك كنتُ أتلو الشهادتين لأنّني كنتُ متأكّدة من أنّهم سيُطلقون النار عليّ. طوال الوقت كنّا مُقيَّدات بأصفاد بلاستيكيّة.

قام أشخاص بملابس مدنيّة، أعتقد أنّهم كانوا من "الشاباك"، بالتحقيق معي أربع أو خمس مرّات. في كلّ مرّة كنتُ أدخل فيها إلى التحقيق كانوا يُبدّلون الأصفاد البلاستيكيّة بأصفاد معدنيّة طيلة مدّة التحقيق. سألوني عن المختطَفين وعن الأنفاق، عن مواقعها، وعن كاميرات المراقبة. أحد المحقّقين صرخ عليّ وشتمني طوال الوقت.

لم يسمحوا لنا بالنوم وأجبرونا على الوقوف في البرد في غرف جدرانها مبنيّة من الصفيح. أهانونا طوال الوقت. في بعض الأحيان كانوا يضعون الطعام خارج الغرفة بحيث لا نتمكّن من الوصول إليه، ثمّ كانت تأتي الحيوانات وتأكله لنا. طوال اليوم كانوا يصرخون علينا ويشتموننا. كانت المراحيض مقرفة للغاية وشعرتُ بأنّ المياه التي قدّموها لنا غير صالحة للشرب.

في يوم الأربعاء الموافق 29.11.23 قالوا لنا: "يلّا، إلى غزّة". عصبوا أعيننا وأخذونا إلى سجن. قالوا لنا إنّه سجن الدامون. حقّقوا معنا هناك أيضًا وسألونا نفس الأسئلة مرّة أخرى. التقيتُ هناك بأسيرات من الضفّة الغربيّة وكذلك بأربع معتقلات اعتُقلن معنا في غزّة وتمّ أخذهنّ قبل ذلك بيومين. كانت هناك جنديّات أو سجّانات نكَّلْن بنا جسديًّا ونفسيًّا. ركلنَنا وشدَدْننا من شعرنا، أهَنَّنا وصرخْن علينا.

كانت هناك جنديّات أو سجّانات نكَّلْن بنا جسديًّا ونفسيًّا. ركلنَنا وشدَدْننا من شعرنا، أهَنَّنا وصرخْن علينا

احتجزوني هناك أسبوعين تقريبًا، حتّى يوم الاثنين، 11.12.23. حينها نادوني أنا وأسيرة اخرى وقالوا لنا إنّهم سيطلقون سراحنا.
عصبوا أعيننا، قيّدوا أيدينا واقتادونا طيلة ثلاث ساعات إلى منشأة الاعتقال التي كنتُ فيها في البداية. حقّقوا معي هناك مرّة أخرى وضربوني بقسوة بالغة. أهانوني وسحبوني من شعري. كنتُ حينها قد أصبحتُ يائسة. فقدتُ الأمل في أن يتمّ إطلاق سراحي.

في ساعات المساء من يوم الخميس الموافق 14.12.23 نادوني أنا وأربع نساء أخريات من قطاع غزّة وأوقفونا في الخارج، بعيدًا عن بعضنا البعض، في البرد وتحت المطر، لمدّة خمس ساعات. وعندما سألناهم عن سبب احتجازهم لنا هنا، صرخ الجنود علينا وشتمونا.

بعد منتصف الليل عصبوا أعيننا، قيّدوا أيدينا وأصعدونا إلى حافلة واقتادونا إلى معبر كرم أبو سالم. التقينا هناك بعمّال كانوا معتقلين في إسرائيل وأُعيدوا منها وهم الذين أوضحوا لنا أين نحن موجودات. عندها فقط فهمنا أنّهم سيُطلقون سراحنا.

عدتُ منهكةً جسديًّا ونفسيًّا. بالكاد استطعتُ أن أمشي [...] ندما دخلتُ إلى القطاع صُدمتُ ممّا رأيتُه، كلّ المهجَّرين ووضعهم

عدتُ منهكةً جسديًّا ونفسيًّا. بالكاد استطعتُ أن أمشي وكنتُ في وضع نفسيّ سيّئ جدًّا بعد كلّ ما مررتُ به في السجن. عندما دخلتُ إلى القطاع صُدمتُ ممّا رأيتُه، كلّ المهجَّرين ووضعهم. اتّصلتُ بعائلتي وعندما وصلتُ إليهم اكتشفتُ أنّهم يسكنون جميعًا في مخزن ما، كلّهم يجلسون هناك فوق بعضهم البعض لشدّة الاكتظاظ. بالكاد يوجد طعام وماء. أطفالي كانوا في وضع صعب جدًّا، مرّوا بأشياء فظيعة وأنا لم أكن بجانبهم. أصيبوا بالأنفلونزا وعانوا من حالات إسهال والتهابات معويّة، ولم تكن لديهم ملابس بديلة بتاتًا. ذهبتُ للبحث عن ملابس لكي أشتريها لهم لكنّي لم أجد. أنا أيضًا ليس لديّ أيّ ملابس وما زلت أرتدي "ترنينغ" أعطوني إيّاه في السجن. عثرنا أنا وزوجي على مبنى قيد الإنشاء، ودخلنا إلى شقّة هناك لا تزال بلا نوافذ. أغلقنا المنافذ بالنايلون.

أنا غير قادرة على التعافي ممّا مرّ عليّ. من الخجل أن رأوني وأنا شبه عارية، ومن حالة أطفالي.

- سجّل الإفادة باحث بتسيلم الميدانيّ محمّد صباح في 31.12.23

البيت قيد الإنشاء الذي اتّخذتْه نهال الغندور وعائلتها ملاذًا. تصوير: محمّد صباح، بتسيلم، 31.12.23

البيت قيد الإنشاء الذي اتّخذتْه نهال الغندور وعائلتها ملاذًا. تصوير: محمّد صباح، بتسيلم، 31.12.23