محمد مفارجة (16 عاماً), من سكّان مخيّم شعفاط للّاجئين في شرقيّ القدس

  

بتسيلم -11/6/2024

أنا تلميذ في المدرسة الرشيديّة وأقيم مع والديّ وإخوتي وأخواتي الستّة - أنا الابن البكر.

في 12.2.24، عند الساعة 4:00 فجراً، فجّر عناصر من شرطة حرس الحدود الباب الرئيسيّ ثمّ اقتحموا منزلنا. استيقظت على صوت الانفجار. دهم أربعة منهُم غرفة نومي المشتركة مع إخوتي وأمرني أحدهم أن أنهض وأعطيه هاتفي. في الوقت نفسه اقتاد عناصر حرس الحدود إخوتي إلى خارج الغرفة. أثناء بحثي عن الهاتف خلع أحد العناصر خوذته وضربني بها على رأسي. صرخت من الألم. عنصر آخر ركلني وأمرني بأن أسرع. وجدتُ الهاتف، الذي كان على رفّ المكتبة في الغرفة.

بعد ذلك أمرني أحد العناصر بأن أرتدي ملابسي. قيّدوا يديّ خلف ظهري بأصفاد بلاستيكيّة ثمّ أخرجوني من الغرفة وأجلسوني راكعاً على ركبتيّ عند باب الغرفة. جمعوا بقيّة أفراد الأسرة في غرفة أخرى وأجروا تفتيشاً في جميع الغرف والخزائن. قلبوا البيت رأساً على عقب. استمرّ ذلك ربّما 40 دقيقة، منذ لحظة دخولهم إلى المنزل.

أخرجني العناصر من المنزل، عصبوا عينيّ بقطعة قماش وساروا بي راجلين إلى حاجز شعفاط - مسافة خمس دقائق من منزلنا، وهناك أدخلوني إلى سيارة "جيب".

اتّجهت السيّارة إلى محطّة الشرطة في "المسكوبيّة"، في غرب القدس. اقتادني شرطيّ إلى الغرفة 4، التي يحقّقون فيها مع الفلسطينيّين. قلت له إنّ الأصفاد مشدودة على يديّ أكثر من اللّازم فصفعني وقال "أنا أعرف ذلك!". أجلسوني راكعاً على رُكبتيّ وعيناي معصوبتان مدّة ساعة تقريباً، ثمّ جاء شخص واستبدل الأصفاد البلاستيكيّة بأصفاد معدنيّة. بعد ذلك ركل أحد عناصر الشرطة خاصرتي اليُمنى فآلمني كثيراً حتى كدت أبكي. بعد مضيّ ساعة على استبدال الأصفاد جاء محامٍ وأزال العصبة عن عينيّ. قرأ عليّ حقوقي في المعتقل، ومن ضمنها حقّ التزام الصّمت.

قلت للمحقق إنّني عطشان ولم أشرب خلال مكوثي في المحكمة، وطلبت منه ماء. قال لي المحقّق "أنت ولد لا يستحقّ الماء" ولم يعطني ماءً لأشرب

بعد ذلك عصبوا عينيّ مجدّداً، لكنّهم أزالوها بعد مضيّ ساعة أخرى تقريباً، واقتادوني إلى التحقيق. قيّدوا رجليّ، إضافة إلى الأصفاد التي على يديّ. أجلسوني على كرسيّ وكان هناك شخص بلباس مدنيّ يجلس خلف طاولة. عرض عليّ صور أولاد وفتيان رشقوا حجارة نحو الحاجز في مخيّم شعفاط وسألني "مَن هؤلاء؟". قلت له إنّني لا أعرف. ثمّ قال لي المحقّق إنّني متّهم برشق حجارة وزجاجات حارقة نحو الحاجز في المخيّم، فأخبرتُه بأنّني لم أفعل ذلك.

قال لي "إذن، أنت تعرف من الذي يفعل ذلك!". قلت له إنّني لا أعرف عمّ يتحدّث، أنا لم أفعل شيئاً ولا أعرف أحداً يرشق حجارة وزجاجات حارقة. صرخ عليّ المحقّق "سوف نرى إن كنت تعرف أم لا". نحو السّاعة 12:00 أخذوني مباشرة من التحقيق إلى محكمة الصّلح في القدس وهناك مدّدوا اعتقالي لثلاثة أيّام. كان والدي في المحكمة لكنّهم منعوني من التحدّث إليه.

في غرفة الانتظار الواقعة قبل مدخل قاعة المحكمة كان أولاد آخرون جلبوهم من المسكوبيّة ومن محطة الشرطة في شارع صلاح الدين. سألوني هل حقّقوا معي وأين. قلت لهم "حقّقوا معي في الغرفة 4" فقالوا "مسكين، كان الله في عونك، سوف يسلخون جلدك عن عظمك". أقوالهم هذه أخافتني كثيراً.

عندما أعادوني إلى الغرفة 4، أعادوني مباشرة إلى التحقيق. قلت للمحقق إنّني عطشان ولم أشرب خلال مكوثي في المحكمة، وطلبت منه ماء. قال لي المحقّق "أنت ولد لا يستحقّ الماء" ولم يعطني ماءً لأشرب. صرخ عليّ وطالبني أن أعترف. عندئذً تذكّرت أقوال الأولاد في غرفة الانتظار عن الغرفة 4، إنّها أشبه بمسلخ، وقرّرت الاعتراف بشيء لم أفعله، هو رشق الحجارة.

دخل إلى الغرفة أربع سجّانين من وحدة "نحشون" وانهالوا علينا ركلاً دون أيّ سبب

بعد أن اعترفت أخذوني إلى غرفة أخرى. جلبوا لي "ساندويتش شنيتسل" وماء وكولا. أظنّ السّاعة كانت 3:00 عصراً. من هناك أخذوني إلى المعتقل في المسكوبيّة، وفي تلك اللّيلة نمت في الزنزانة لوحدي. في اليوم التالي جلبوا أولاداً معتقلين من سلوان والعيساوية ووادي الجوز وبيت حنينا. ما زالوا جميعاً رهن الاعتقال. كان في الزنزانة سريران كلّ واحد بطابقين، ومرحاض. كنّا سبعة معتقلين ولذلك نام أربعة منّا على السرير والبقيّة على بطّانيّات مفروشة على الأرض، لأنّهم لم يجلبوا فرشات بعد. كان الطعام مقبولاً من ناحية الكميّة والنوعيّة. كنت أستحمّ يوميّا في المرحاض الذي في الزنزانة حيث يوجد مرشّ للاستحمام. بقيت في المسكوبيّة طيلة شهرين ونصف، وخلال هذه المدّة لم أرَ عائلتي سوى أثناء جلسات المحكمة.

بعد مضيّ شهرين ونصف نقلوني إلى سجن الرّملة. في ذلك اليوم، نحو السّاعة 16:00، أدخلوني مع ستّة معتقلين، جميعنا تحت سنّ الـ18عاماً، إلى غرفة في المسكوبيّة انتظرنا فيها مركبة نقل المعتقلين (البوسطة). دخل إلى الغرفة أربع سجّانين من وحدة "نحشون" وانهالوا علينا ركلاً دون أيّ سبب. استمرّوا في ذلك بضع دقائق، قيّدوا أيدينا خلف الظهر بواسطة أصفاد بلاستيكيّة. شدّ أحدهم يدي المقيّدة إلى الخلف وضربني على ظهري بمرفق يده.

بعد أن مكثنا نصف ساعة في غرفة الانتظار أدخلونا إلى حافلة صغيرة (مينيبوس) وأجبرونا أن نجلس محنيّين. في الطريق إلى الحافلة وقع أحد الأولاد فركلوه وصفعوه.

وصلت الحافلة إلى سجن ما، ومن هناك نقلونا إلى "بوسطة" مقاعدها منفصلة عن بعضها بحواجز، مثل زنازين. السجّان الذي اقتادني من الحافلة إلى "البوسطة" ضغط بإصبعه على عنقي، ثمّ خدش عُنقي.

بعد أن أدخلونا إلى "البوسطة" سارت بنا إلى سجن الرّملة. في داخل "البوسطة" شدّوا الأصفاد البلاستيكيّة على أيدينا، وكانت لا تزال مقيّدة إلى الخلف. وصلنا إلى سجنّ الرملة وأدخلونا إلى قسم المنقولين (من سجن إلى سجن أو إلى المحكمة). أثناء دُخولنا لكَمَ السجّانون رؤوسنا عدّة مرّات. عندما أزالوا القيود عن أيدينا كانوا يُحرّرون يداً واحدة ويقيّدون اليد الأخرى. أحسست بأنّ رسغي على وشك أن ينكسر.

عندما دخلنا أزالوا القيود عن أيدينا ثمّ جلبوا لكل مُعتقل بيضة وشريحة خُبز، وشربنا من ماء الصّنبور في المرحاض الذي في الزنزانة. أمرنا السجّان بأن نركع وأيدينا خلف الظهر وأن نبقى هكذا فلا ننام ولا نغيّر الوضعيّة، وتوعّد بالضرب كل من يخالف ذلك. كان اللّيل قد حلّ وكنّا متعَبين

أدخلوني مع خمسة فتيان آخرين من القدس إلى زنزانة فيها معتقلون من قبل. عندما دخلنا أزالوا القيود عن أيدينا ثمّ جلبوا لكل مُعتقل بيضة وشريحة خُبز، وشربنا من ماء الصّنبور في المرحاض الذي في الزنزانة. أمرنا السجّان بأن نركع وأيدينا خلف الظهر وأن نبقى هكذا فلا ننام ولا نغيّر الوضعيّة، وتوعّد بالضرب كل من يخالف ذلك. كان اللّيل قد حلّ وكنّا متعَبين بسبب كلّ إجراء النقل. لذلك ورغم وعيد السجّان وتهديده نمنا على الأرض. ما عاد يهمّنا ماذا يفعلون بنا.

نحو السّاعة 4:00 فجراً جاء سجّان لكي يُجري العدّ، وحين وجدنا نياماً أمسك بأصابع إحدى يديّ وأخذ يلويها ويلفّها. هدّد بأنّه سوف يكسر أصابعنا إذا رفضنا الانصياع، وشتمنا أيضاً. أمرني السجّان بأن أقول إنّ أبي عميل (لإسرائيل) فقلت ذلك لأنّني خفت أن يكسر إصبعي.

في اليوم التالي تناولنا وجبة فطور ونقلونا إلى سجن "مجيدو". شدّو القيد على أيدينا وأرجلنا بطريقة موجعة جدّاً فبكيت بهدوء من شدّة الألم. عندما وصلنا إلى سجن "مجيدو" أخذوا ملابسنا وأعطونا بدلاً منها زيّ السّجناء. كان حلقي يؤلمني وأحسست أنّ حرارتي مرتفعة. أعطاني المُسعف قُرص "أكامول" في اليوم، على مدار يومين. كنت جائعاً وعطشاناً لأنّهم لم يقدّموا أيّ طعام منذ أن خرجنا من سجن الرّملة، وأيضاً في ذلك المساء لم يجلبوا لنا طعاماً فنمنا جائعين. كنّا في الزنزانة 11 معتقلاً رغم أنّها لا تستوعب مثل هذا العدد الكبير. نام جزء منّا على فراش أرضيّ.

في اليوم التالي جلبوا لنا وجبة فطور اشتملت على ملعقة جبنة بيضاء، رُبع ربطة خُبز وأربع شرائح بندورة لكلّ معتقل. أخرجونا من الزنزانة إلى السّاحة "فورة" لمدّة ساعة في اليوم، تشمل وقت الاستحمام. سمعت من معتقلين آخرين أنّهم قبل 7 أكتوبر كانوا يُمضون في السّاحة 12 ساعة في اليوم. كانوا يعطون لكلّ معتقل نصف كأس بلاستيكية من "الشامبو" لاستخدامه في الحمّام طيلة الأسبوع بأكمله. لم نستحمّ كلّ يوم، لأنّ ساعة واحدة لم تكفِ لاستراحة في السّاحة والحمّام معاً، وأيضاً لأنّ الصّابون لم يكن يكفي. في بعض الأيّام فضّلنا استغلال الوقت للنشاط الجسمانيّ في السّاحة. كنّا نقتصد في استخدام "الشامبو" أيضاً لكي نستخدم جزءاً منه في غسل ملابسنا إذ لم يُعطونا مسحوق صابون للغسيل. كان لديّ سروال داخليّ واحد، قميص واحد، وبنطال واحد - الملابس التي حصلت عليها لدى وُصولي إلى السّجن.

الطعام الذي جلبوه كان قليلاً وغير متنوّع: كانت وجبتا الغداء والعشاء عبارة عن 3 ملاعق أرزّ دون أيّة إضافات. كنت أنام جائعاً كلّ ليلة، أنتظر بفارغ الصّبر وجبة الفطور، وقد اشتملت على ملعقة جبنة بيضاء، أربع شرائح بندورة ورُبع ربطة خُبز. حدّث المعتقلون الآخرون أنّهم قبل 7 أكتوبر كانوا يشترون الطعام من "الكانتينة"، لكنّ إدارة السّجن أغلقته وصادرت من الزنزانة جميع المعدّات والأدوات اللّازمة لإعداد الطعام وأمور أخرى.

بسبب نقص الهواء وصعوبة الحفاظ على النظافة أصابتني في الشهر الأخير عدوى مرض جلديّ سبّب لي حكّة وألماً شديداً، والعلاج الوحيد الذي جلبوه لنا كان قُرص "أكامول"

بعد غسْل ملابسنا كنّا ننشرها داخل الزنزانة، على النافذتين والأسرّة. ولكنّها لا تجفّ تماماً لأنّ ضوء الشمس لم يكن يصلها ولأنّه يكاد لا يجري الهواء عبر النوافذ الصّغيرة. وبسبب نقص الهواء وصعوبة الحفاظ على النظافة أصابتني في الشهر الأخير عدوى مرض جلديّ سبّب لي حكّة وألماً شديداً، والعلاج الوحيد الذي جلبوه لنا كان قُرص "أكامول". ومثلي، أصيب في زنزانتنا أيضًا أربعة معتقلين آخرين بمرض جلديّ.

أنا والمعتقلون الآخرون في الزنزانة لم نتعرّض للضرب، ربّما لأنّنا قاصرون. لكنّ السجّانين كانوا يقتحمون الزنازين الأخرى ويضربون المعتقلين فيها بحجّة أنّهم خالفوا تعليمات السجّانين.

في 4.6.24 عقدت المحكمة الجلسة الأخيرة للنظر في قضيّتي، وقد تعرّضت للضرب أثناء السّفر إلى المحكمة في القدس - لكم السجّانون رأسي وعُنقي وظهري طوال دقيقة تقريباً. حكمت عليّ المحكمة بالسّجن ستّة أشهُر، لكنّها أخلت سبيلي في اليوم نفسه رغم أنّني أمضيت في السّجن خمسة أشهُر فقط. إضافة إلى ذلك، حكموا عليّ بدفع غرامة قدرُها 3,000 ش.ج. تُدفع على عشرة أقساط، وقد دفعها والداي بالتقسيط.

بعد إطلاق سراحي وجدت أنّني فقدتُ 20 كغم من وزني. هذا نتيجة سوء التغذية في السّجن، كميّاً ونوعيّاً. كان السجّانون يسخرون منّي لأنّ جسمي نحيل. كانوا راضين عن هذه النتيجة. وزني اليوم هو 44 كغم.

-​​ سجّل الإفادة باحث بتسيلم الميدانيّ عامر عاروري في 11.6.24​ ​​