بتسيلم - 24/4/2024
أقيم مع زوجتي وأولادنا الأربعة الذين تراوح أعمارهم بين 5 و-16 عاماً في الطابق الأوّل من مبنىً مؤلف من ثلاثة طابق يُقيم فيه أيضاً والداي وأخي وزوجته وابنهما. أعمل موظّفاً في وزارة الشباب والرّياضة في السّلطة الفلسطينيّة.
في 10.8.22 كنت في طريقي إلى "جامعة القدس" المفتوحة في رام الله، التي كنت قد تسجّلت للدّراسة فيها. عندما وصلت إلى حاجز "الكونتينر"، شمال بيت لحم، فحص الجنود بطاقة هُويّتي ثمّ أخرجوني من السيّارة وأوقفوني. أدخلوني إلى غرفة باطون قرب الحاجز. أثناء وُجودي هناك اتّصل بي ضابط مخابرات إسرائيليّ وأخبرني أنّني معتقل وقد صدر بحقّي أمر اعتقال إداريّ لمدّة ستّة أشهُر. قيّدوا يديّ بأصفاد بلاستيكيّة وعصبوا عينيّ ثمّ أخذوني إلى المعتقل في "عتصيون". هناك فتّشوني عارياً وسألني مُسعف عن وضعي الصحّي ثمّ أدخلوني إلى غرفة اعتقال مع ستّة معتقلين آخرين.
ذلك كانوا يقفون عند الباب يركلون ويضربون بهراواتهم كلّ أسير يخرج من الغرفة. عندما حان دوري لأخرج ركل أحد العناصر وجهي وأنا منحنٍ
كانت الغرفة صغيرة فيها مرحاض. وكانت فيها رائحة رُطوبة قويّة. احتُجزت هناك مدّة سبعة أيّام ثمّ عقدت المحكمة جلسة للنظر في ملفّي، أبلغوني بعدها بأنّني سأبقى رهْن الاعتقال الإداريّ لمدّة ستّة أشهُر.
بعد ذلك نقلوني إلى سجن "عوفر" مع معتقلين آخرين وفتّشونا ونحن عُراة، مرّة أخرى. كان انطباعي أنّ ذلك لم يكن لضرورات أمنيّة وإنّما لإهانتنا، وأحسستُ أنّه تفتيش غير أخلاقيّ. أدخلوني إلى غرفة كان فيها ستّة أسرى وتحتوي على جميع المعدّات والمستلزمات العاديّة وكان مسموحاً لنا أن نخرج إلى ساحة مسقوفة بشبك معدنيّ حيث نُمضي فيها 12 ساعة يوميّاً. مكثت هناك مدّة شهر تماماً، ثمّ نقلوني إلى القسم 16 واحتجزوني هناك حتى 11.1.23. ثمّ نقلوني إلى سجن النقب (كتسيعوت).
لاحقاً، مدّدوا اعتقالي الإداريّ لستّة أشهُر أخرى. قدّمت استئنافاً، لكنّ الشّبهات ضدّي كانت سرّية والمُحاكمة كانت صُوريّة. عندما انتهت مدّة اعتقالي مدّدوها مجدّداً لستّة أشهُر أخرى. استمرّت الحياة في السّجن كالمُعتاد، حتى 7 أكتوبر 2023. بعد هذا التاريخ انقلبت الحياة إلى ما يُشبه "تسونامي".
في ذلك اليوم استيقظت لكي أقيم صلاة الفجر. سمعت معتقلين في الغرف يقولون لبعضهم البعض "افتح التلفزيون وشاهدْ". أخذنا نتابع الأخبار. بعد مضيّ ثلاث ساعات سمعنا انفجارات في منطقة السّجن. لاذ جميع السجّانين بالفرار وأبقونا وحدنا. خفنا أن يسقط صاروخ على السّجن ونحن محبوسين في داخله. بعد ذلك أقفلت إدارة السّجن أبواب الغرف وقطعت الكهرباء عن الأقسام والغرف. لم نرَ ضوء الشمس منذ ذلك اليوم وحتى يوم إطلاق سراحي.
أدخلوا إلى القسم عناصر وحدة "كيتر" (قوة الرد الأولي)، الذين جاء جميعهم ملثّمين. حتى أعينهم كانت مغطّاة بشبك. في ذلك اليوم أجروا العدد في داخل الغرفة، لأوّل مرّة. صرخ السجّانون بنا أن نركع متّجهين نحو الحائط ورؤوسنا في الأرض (كما في السّجود) وأيدينا فوق رؤوسنا. صرخ علينا عناصر الوحدة وشتمونا: "أبناء زانيات"، "أبناء شرموطة"، "داعش"، وكانوا أيضاً يُسمعون أصوات حيوانات، مثل مُواء القطط.
ملأنا ماءً في أكياس قمامة بعد أن نظّفناها. كنّا نشرب من هذه المياه ونستخدمها في تنظيف المرحاض
بعد العدد غادروا، ولم نحصل على طعام طيلة ذلك اليوم. بعد مضيّ 24 ساعة جلبوا لنا وجبة واحدة: لكل أسير قطعة سجق مسلوقة، علبة جبنة بيضاء صغيرة وقليل من الخُبز.
قطعوا الماء عن الغرف، وقطعوا الكهرباء ما عدا ساعة واحدة في اليوم. كانت لدينا زجاجة ماء واحدة للأسرى السّبعة، وكنّا نملأها لكي نشرب عندما ينقطع الماء. هذه الزجاجة لم تكن لتكفينا جميعاً، لذلك ملأنا ماءً في أكياس قمامة بعد أن نظّفناها. كنّا نشرب من هذه المياه ونستخدمها في تنظيف المرحاض. بسبب نقص المياه كنّا نتجنّب قدر الإمكان الدّخول إلى المرحاض، ممّا سبّب لبعض الأسرى أوجاعاً في البطن.
لكي يمنعونا من النوم كان السجّانون يُسمعون طوال اللّيل وعبر مكبّرات الصّوت صُراخاً وموسيقى صاخبة، كما كانوا يخبّطون على أبواب الزنازين. كانوا يبصقون علينا عبر كوّات الأبواب ويشتموننا: "أيّها الكلاب"، "يا أبناء الزّانيات" وغير ذلك. كنّا معزولين تماماً ولا نعرف ماذا يجري في الخارج، وما من أحد منّا يستطيع التكلّم معهم. كانوا يهدّدونا كلّ الوقت باستدعاء عناصر وحدة "كيتر" لكي يضربونا. إضافة إلى ذلك، رسم السجّانون وكتبوا عبارات مُهينة على حيطان غرفة اعتقالنا.
في صباح يوم 15.10.23، بعد أن انتهى العدّ، جاء عناصر من وحدتيّ "يماز" و"كيتر" ملثّمين ومسلّحين بسلاح ناريّ وهراوات، ومعهُم كلاب. ضربونا وأمرونا أن ننحني ونخرج من الغرفة واحداً تلو الآخر سيراً إلى الخلف، ثمّ نمشي في الممرّ بطوله ونحن في هذه الوضعيّة. في أثناء ذلك كانوا يقفون عند الباب يركلون ويضربون بهراواتهم كلّ أسير يخرج من الغرفة. عندما حان دوري لأخرج ركل أحد العناصر وجهي وأنا منحنٍ، ثمّ انقضّ عليّ كلب وهاجمني برجليه الأماميّتين ورأسه - كان فمُه مربوطاً برسن. اقتادني اثنان من عناصر الوحدتين طوال الطريق فيما كان أحدهما يضغط رأسي إلى أسفل والثاني يركلني.
أخذوني إلى غرفة فيها معتقلون من قبْل فصار مُجمل عددنا نحو 20 أسيراً. كنّا جميعًا هدفاً لضرباتهم: ركْل، لكمْ، أو ضرْب بالهراوة. أصيب بعض الأسرى بجُروح وسال دمُهم. أبقونا هناك مدّة سبع ساعات أمضيناها نئنّ ونتأوّه من شدّة الألم. بعد ذلك أعادونا إلى غرف اعتقالنا بالطريقة نفسها. عندما دخلنا إلى الغرفة وجدنا أنّها خالية من أيّ شيء سوى الأسرّة الحديديّة وفرشات رقيقة وبطّانيّة واحدة رقيقة لكلّ واحد منّا. فقد صادروا بقيّة الأغراض، بما في ذلك ملابسنا الشخصيّة وأحذيتنا. بقينا فقط بالملابس التي كنّا نرتديها. أزالوا أيضاً الزجاج من النوافذ وصادروا الأجهزة الكهربائيّة وجميع الموادّ الغذائيّة التي كنّا قد اشتريناها من "الكانتينة". السجّانون الذين سادت بيننا وبينهم من قبل علاقات احترام متبادَل صاروا، كلما دخلوا إلى الغرفة، يأمروننا بأن نركع، يشتموننا ويهينوننا.
في اليوم التالي، 16.10.23، اقتحم عناصر وحدة "كيتر" الغرف التي يُسجن فيها أسرى من حركة حماس. سمعنا الأسرى يصرخون ويبكون لشدّة ما ضربوهم. كان الوضع مُرعباً. لقد أمضيت في السّجن 13 عاماً قبل ذلك اليوم ولم أشهد شيئاً كهذا. رأينا السجّانين يخرجون من الغرفة ومعهم أسير يسيل الدّم من وجهه، وسمعناهم يقولون له "نحن نريد أن تموت". لم نعرف إلى أين أخذوه.
كانوا يُجرون العدد ثلاث مرّات في اليوم، والسّجانون يشتموننا: "أبناء شرموطات"، "داعش"، "أبناء زانيات"، إلخ. كذلك أبلغتنا إدارة السّجن بأنّ صلاة الجماعة وتلاوة الأدعية والأذان أصبحت، كلها، ممنوعة.
أحد الاعتداءات التي تعرّضتُ لها كان في 22.10.23. في ذلك اليوم كان يُفترض أن تعقد المحكمة جلسة للنظر في استئنافي على أمر الاعتقال الإداريّ الذي صدر بحقّي. أخرجوني من الغرفة، قيّدوا يديّ خلف ظهري بأصفاد معدنيّة وقيّدوا رجليّ أيضاً. ثمّ اقتادوني محنيّ الظهر ورأسي يكاد يطأ الأرض ويداي مرفوعتان إلى أعلى، فيما اثنان من عناصر الوحدة يُمسكنني من يديّ ويسيران بي بسُرعة.
أدخلوني مع سبعة أسرى آخرين إلى غرفة انتظار مكشوفة - هي عبارة عن قفص مشبّك مساحته 4*3م. أجبرونا على الرّكوع داخل القفص مدّة أربع ساعات وأيدينا مكبّلة خلف الظهر بأصفاد معدنيّة. كان السجّانون كلّما مرّوا يشتموننا: "أبناء شرموطات"، "أبناء زانيات"، "كلاب"، وغير ذلك.
من هناك اقتادونا، كل واحد بمفرده وحسب دوره، إلى غرفة كنا نشاهد فيها مداولات المحكمة عبر تطبيق "زوم". في الطريق إلى هناك كان عناصر "كيتر" يوجّهون إلى صدري لكمات قويّة جدّاً. كان في داخل الغرفة سجّان يتحدّث العربيّة، وسمع كلّ المحادثة التي دارت بيني وبين القاضي والمحامي – وقد هدّدني قائلاً إنّني سأدفع الثمن إذا اشتكيت أمام القاضي. قبل بدء الجلسة قال لي المحامي إنّ القضاة يعرفون كلّ ما يجري داخل السّجن ولا داعي للتحدّث عن ذلك. مع ذلك، خلال الجلسة سألني المحامي: "هل تعرّضتم للعُنف في السّجن؟"؛ فلم أجرؤ على الردّ لأنّني خفت أن ينتقم منّي السجّانون ويضربوني بمزيد من القسوة.
فقدت الإحساس بيديّ وأحسست بثقل شديد في رأسي ولم تعدْ رجلاي قادرتين بعد على حمل جسمي
أعادوني إلى غرفة الانتظار وأمروني أن أركع بالوضعية نفسها. في هذه المرّة انتظرت مدّة ساعة تقريباً. فقدت الإحساس بيديّ وأحسست بثقل شديد في رأسي ولم تعدْ رجلاي قادرتين بعد على حمل جسمي. لم أجرؤ أن أطلب ماءً لأشرب أو أن أذهب إلى المرحاض لأنّني خفت أن يضربوني.
عندما اقتادونا ليعيدونا إلى غرفة الاعتقال، كانوا يركلوننا ويشتموننا: "كلاب"، "أبناء زانيات"، إلخ. عندما وصلت إلى الغرفة كانت يداي متورّمتين وتؤلمانني بسبب الأصفاد الحديديّة. بعد ذلك حصل عندي التهاب في الجلد في منطقة الرّسغ وصار لونها أزرق لكثرة ما شدّوا القيد على يديّ.
في 9.11.23، نحو السّاعة 14:00، جاءت قوّة من وحدتي "كيتر" و-"يماز" تعدّ 20 عنصراً كلّهم ملثّمون ومعهم كلاب. لحظة أن فتحوا باب الغرفة انقضّوا علينا يضربوننا بالهراوات. أمسكني اثنان منهم وراحا يضربانني بالهراوات على ظهري. أمسك أحد العنصرين برأسي وأنا مبطوح على الأرض وضرب وجهي بالهراوة. أخذ الدّم ينزف من عيني اليُمني ووجهي. قلت لهم بالعبريّة "إنّني أموت! "، فردّ أحدهما إنّه يريدني أن أموت وأمرني آخرون أن أخرس وأغلق فمي.
بعد أن ضربوني مدّة 10 دقائق قيّدوا يديّ خلف ظهري بأصفاد بلاستيكيّة وبالغوا في شدّها حتى أحسستُ أنّهم يقطعون يدي. واستمر الضرْب بينما كان أفراد من القوّة يدوسون صدري ورأسي. كان في الغرفة ضابطان والعناصر يضربوننا وفقاً لتعليمات يوجّهها لهُم أحد الضابطين. هذا كلّه وأفراد القوّة يتضاحكون. أخذوا بعض ملابس الأسرى من الغرفة. جرّوا بعضنا على الأرض وأجبروا آخرين أعلى تقبيل حذاء أحد الضابطين.
سمعت الضابط يقول بالعبرية لبقيّة أفراد القوّة: "نحن في بث مباشر مع بن جفير"
رأيتُهم يُمسكون بعض الأسرى من الخصيتين والأسرى يصرخون ويبكون بأعلى الصّوت. كان أفراد القوّة يضغطون بالهراوات على الأعضاء الجنسية لدى بعض الأسرى. ولم تتوقّف الشتائم: "أبناء شرموطات"، "أبناء زانيات"، "كلاب"، "داعش". وكان بعض أفراد القوّة يصوّرون ما يجري بواسطة هواتفهم النقالة وبواسطة كاميرات. سمعت الضابط يقول بالعبرية لبقيّة أفراد القوّة: "نحن في بث مباشر مع بن جفير".
استمرّ هذا الهُجوم علينا وقتاً طويلاً، أكثر من نصف ساعة من الضرب المستمرّ. كان انطباعي أنّهم يُريدون أن يُلحقوا بنا أكبر قدْر ممكن من الأضرار. عندما توقّفوا عن ضربنا أحسستُ أنّني على وشك الإغماء. بعد ذلك بقينا مرميّين على الأرض طوال ساعات. لم يكن أيّ منّا قادراً على الحركة، ولا حتى الدُخول المرحاض. كنّا جميعًا نعاني من دُوار وفقدان توازُن. انتفخت عيني اليُمنى وخفت أن أفقد قدرتي على الرؤية بها. كنّا في حالة صعبة جدّاً. حدّثنا أحد الأسرى وهو يبكي أنّهم اغتصبوه بواسطة عصا.
بعد هذا الهُجوم عشنا في حالة خوف دائم. كنّا كذلك مصدومين لسماع صُراخ الأسرى الآخرين في الغرف الأخرى وهُم يتعرّضون للضرب. كنّا خائفين طوال الوقت، ليلاً ونهاراً، من أن يُهاجمنا عناصر القوة مرّة أخرى.
انخفض مستوى العُنف بعد 19.11.23. في البداية لم نعرف لماذا خفّوا عنّا فجأة. فقط بعد مضيّ أسبوع سمعت من أسرى آخرين في القسم أنّ أسيراً يُدعى ثائر أبو عصب توفي جرّاء الضرب.
لكن الطعام لم يتغيّر. كانوا يجلبون لنا في الصّباح قطعة من السجق وقليلًا من الجبنة البيضاء والخبز، نصف حبّة بندورة ونصف خيارة. الوجبة التالية كانت عبارة عن 5-6 ملاعق أرزّ منقوع في ماء ساخن وغير مطبوخ. كنّا نحتفظ بالوجبات كلّها لكي نتناولها دُفعة واحدة ونحسّ بالشبع، مرّة واحدة في اليوم على الأقل. عندما كنّا نقول للسجّانين إنّنا جائعون كان ردّهم "نحن نُطعمكم فقط بما يُبقيكم على قيد الحياة، ولو كان الأمر بيدنا لما قدّمنا لكُم حتى هذا".
لم تكن المياه السّاخنة متوفّرة فكنّا نستحم بالماء البارد، مرّة كلّ يومين - هذا إذا توفّرت المياه الجارية في الحمّام. بعد الحمّام كنّا نضطرّ إلى ارتداء الملابس المتّسخة نفسها. لم نحصل على صابون وموادّ تنظيف. في الغرفة التي كنت فيها أصيب أحد الأسرى بالجرَب ورفضت إدارة السّجن تقديم العلاج له. لم يجلبوا له دواءً إلا بعد مضيّ 15 يوماً وتفشّي المرض في كلّ أنحاء جسمه.
كلّ مرّة كانوا يقتادونني فيها إلى الغرفة التي نشارك فيها في جلسات المحكمة عبر تطبيق "زوم"، كان يتكرّر مسار التعذيب والضرب والإهانة. وقد تجرّع جميع الأسرى في السّجن مسلسل التعذيب نفسه في هذا المسار.
كلّ مرّة كانوا يقتادونني فيها إلى الغرفة التي نشارك فيها في جلسات المحكمة عبر تطبيق "زوم"، كان يتكرّر مسار التعذيب
استمرّ ذلك الكابوس ستّة أشهر لم نرَ خلالها ضوء الشمس ولم نغيّر ثيابنا. كثيرون منّا فقدوا الكثير من وزنهم جرّاء الجوع.
في 1.4.24 قيّدوا يديّ وعصبوا عينيّ وأخرجوني من الغرفة. اقتادوني وظهري منحنٍ إلى غرفة أخرى كان فيها من قبْل ستّة أسرى. أبقونا هناك مدّة 3 ساعات، في غرفة مغلقة تماماً دون نوافذ أو تهوية، مكبّلين بأصفاد معدنيّة. من هناك نقلونا إلى معتقل "أوهلي كيدار" قرب بئر السّبع. رافقنا في تلك الطريق عناصر من وحدة "نحشون" معهم كلاب كانت تتفلّت علينا وأفراد الوحدة يتشموننا ("داعش"، "كلاب") ويتهكّمون علينا. وكانوا يركلونني أيضاً. أنزلونا في "أوهلي كيدار" وأخذوا يضربوننا في مكان لا ترصده الكاميرات. لكموني في مختلف أنحاء جسمي ثمّ أجلسوني على الأرض ثم قام أحد السجّانين بالدوس بنعليه والضغط بشدّة على الأصفاد المعدنيّة التي كانت على يديّ فرُحت أصرخ بأعلى الصّوت من شدّة الألم.
من هناك أخذونا إلى سجن الرملة. وصلنا إلى السّجن نحو السّاعة 21:00. واصل أفراد الوحدة ضربنا وشتمنا دون توقّف. بتنا تلك اللّيلة هناك دون تناول أي طعام، إذ أنهم لم يقدّموا لنا أيّ طعام طوال ذلك اليوم.
في صباح اليوم التالي نقلونا إلى سجن "عوفر" وهناك انهال علينا سجّانون ملثّمون ضرباً وركلاً. أحد الأسرى أغمي عليه ووقع أرضاً لكثرة الضرب والتعب والجوع. وسال الدّم من رأس أسير آخر بعد أن ضربوه بأداة حادّة.
في "عوفر" أجرى "الشاباك" معي تحقيقًا مطوّلاً. تعجّب المحقّق من منظري وحالتي - كانت عيناي منتفختين وحالتي الجسديّة متردّية. كنت مُنهكاً للغاية. أبلغني المحقق بأنّهم لن يمدّدوا اعتقالي الإداريّ وعرضَ عليّ أن أعمل مُخبراً لدى "الشاباك". وحين رفضت، هدّدني وطلب مني أن أبقى هادئاً وأن لا أكون ناشطًا على شبكات التواصُل الاجتماعيّ.
من هناك أعادوني مباشرة إلى سجن النقب، ومجدّداً ضربونا وأهانونا طوال الطريق. أبقوني حتى 4.4.24. في ذلك اليوم جاء عناصر من وحدة "كيتر"، كبّلوا يديّ خلف ظهري واقتادوني محنيّاً ومقيّداً إلى قفص، مع سبعة أسرى آخرين. وهناك أيضاً ضربونا وانتفخت عيناي جرّاء الضرب. احتجزونا داخل القفص مدّة 6 ساعات. كنت جائعاً وأحسست بألم وتنميل وشعرت بأنّني على وشك الإغماء.
بعد ذلك اقتادنا أفراد وحدة "نحشون" إلى حافلة وظلّوا يضربوننا جميعاً ويشتموننا ويهينوننا. أقلّتنا الحافلة إلى حاجز "ميتار"، جنوب بلدة الظاهريّة في محافظة الخليل، وهناك أطلقوا سراحنا. لم يكن أحد في انتظاري إذ لم يكن أحد يعلم أنّه سيتمّ إطلاق سراحي.
سافرت من الحاجز إلى بيت لحم وهناك التقيت عائلتي، في منطقة النشاش، عند مدخل المدينة. رأيت أولادي، لكنّهم كانوا مصدومين ويبكون لرؤيتي، بسبب حالتي. فقدتُ من وزني 22 كغم. بعد الذي مررتُ به أشعر بالذعر كلّما سمعت أنّ الجيش مُتواجد في المنطقة. أولادي ينامون ملتصقين بي، لأنّهم يخشون أن يحدث لي مكروه.
- سجّل الإفادة باحث بتسيلم الميدانيّ باسل العدرا في 24.4.24