بتسيلم - 18/4/2024
أقيم في منطقة الخليل مع زوجتي وابننا الرضيع الذي وُلد وأنا في السجن. اعتُقلت في 12.4.22، نحو السّاعة 4:00 فجراً، وخضعت للتحقيق طوال 17 يوماً بشُبهة الانتماء لحماس. بعد ذلك اقتادوني إلى سجن "عوفر" واحتُجزت هناك مدّة 23 يوماً، ثمّ نقلوني إلى سجن "كتسيعوت" (في النقب) وهناك علمت أنّهم أصدروا بحقّي أمر اعتقال إدرايّ لمدّة 4 أشهر. في "كتسيعوت" أدخلوني إلى زنزانة رقم 9 في القسم 5 الواقع في الجناح (أ) من السّجن. كنّا في الزنزانة خمسة أسرى، وكان الوضع عاديّاً نسبيّاً حتى 7.10.23. في صباح ذلك اليوم استيقظت في الصّباح الباكر بسبب جلبة في الزنزانة. قال لي أحد الأسرى "قُم لنرى ما الذي يجري". عندئذٍ شاهدت في التلفزيون الأحداث في غلاف غزّة.
رأيت عبر النافذة صاروخاً يسقط في منقطة السّجن، تلته صواريخ أخرى. فرّ السجّانون من الأقسام وبقينا نحن يتملّكنا الذّعر. بعد مضيّ ثلاث ساعات قطعوا الكهرباء والماء في الزنازين
بعد ذلك سمعت ضجّة ورأيت عبر النافذة صاروخاً يسقط في منقطة السّجن، تلته صواريخ أخرى. فرّ السجّانون من الأقسام وبقينا نحن يتملّكنا الذّعر. بعد مضيّ ثلاث ساعات قطعوا الكهرباء والماء في الزنازين، وكذلك البث التلفزيوني. ثمّ اقتحم عناصر وحدة "كيتر" (قوة الرد الأولي) الأقسام وأوقفونا جميعاً قبالة الحائط وهُم يهدّدون باستخدام العُنف. ثمّ صادروا كلّ ما يوجد في الزنازين - أدوات مطبخ، ملابس، أحذية، أجهزة كهرُبائيّة، جهاز التلفزيون وجهاز الرّاديو. كذلك فكّوا درْفات الزجاج عن النوافذ وأخذوها. أبقوا لنا فقط أسرّة الحديد، فرشات بدون غطاء، وبطّانيّة واحدة لكلّ أسير. أخذوا المخدّات أيضاً. لم يتبقّ للأسرى من ملابس سوى التي كانوا يرتدونها في تلك اللّحظة.
آنذاك، بدأت فترة العُنف الشديد. منذ ذلك اليوم، قبل العدد، صرخوا عبر مكبّرات الصّوت: "الأسرى في أقسام داعش، ليركع كلّ واحد منكم ورأسه إلى أسفل. اليدان فوق الرأس والوجه نحو الحائط". هكذا علمنا أن هناك إجراءات عدد جديدة. دخل عناصر وحدة "كيتر" إلى زنزانتنا مع عدد من رجال الأمن، وكان بعضهم مسلّحاً، وثلاثة كلاب شُرطة. بعد العدد انقضّ علينا عناصر وحدة "كيتر" - ضربونا بهراوات خشبيّة وحديديّة في كلّ أنحاء الجسم، ركلونا وأفلتوا علينا الكلاب. أحد الكلاب عضّ أسيراً في ذراعه حتى سال دمه، وكلب آخر عضّني حين كانوا يضربونني.
صرخوا عبر مكبّرات الصّوت: "الأسرى في أقسام داعش، ليركع كلّ واحد منكم ورأسه إلى أسفل. اليدان فوق الرأس والوجه نحو الحائط
خفنا كثيراً لأنّنا اعتقدنا أنّ نهايتنا اقتربت. أثناء ضربنا أجبرونا أن نشتم الله وأمّهاتنا. كنت أقول "أمّي زانية" وأسبّ الله!. شدّني أحد العناصر من شعري وقال لي: "قُل شعب إسرائيل شعب قويّ". أنهكني ضرباً طوال نحو عشر دقائق. بعد ذلك غادروا الزنزانة. الأسير الذي عضّه الكلب كانت جراحه بليغة ولم تكن لدينا أيّة وسيلة لمعالجته. كانوا قد أبقوا لنا في الغرفة زجاجة من البلاستيك واحدة لكي نملأها حين يتوفّر الماء الجاري. جميع الأسرى استخدموا المياه التي فيها ولم يتبقّ سوى القليل جدّاً. قبل الصّلاة اضطُررنا أن نتوضّأ تيمّماً. يُذكر أيضاً أنّهم منعونا من أداء الصّلاة جماعةً وسُمح لنا أن نصلّي فرادى فقط. أثناء العدد كانوا يُشبعوننا شتماً كلّ يوم. أحسسنا أيضاً أنّهم عزلونا عن بقيّة العالم.
كانوا يقدّمون لنا وجبتين يوميّاً. الأولى عند الظهر حيث يحصل كلّ أسير على قطعتي سجق، علبة لبنة صغيرة جدّاً، وسبع شرائح خُبز. والثانية صحن واحد للجميع فيه أرزّ منقوع بالماء وغير مطبوخ - وبالكاد كان يكفينا. كنّا نتقاسم الأرزّ بيننا، نوزّعه بملاعق صغيرة لكي يحصل كلّ على الكميّة نفسها. هذه الوجبة كنّا نهتمّ أن نتناولها قبل العدد الأخير لذلك اليوم، حتى إذا هاجمنا السجّانون لا يجدوا طعاماً يُلقونه على الأرض.
في يوم الأحد الموافق 15.10.23، عند السّاعة 10:30 صباحاً، نادوا علينا كلّاً على حِدة، ومن يأتي دورُه يأمرونه أن يقف وظهرُه نحو باب الزنزانة الحديديّ ويُخرج يديه من كوّة الباب لكي يستطيعوا أن يقيّدوا اليدين إلى الخلف.
بعد ذلك أخرجونا من الزنزانة، وبعد أن أمرونا أن نقف ووجوهنا نحو الحائط ورؤوسنا محنيّة، مع فشق الرّجلين - انقضّ علينا السجّانون من الخلف وأخذوا يركلون بقوّة خصيتي كلّ أسير. فعلوا ذلك بجميع الأسرى في زنزانتي. وكان سجّانان ملثّمان يلكمون خاصرتيّ وثالث يشدّ شعري ويجرّني نحو الزنزانة في الجهة الأخرى، وهناك ركل ظهري. وقعت أرضاً وتألّمت كثيراً في موضع من ظهري أصيب سابقاً جرّاء حادث طرق، حيث كُسرت فقرات وأجريت لي عمليّة جراحيّة.
بعد مضيّ 15 دقيقة أعادونا إلى زنزانتنا وهُم يدفعوننا ويضربوننا. في الطريق إلى هناك، في الممرّ الذي بين الزنازين، ركل سجّان رُكبتي اليُمنى مرّتين. لم أقع، ولكن حينذاك ألقى بي السجّانون أرضاً وانهال عليّ أربعة منهم واستمرّوا في ركلي طوال دقيقتين تقريباً. عندما تركوني هممت بالتوجّه إلى الزنزانة فهجم عليّ واحد منهم ودفعني بالقوّة إلى داخل الزنزانة، برجله. وصلت إلى الزنزانة والدّم يسيل بكثرة من فمي وأنفي.
كسروا لأحد الأسرى فكّه. أغمي عليه، وعندما أفاق لم يكن قادراً على فتح فمه. لم يقدّموا له أيّ علاج. لكي يتمكّن من تناوُل الطعام كنّا نخفّف اللّبن بالماء وننقطه في فمه. في ذلك اليوم جلبوا معتقلين آخرين إلى زنزانتنا حتى صار عددنا 20 أسيراً.
كسروا لأحد الأسرى فكّه. أغمي عليه، وعندما أفاق لم يكن قادراً على فتح فمه. لم يقدّموا له أيّ علاج
بعد ذلك مرّت عشرة أيّام لم نتعرّض فيها للضّرب، لكنّهم شتمونا وأهانونا كثيراً. في ساعات الصّباح من يوم 26.10.23 اقتحم الزنزانة 25 من عناصر وحدة "كيتر" ومعهم كلب بوليسيّ. فتحوا باب الغرفة ومباشرة صرخوا بنا أن نركع - بالطريقة التي وصفتُها آنفاً - ثمّ انهالوا علينا ضرباً. الكلب أيضاً هجم علينا، وكان مربوطاً برسن. ظلّوا طوال نصف ساعة تقريباً يركلوننا ويضربوننا بالهراوات في كلّ أنحاء الجسم، ويشتموننا بألفاظ نابية - مثل، "أبناء زانيات" و"زُناة". صوت صُراخنا ملأ السّجن، وبعضُنا كان يبكي من شدّة الألم. أجبرونا أن نسبّ الله ونشتم أمّهاتنا.
عندما غادرت القوّة الزنزانة كنّا مطروحين أرضاً لا نقوى على الحراك. عانيت ألماً فظيعاً في الصّدر، نتيجة الرّكل، وكدمات في كلّ أنحاء جسمي. لم نستطع التعافي في ذلك اليوم. كنّا محطّمين تماماً وخائفين جدّاً. كان ذلك يوماً أسوداً بالنسبة لي ولبقيّة الأسرى.
في تلك اللّيلة خفنا أن نتحدّث مع بعضنا البعض. فقط كنّا نتهامس. خيّم صمت على الزنازين ولم يجرؤ أيّ منّا حتى أن يطلب استدعاء طبيب. كانت الزنازين مُعتمة، ومن حين لحين كان يمرّ سجّان، يُنير بمصباحه عبر كوّة الباب ويسأل باللّغة العربيّة "من منكنّ حماس يا بنات؟" فلا يجرؤ أحدنا حتى على النظر نحوه، لأنّنا خفنا أن يدخل ويُهاجمنا مرّة أخرى.
في اللّيالي التي تلت كان السجّانون يأتون من حين لآخر، فجأة يطرقون الباب بشدّة ويصرخون "داعش!". بعد ذلك، في العدد الصّباحيّ، كانت لغة الجسد لدى كلّ منّا تنمّ عن خوف شديد.
رسم السجّانون على حيطان زنزانتنا خنزيراً وأعضاء جنسيّة ذكريّة، وكتبوا: "أحمد ياسين خنزير" وأموراً من هذا القبيل. رسموا أيضاً نجمة داوود وكتبوا تحتها "شعب إسرائيل حيّ". عند مدخل القسم 5 علّقوا لافتة كُتب عليها بالعبريّة والعربيّة: "أهلاً بكُم في جهنّم". وفي اللّيل كانوا يُسمعون بصوتٍ عالٍ أغاني في مديح "بني معروف" (أبناء الطائفة الدرزيّة) وموسيقى "راب" صاخبة لكي يمنعونا من النوم.
في يوم الأحد الموافق 29.10.23، نحو السّاعة 18:00، سكبنا بعض الماء على أرضيّة الزنزانة لكي ننظّفها، وطلبنا من أحد السجّانين عصا جرْد المياه. في تلك اللّحظة بالضبط اقتحم عناصر وحدة "كيتر" القسم. وصلوا إلى زنزانة 10 وأبرحوا الأسرى هناك ضرباً ثمّ نظر واحد منهم - وكان ملثّماً، عبر كوّة باب زنزانتنا ورأى الأرضيّة مبتلّة بالمياه فقال لنا "سكبتم الماء لكي ننزلق".
صرخ بنا ذلك العُنصر أن نتقدّم إليه واحداً تلو الآخر، فكبّلوا يدينا إلى الخلف بأصفاد بلاستيكيّة ثمّ جرّونا بالقوّة إلى الممرّ. سمعت من داخل الزنزانة صُراخ وبكاء الأسرى الذين ساقوهُم قبلي وضربوهُم. بقيت الأخير في الزنزانة وكنت أرتجف من الخوف.
ثمّ أخذوني. اثنان من عناصر الوحدة جرّاني بالقوّة من الزنزانة إلى الممرّ، ومن هناك إلى غرفة كانت حتى 7 أكتوبر غرفة الطعام. في الطريق إلى هناك شتموا أمّي وأخواتي. لدى وصولنا إلى غرفة الطعام شاهدت فيها بقيّة الأسرى زملائي في الزنزانة. كانوا جميعاً عُراة تماماً والدّماء تسيل منهُم. ألقوهُم في كومة واحداً في الآخر. كانوا يبكون ويصرخون والسجّانون يصرخون عليهم ويشتمونهم وأمّهاتهم. هُم أجبرونا نحن أيضاً أن نشتم أمّهاتنا وحماس والسّنوار. كما أجبرونا أن نقبّل علم إسرائيل وننشد النشيد الوطني الإسرائيليّ.
جلب أحد العناصر جزرة وحاول أن يزجّها في مؤخّرتي فيما عناصر آخرون يصوّرونني بكاميرات هواتفهم. كنت أصرخ من الألم والرّعب
كنت أرتجف من الخوف. ثمّ انقضّوا عليّ. صفعني أوّلهُم وبصق عليّ ثانيهم وقال لي بالعربيّة: "يحيى السّنوار سيموت". أمروني أن أكرّر ما قاله. اثنان منهُم جرّداني من ثيابي، كما بقيّة الأسرى، ثمّ ألقياني فوقهُم. جلب أحد العناصر جزرة وحاول أن يزجّها في مؤخّرتي فيما عناصر آخرون يصوّرونني بكاميرات هواتفهم. كنت أصرخ من الألم والرّعب. استمرّ ذلك نحو ثلاث دقائق.
بعد ذلك صرخوا بنا "لديكم دقيقتان لترتدوا ثيابكم" وخرجوا. أحسست كسيراً محطّماً في داخل نفسي. ارتديت ثيابي ودُموعي تنهمر (هنا أجهش عامر بالبُكاء أثناء إدلائه بالإفادة). راودتني أفكار فظيعة. بعد ذلك أعادوني إلى الزنزانة. عندما عُدنا إلى الزنزانة كنّا ما زلنا مصدومين، بكينا بصمت ولم ينبس أحد ببنت شفة، لم نكن قادرين على النظر في وجوه بعضنا البعض.. سألت نفسي "ما الذي جرى، لماذا يحدث هذا لنا؟".
في 30.10.23، نحو السّاعة 17:00، جاء ثلاثة سجّانين. نادوا أسيراً من زنزانتنا يقارب الـ50 من عمره، من بيت لحم، كبّلوا يديه وأخرجوه من الزنزانة مدّة 4 دقائق تقريباً، ثمّ عاد. بعد ذلك ناداني السجّان، كبّل يديّ وأخذني.
أدخلوني إلى غرفة فيها ضابط "شاباك" عرّف عن نفسه بالاسم عادل. قال لي: "أهلاً بك، حضرة الصّحافيّ". كنت حافياً ويداي ترتجفان من شدّة الخوف. سألني عن حذائي أين هو فقلت له إنّني دون حذاء منذ أن صادروه. قال إنّه سيجلب لي حذاء رغم أنّهم أخذوا أناساً من غلاف غزّة بدون أحذية. كانت القيود مشدودة جدّاً فطلبت منه أن يُرخيها قليلاً، وفعل ذلك. بعد ذلك أخرج من جيبه مطوىً، فتحه ورماه عرضَ الحائط. قال لي: "إذا سمع الناس عمّا يجري في سجن النقب (كتسيعوت) فسوف نعرف أنّك المسؤول عن ذلك".
طلب شيفرة الدّخول إلى "بروفايلي" في "فيسبوك" واسمي الكامل ورقم هويّتي. سألني إن كان لي إخوة معتقلون وعندما أجبته بالنفي قال لي "كيف تعرف؟". قلت له "أنا لا أعرف شيئاً منذ 7 أكتوبر". سألني "مَن من الأسرى يريد أن يطعن سجّانين؟" فأجبته أن لا أحد يفكّر في ذلك. قال لي "منذ الآن فصاعداً هكذا ستكون الحياة داخل السّجن" وأضاف أنّ كلّ ما رأيناه حتى الآن كان مجرّد بداية.
طلبت منه أن أشرب ماءً لكنّه رفض. عندما أمرني أن أخرج من الغرفة رأيت عناصر وحدة "كيتر" في الممرّ. تشبّثت بالباب ورفضت أن أخرج. قلت للمحقّق: "أتوسّل إليك، لا تُخرجني. سوف يقتلونني"، فما كان إلّا أن صرخ: "خذوا هذا الكلب!". دفعوا برأسي إلى أسفل حتى قارب أن يُلامس الأرض، وجعلوني أركض بهذه الوضعيّة وُصولاً إلى الزنزانة. في الطريق أمسك أحدهم يديّ - المكبّلتان إلى الخلف، وظلّ يشدّهما بالقوّة إلى الوراء حتى وصلنا إلى الزنزانة.
في يوم الأحد المُوافق 5.11.23 كان القسم 6، المجاور لنا، خالياً من الأسرى. جلست على السّرير لا أقدر على الحراك أو الكلام. أحسست أن قلبي سيتوقّف. بعد ذلك أخرجونا إلى ساحة خارجيّة بين الأقسام. أدخلوا جزءاً من الأسرى إلى غرفة الحمّامات وأغلقوا الأبواب ثمّ انهالوا عليهم ضرباً طوال دقيقتين تقريباً.
عندما حان دوري أخذوني إلى غرفة الطعام، ولكن في القسم 6 هذه المرّة. كان هناك سجّانون أعرفهم، لم يكونوا ملثّمين. قال لي أحدهم: "تمعّن وجهي لكي لا تنساني".
أمسكوا بي ثمّ أخذوا يضربونني. أحدهم ركلني في صدري ركلة دفعتني فاصطدمت بسجّان آخر فأخذ هذا يصرخ ويشتم. أمسك مرآة في إطار خشبيّ سميك وحاول أن يضربني بها على رأسي، لكنّ الآخرين ثنوه عن ذلك. جرّدوني من ثيابي بالقوّة، أنزلوا بنطالي والسّروال الداخليّ، ولفّوا قميصي على رأسي مثل قناع. ثمّ أصابوا خصيتيّ بقوّة. بعد ذلك حملوني وأجلسوني على إطار مغسلة حديديّ. جلبوا أسيرين آخرين وأمروهما أن يُشاهدا عمليّة ضربي. كنت لا أزال عارياً، وقد رأيتم عبر نسيج القميص الرّقيق الذي كان يلفّ رأسي. كان السجّانون يشدّون شعرهما لكي يرفعوا رأسيهما ويُجبروهما على فتح أعينهما ومشاهدة ضربي.
جرّدوني من ثيابي بالقوّة، أنزلوا بنطالي والسّروال الداخليّ، ولفّوا قميصي على رأسي مثل قناع. ثمّ أصابوا خصيتيّ بقوّة
لكموا خاصرتيّ عدّة مرّات حتى سال دم من فمي. اقترب أحدهم منّي وبصق على وجهي ثمّ أنزلني عن هذا الإطار ورفع بنطالي قليلاً. من هناك اقتادوني إلى زنزانة رقم 5 في القسم 6 وأنا مطأطئ الرأس ومكبّل اليدين. عند باب الزنزانة كانت تقف سجّانتان فمررت بينهما عارياً، إذ كان بنطالي مرفوعاً لكنه لم يغطّ أعضائي الجنسيّة. في داخل الزنزانة كان أسيران - أحدهما من قرية تلّ في محافظة نابلس، وكان جالساً يبكي. الثاني من القدس، كان وجهه متورّماً، وهو محكوم بالسّجن ثلاث سنوات.
كانت يداي مكبّلتين إلى الخلف. أمرني السجّان أن أخرجهُما عبر كوّة الباب وقام بفكّ الأصفاد. كنت لا أزال أسمع في أنحاء القسم صُراخ الأسرى الذين يتعرّضون للضرب على يد السجّانين. كانت الجنديّتان تنظران إليّ وتضحكان لأنّ بنطالي كان نازلاً وانكشفت مؤخّرتي حين انحنيت لكي يفكّوا عن يديّ الأصفاد. طلبت من أحد الأسرى أن يرفع لي البنطال.
جلبوا من السّاحة أسرى آخرين فصار عددنا في هذه الزنزانة 10. في يوم الإثنين الموافق 10.11.23، كنت أؤمّ الأسرى في صلاة الجماعة وكان بعض الأسرى يبكون. سمعنا أحد السجّانين وكان ينظر إلينا عبر كوّة الباب فأيقنّا أن أنّهم سوف يهجمون علينا.
في المساء، جاء السجّانون لإجراء العدد كالمعتاد. بعد العدد مباشرة انقضّ علينا 14 من عناصر وحدة "كيتر" يضربوننا بأعقاب بنادقهم. ضربونا مدّة طويلة، وركّزوا خاصّة على أحد الأسرى حتى أغمي عليه. كسروا كتفه الأيسر وانتفخت عينه اليُسرى. كان معهم مُسعف، وحتى هو صرخ بهم أن يتوقّفوا عن ضربه، لكنّهم لم يُصغوا له.
عندئذٍ أشار أحد السجّانين إليّ وقال: "إنّه هُو" فجرّني عناصر القوّة ورموني على الأرض ثمّ انهالوا عليّ يركلون رأسي. حاولت أن أحمي رأسي بيديّ لكنّ السجّانين كانوا يُبعدون يديّ ويواصلون ضربي. صرت أصرخ من الألم بعد عشر دقائق من الضرب، لم أكن قادراً على الحركة. ثمّ قال لي أحدهم "إذا صلّيت مرّة أخرى فسوف أقتلك". عندما خرجوا من الزنزانة كنت شبه غائب عن الوعي والدّم يسيل من أنفي وأذنيّ. بعد مضيّ بضع دقائق جاء المُسعف وحاول أن يفحص عبر كوّة الباب نبض الأسير الذي أغمي عليه. اعتذر منه قائلاً إنّه لا توجد أدوية ولا مستشفى ولا عيادة. أعطاه قرص "أكامول" وذهب.
سمعت المُسعف يقول للأسرى "أعطوه ماءً ليشرب" فأجابوه بأنّه لا يوجد ماء. ناول أسير شابّ زجاجة فارغة للسجّان لكي يملأها فذهب هذا وعاد بعد مدّة يقول "لا يُؤذن لي أن أعطيكم ماء"
في اليوم التالي - السبت الموافق 11.11.23 - فيما كنت جالساً لا أفعل شيئاً، أغمي عليّ. يبدو أنّ السّبب هو خليط من الخوف والضربات وسوء التغذية. أصابتني تشنّجات في اليدين، لا أعرف لماذا بالضبط. راح أحد الأسرى يصرخ "عامر مات! عامر مات!". كنت أسمعه ولكن لم أقدر أن آتي بأيّة بحركة. جاء عدد من السجّانين ومُسعف ووقفوا عند باب الزنزانة. سمعت المُسعف يقول للأسرى "أعطوه ماءً ليشرب" فأجابوه بأنّه لا يوجد ماء. ناول أسير شابّ زجاجة فارغة للسجّان لكي يملأها فذهب هذا وعاد بعد مدّة يقول "لا يُؤذن لي أن أعطيكم ماء" وأعاد لهُم الزجاجة الفارغة. كنت في حالة جسمانيّة صعبة ولم أقدر على الحراك. عندما جاء موعد العدد المسائيّ كان وضعي لا يزال كما هو. دخل عناصر القوّة إلى الخليّة لإجراء العدد، وكنت لا أزال ملقىً على الأرض. أمرت قائدة الوحدة الجميع أن يرجعوا إلى الوراء ونادت مرافقي الكلاب. أمرتني أن أضع يديّ على رأسي وأدخل عناصر القوّة الكلب إلى الزنزانة. في تلك المرحلة غبت عن الوعي تماماً.
عندما أفقت وجدت نفسي قرب باب الزنزانة والمُسعف ينقط عطراً تحت أنفي. أخذت أبكي من الخوف. سألتني قائدة الوحدة ماذا حدث لي فأجبتها أنّني فقدت الوعي. بعد ذلك حدّثني زملائي الأسرى أنّني حين أغمي عليّ أثناء العدد أمر السجّانون أسيرين أن يحملاني، لكي يفحصوا هُم إن كنت غائباً عن الوعي فعلاً. ثمّ أمروهُم أن يُجلسوني على الأرض قرب الباب إلى أن أفيق.
في ظهيرة اليوم التالي، 12.11.23، جاء ضابط كبير وقال إنّهم سوف ينقلون القسم كلّه. سأله أحد الأسرى إن كانوا سيضربوننا فاقترب الضابط من باب الزنزانة وقال بالعبريّة - وأنا أفهم العبريّة - إنّهم قد قتلوا الجميع في غزّة وسوف ينقلوننا إلى مكان لا يعرفه أحد. كبّلوا أيدينا أزواجاً بسلاسل حديديّة وأمرونا أن نركض حتى نصل باب مركبة نقل الأسرى.
عندما وصلنا إلى المركبة أخذوا يضربوننا على رؤوسنا فوقعت أرضاً. جلس حارس على رأسي وقال لي بالعربيّة إنّ يحيى السّنوار أرسله إليّ. كنّا 55 أسيراً، وقد أدخلونا إلى مركبتين أقلّتانا إلى القسم ج في السجن نفسه. وصلنا إلى السّاحة، ونحن مقيّدين كلّ اثنين معاً، وهناك كان في انتظارنا عناصر وحدة "كيتر" لكي يفتّشونا. وكانوا ملثّمين. أمرونا أن نتقدّم وأجلسونا على الأرض في الممرّ. بعد ذلك أمروني والأسير المقيّد معي أن نتقدّم أكثر. خفت جدّاً. بعد أن أدخلونا إلى غرفة التفتيش، فكّوا الأصفاد وأمرونا أن نخلع ثيابنا. خلعنا ثيابنا ونحن متقابلين، ثمّ فتّشوا أجسادنا يدويّاً وبعد ذلك بواسطة جهاز كشف معادن يدوي. أطلق الجهاز صفيراً عندما لامس خصيتيّ فأمرني الذي كان يفتّشني أن أخرج ما أخبئه هناك. كرّر ذلك ثلاث مرّات وقلت له إنّه لا يوجد معي شيء.
تناول الضابط كمّاشة وأمسك خصيتيّ بها. صرخت حتى ارتجّت من صُراخي أركان السّجن
عندئذٍ جاء ضابط من وحدة "كيتر"، غير ملثّم، وأمرني بدوره أن أخرج ما لديّ هناك. عندما قلت له "ليس لديّ شيء" أمسك بكرسيّ حديديّ وضربني به على وجهي. وقعت أرضاً والدّماء تسيل من أنفي بكثرة. جرّني السجّانون ورفعوني ثمّ تناول الضابط كمّاشة وأمسك خصيتيّ بها. صرخت حتى ارتجّت من صُراخي أركان السّجن، ثمّ غبت عن الوعي لفترة ما. أفقت بعد أن رشّوا عليّ ماء (هنا أيضاً بكى الشاهد وصمت بُرهة).
أمسكوا بي وقام الضابط مرّة أخرى بفحص خصيتيّ بواسطة كاشف المعادن. في هذه المرّة لم يصفر الجهاز فقال لي الضابط بالعبريّة "ألله رحمك". ألبسوني ثيابي ثمّ كبّلوا يديّ إلى الأمام بأصفاد معدنيّة. أمرني أن أرفع يديّ فوق رأسي وأنحني وأركض بسُرعة مسافة 100 متر، وفعلوا مثل ذلك بالأسير الثاني. بعد ذلك وصلنا إلى القسم، وهناك رافقني سجّانان ثمّ انضمّ إليهما سجّانون آخرون وانهالوا عليّ يضربونني بشدّة وقسوة. خلع أحد السجّانين الخوذة عن رأسه وركض نحوي مسرعاً وهو يقول "حبيبي، الضربة الأخيرة". ضرني بالخوذة على رأسي فوقعت أرضاً وغبت عن الوعي تماماً. لا أعرف كم مضى من الوقت لكنّني حين أفقت كانوا يسكبون ماءً على رأسي. تلوّيت من الألم. أصعدني السجّان الدّرج المؤدّي إلى زنزانة 15 في القسم 21. اقتادني إلى زنزانة التقيت فيها الأسير محمود بكر أبو الهوى. صرخ السجّان متهكّماً عليه: "محمود بكر أبو الخرَى".
في هذا القسم شغّلوا موسيقى صاخبة طوال اللّيل. أغاني "راب"، ومعظم الوقت أغنية "شعب إسرائيل حيّ". كانوا يشتمون أمّهاتنا عبر مكبّرات الصّوت. كان في الزنزانة حمّام بدون باب، والمياه الجارية تتوفّر فيه فقط لمدّة ساعة واحدة في اليوم. كنّا نستحمّ بالماء البارد، وقد أعطونا زجاجة "شامبو" صغيرة. وقد عانى معظمنا من أوجاع في البطن وإمساك بسبب نقص المياه.
بعد ذلك وعلى مدى عدّة أيّام ضربوني وضربوا الأسرى في الزنازين المجاورة عدّة مرّات بدون سبب. ركلونا وضربونا بالهراوات بمنتهى القسوة. ذات مرّة بعد الضرب أبقونا مطروحين أرضاً فبقينا هكذا عدّة ساعات. في مرّة أخرى ركّزوا الضرب على أسير مريض، لا أعرفه. كلّما دخلوا لإجراء العدد خفت أن يُهاجموني، وإن حدث أحياناً أنّهم لم يفعلوا ذلك. كثيراً ما كانت تأتي قوّات بأعداد كبيرة لإجراء العدد، ومعهم كلاب.
ذات يوم تأخّر العدّ حتى السّاعة 20:00 مساءً. خفت كثيراً، أنا وبقيّة الأسرى، لأنّنا لم نفهم ما سرّ التأخير. قبل أن يصلوا إلى قسمنا سمعت صافرة سيّارة إسعاف. قلت للأسرى زملائي في الزنزانة إنّ أسيراً قد مات. تملّكني خوف شديد ممّا قد يحدث لنا. في ذلك المساء جاءت قوّة "كيتر" وأجرت العدد دون أن تهاجمنا.
بعد ذلك دخلت إلى الزنزانة أربع مجنّدات بملابس ضيّقة ومعنّ ضابط. شغّلوا موسيقى صاخبة وأخذت الجنديّات يرقصن بحركات ماجنة دون خجل. كنّ يصرخن ويسخرن منّا، ثمّ انضمّ إليهنّ عدد من السجّانين ورقصوا معهنّ، في حين كان الضابط واقفاً عند باب الزنزانة يتفرّج عليهم ويصوّرنا بكاميرا هاتفه. بعد ذلك خرجوا جميعاً مُسرعين وأغلقوا الباب. خفت كثيراً أن ينقضّ عناصر الوحدة على الغرفة. توقّعت أن يضربونا واحداً تلو الآخر، ولكنّنا فوجئنا بأنّهم لم يفعلوا ذلك.
بعد ثلاثة أيّام سمعنا انّ أسيراً اسمه ثائر أبو عصب مات فعلاً في سجن النقب بتاريخ 19.11.23.
كان ينبغي أن يُطلق سراحي في 30.11.23 لكن بسبب الحرب مدّدوا الاعتقال مجدّداً لي وللمعتقلين الآخرين. وقد تم تحديد يوم 15.4 موعدًا جديدًا للإفراج عني.
سألني هل أريد أن أحضر الجلسة فقلت له "نعم". أثناء الجلسة قلت للقاضي "لقد ضربونا واعتدوا علينا، حضرة القاضي". وضع يده على رأسه وسكت
في 6.12.23 أبقت إدارة السّجن الأضواء مشتعلة طوال اللّيل. أطفأت الضوء في الزنزانة لأنّنا لم نتمكّن من النوم. في وقت العدّ الصباحيّ سأل الضابط "من الذي أطفأ الضوء؟"، ثمّ هجم عليّ مع سجّانين آخرين وضربوني والأسرى الآخرين على رؤوسنا ثمّ خرجوا. بعد أن مضت نحو ساعة جاء سجّان وقال لي "لديك جلسة محكمة لإقرار الاعتقال". سألني هل أريد أن أحضر الجلسة فقلت له "نعم". أثناء الجلسة قلت للقاضي "لقد ضربونا واعتدوا علينا، حضرة القاضي". وضع يده على رأسه وسكت.
كان الضابط هناك وقد نظر إليّ متوعّداً. بعد ذلك كبّل يديّ إلى الخلف بينما كبّلوا إلى الأمام أيدي بقيّة الأسرى الذين جُلبوا لحضور جلسة محاكمتهم.
لدى عودتي إلى القسم رافقني سجّانان أعرفهما. عند دخولي القسم ركلني أحدهما، والثاني أخذ "الشبشب" من رجلي وضربني به على رأسي. عندما تقدّمت قليلاً، هجم عليّ السجّانون مجدّداً. ركلني أحدهم من الخلف وأوقعني أرضاً ثمّ انهال عليّ يضربني ببالغ القسوة. أخذ "شاكوش" حديد وضربني به على أسفل ظهري وعلى ركبتي اليمنى، ثمّ أصاب خصيتيّ مرّة أخرى فرُحت أصرُخ.
بعد ذلك أخذوني إلى الزنزانة وشتموني وسبّوا الربّ. خاف الأسرى الذين في الزنزانة لأنّهم ظنّوا أنّ الاعتداءات علينا ستعود بعد أن خفّت قليلاً بعد موت الأسير ثائر أبو عصب. أوضحت لهُم أنّهم ضربوني فقط لأنّني حدّثت القاضي عمّا يفعلونه بنا.
بعد ذلك بالفعل توقّف الضرب والاعتداءات تماماً، غير أنّ المُعاملة المُهينة من قبَل السجّانين استمرّت كما استمرّ استخدام الموسيقى الصّاخبة طوال النهار واللّيل، وكذلك سياسة التجويع المنهجيّ ومنع العلاج الطبّي. إضافة إلى ذلك عانينا كثيراً من البرد.
في نهاية شهر كانون الأوّل اقترحت على الأسرى أن نصلّي الفجر جماعة. بعد الصّلاة جاءت إدارة السّجن وصادرت منّا البطّانيّات والفرشات طوال اليوم. أعادوها لنا في اللّيل.
في 30.12.23 أخذوا جميع الأسرى من الزنزانة إلى السّاحة. أجلسونا على الأرض وأيدينا مكبّلة إلى الخلف ووضعوا اكياس نايلون سوداء على رؤوسنا. ضغط أحد السجّانين أصفاد الحديد برجله وقال لي "مُتْ!". من هناك أخذونا واحداً تلو الآخر إلى غرفة ضابط الاستخبارات، مع الأصفاد على أيدينا والأكياس على رؤوسنا. أزال الضابط الكيس عن رأسي وعرّف نفسه بالاسم والرّتبة - "كابتن إيلان". قال إنّني أحرّض ضدّهم أثناء الصّلاة. بعد ذلك أجبرني أن أخلع ثيابي ما عدا السّروال الدّاخليّ. بعد ذلك أمسكت سجّانات بأيدينا المكبّلة واقتدننا إلى الزنازين ونحن عُراة، وفي الطريق كنّ يشتمننا ويضحكن علينا. رأيناهنّ عندما أزلن الأكياس عن رؤوسنا. عندما وصلنا إلى الزنزانة ألقوا بملابسنا إلى داخل الزنزانة.
في شهرَي اعتقالي الأخيرين نقّلوني وأسرى آخرين بين مختلف الزنازين والأقسام. في بعض الأحيان كان النقل مصحوباً بالعُنف، شدّ الأصفاد بطريقة مؤلمة والتفتيش الجسديّ. ذات مرّة فتّشونا بواسطة كاشف معادن يدويّ فضربني به السجّان على خصيتيّ.
الطعام الذي حصلنا عليه كان لا يزال شحيحاً جدّاً. أمضيت اللّيالي قلقاً من احتمال أن يمدّدوا اعتقالي الإداريّ.
في 14.4.24 جاء إلى باب الزنزانة سجّان كان يُعاملنا جيّداً ولم يضرب أيّ أسير. قال لي: "ما حدث لكم عارٌ على إسرائيل [...] نحن دولة حقيرة".
في اليوم التالي، 15.4.24، أعلن السجّان نفسه عبر مكبّر الصّوت المعلّق في الزنزانة أنّ ثمانية أسرى سوف يُطلق سراحُهم، ولم يحدّد أسماء. بعد ذلك أخرجوني من الزنزانة مع سبعة أسرى آخرين. قبل أن نخرج كبّلوا أيدينا إلى الخلف وعصبوا أعيننا. أثناء نقلنا ضربوا بعضاً منّا، وفي البداية لم يضربوني. أجلسونا في مكان ما داخل السّجن، على الأرض. ثمّ جاء سجّان ووضع حذاءه على عُنقي من الخلف. ضرب الأسير الذي كان أمامي بعصاً على ظهره حتى راح ذاك يصيح من الألم. بعد ذلك أخذونا للتفتيش الجسديّ وكان هناك عناصر وحدة "كيتر". أمروني أن أخلع ثيابي ثمّ فتّشوني. أمروني مرّتين أن أنحني ثمّ أنتصب، فقط لكي يذلّوني. في الأخير ضربني أحد عناصر "كيتر" على خاصرتي اليُمنى فأخذت أصيح حتى ابتعد عنّي.
فحص السجّان ملفّي ثمّ قال "هذا ليس هُو". لم يعرفني مقارنة بصُوري التي في الملفّ، حيث أنّني فقدت من وزني 55 كغم أثناء فترة اعتقالي
بعد ذلك أخذونا للتحقيق. فحص السجّان ملفّي ثمّ قال "هذا ليس هُو". لم يعرفني مقارنة بصُوري التي في الملفّ، حيث أنّني فقدت من وزني 55 كغم أثناء فترة اعتقالي، شعري طال وصار كثيفاً جدّاً وملامح وجهي تغيّرت. سألني بضع أسئلة وفحص تفاصيل أخرى حتى اقتنع أنّ الملفّ ملفّي. بعد ذلك اقتادوني إلى غرفة انتظار تتّسع لعشرة أشخاص ولكن حشروا فيها 23 ربّما. بقينا هناك أربع ساعات. كانت الغرفة بلا نوافذ، وقد أجبرونا أن نظلّ راكعين. عندما كان يأتي السجّان كان علينا أن نضع أيدينا فوق رؤوسنا.
بعد ذلك جاء عناصر من وحدة "نحشون" - المسؤولون عن نقل الأسرى من سجن لآخر. كبّلوا أيدينا وأرجلنا بأصفاد معدنيّة وأجبرونا أن نركض بسُرعة نحو الحافلة. عندما وضعت رجلي على درجات الحافلة لكم أحد عناصر الوحدة خاصرتي اليُمنى. ثمّ حين مررت عبر الباب ركل مؤخّرتي. هكذا فعلوا بالجميع.
أقلّتنا الحافلة إلى حاجز "ميتار"، جنوب الضاهريّة في محافظة الخليل. عندما وصلنا ونزلت من الحافلة شدّ أحد العناصر بشعري ثمّ لكم رأسي عدّة مرّات، وجاء عنصر آخر ركلني من الخلف بقوّة.
عندما اعتُقلت كان وزني 125 كغم، والآن أزن 65 كغم. ما زلت أعاني آلاماً في معظم أنحاء جسمي، خاصّة أوجاعاً في البطن. مستوى السكّر في دمي غير متوازن، وأنا أتلقّى العلاج حتى الآن. كذلك وضعي النفسي صعب جدّاً جدّاً: صرخات الأسرى ما زال يتردّد صداها في أذنيّ. أنا الآن لا أتحمّل أيّ صُراخ أو صوت عالٍ، وأخاف أصلاً من أيّة جلبة أو ضجّة قويّة. إضافة إلى ذلك تطوّر لديّ خوف من الكلاب لدرجة الرّهاب المرضيّ. ذات مرّة، عندما ناولت زوجتي جزرة لابني لأنّ قضمها يساعده أثناء نموّ أسنانه تملّكني خوف شديد؛ وعندما أدخل الجزرة إلى فمه أخذتها فوراً من يده وألقيت بها بعيداً. أنا لا أستطيع تناوُل طعام صلب، فقط سوائل وحساء. هذا ناهيك عن خوفي من أن يعتقلوني ثانية. لا أعتقد أنّ بإمكاني تحمّل كلّ هذا العذاب مرّة أخرى. كأنّه الجحيم حقّاً. أنا أيضاً قلق جدّاً على الأسرى الذي تركتهم ورائي في السّجن/الجحيم. الكلمات لا تفي بوصف التعذيب الذي يتعرّض له الأسرى في السّجون الإسرائيليّة - ربّما هو أسوأ ممّا في سجن "غوانتانامو" وأبو غْريب.
- سجلت الإفادة باحثة بتسيلم الميدانيّة منال الجعبري في 18.4.24