ثائر حلاحلة (45 عامًا)، أب لأربعة، من سكّان خاراس في محافظة الخليل

  

بتسيلم-18/4/2024

أنا أقيم في بلدة خاراس الواقعة غرب مدينة الخليل مع زوجتي وأولادنا الأربعة. اعتُقلت في 6.6.22. في الماضي سبق أن أمضيت 16 سنة في السّجون الإسرائيليّة، عشر سنوات منها كانت أحكام اعتقال إداريّ دون توجيه تُهمة ودون مُحاكمة. أعاني من مرض التهاب الكبد الفيروسيّ جرّاء عدوى أصابتني خلال سنوات سجني السابقة.

بعد اعتقالي احتُجزت لمدّة أسبوعين في سجن "عوفر"، ثمّ نقلوني إلى سجن النقب ("كتسيعوت") وبقيت هناك حتى حزيران 2023، ثمّ نقلوني إلى سجن "نفحة".

في 7 أكتوبر كنت في سجن "نفحة"، في الزنزانة رقم 3 في القسم 4، مع ثمانية أسرى آخرين. منذ لحظة إعلان الحرب تحوّل السّجن إلى منشأة تعذيب. أغلق السجّانون أبواب الزنازين ومنعونا من مُغادرتها. صادروا كلّ ما لدينا من أغراض: جهاز التلفزيون، بلاطة التسخين، إبريق الماء الكهربائيّ وجميع الأجهزة الكهربائيّة التي كانت في الزنزانة، إضافة إلى مصادرة ملابسنا وأحذيتنا. أبقوا لكلّ أسير طقم ملابس واحدًا، حذاءً واحدًا، بطّانيّة، فرشة، قنّينة "شامبو" وفرشاة أسنان.

أزال السجّانون أبواب الحمّامات وحرمونا من أيّة خُصوصيّة

تغيّرت أيضًا طريقة العدد في الماضي كان الأمر بسيطًا: الأسرى يقفون في الزنزانة أثناء العدد. بعد 7 أكتوبر رسم السجّانون خطًّا عند مدخل الزنزانة وحظروا الاقتراب منه، وعندما كانوا يعدّوننا كان علينا أن نسجد وأيدينا فوق رؤوسنا.

منعوا عنّا الأدوية، فلم أحصل على أدوية علاج الكبد. أدخلوا إلى زنزانتنا أربعة أسرى إضافيّين فصار عددنا تسعة. أربعة منّا كانوا ينامون على الأرض. خصّصوا لجميع الأسرى الذين في الزنزانة 15 دقيقة في الأسبوع للاستحمام، فكنّا نستحمّ بالتناوُب، مرّةً كلّ أسبوعين لكلّ أسير. كذلك أزال السجّانون أبواب الحمّامات وحرمونا من أيّة خُصوصيّة. بعد الحمّام كان علينا أن نرتدي ملابسنا المتّسخة نفسها، ما أدّى مع مُرور الوقت إلى انتشار العدوى الفطريّة بين الأسرى. كان في زنزانتنا أسير من بلدة تلّ في محافظة نابلس أصيب بالجرَب، وحتى في حالته هذه منعوا عنه العلاج.

أخذوا يتفنّنون في ضربنا وتعذيبنا بشتّى الطرق. جلبوا من سجن "عوفر" إلى زنزانتنا أسيرًا من الخليل وكان وجهه متورّمًا. أدخله السجّانون إلى الزنزانة بطريقة مُهينة. جرّوه من ملابسه وألقوا به أرضًا. حدّثني أنّ السجّانين كانوا قد ركلوه على وجهه من قبل.

في ذلك اليوم انفجرت ماسورة المجاري المارّة من زنزانتنا – هكذا فجأة. المياه الملوّثة بلّلتنا جميعًا – ملابسنا وفرشاتنا وأرضيّة الغرفة. انتشرت في الغرفة رائحة كريهة جدًّا. أخذنا ننظّف الغرفة وأبلغنا السجّانين بما جرى. بعد أن نظّفنا الزنزانة وتمّ إصلاح العطب، ادّعى السجّانون أنّنا نحن الذين تسبّبنا بهذه الأضرار، وقالوا إنّه سيجري نقلنا إلى الزنازين الصغيرة عقابًا لنا.

دخل السجّانون إلى الزنزانة وأمرونا بأن نستدير ثمّ كبّلوا أيدينا إلى الخلف. كلّ أسير اقتاده سجّانان، واحد يُمسك بيديه من الخلف والثاني يُمسك برأسه ويدفعه إلى أسفل. اقتادونا بهذه الطريقة مسافة نحو 300 متر وهُم يركلوننا ويلكموننا ويشتموننا طوال الطريق.

نظّفت كيس قمامة (من النايلون) وصرت حين تتوفّر المياه أملأه لكي نستطيع أن نشرب ونتوضّأ قبل الصّلاة في أوقات حرماننا من الماء الجاري

أدخلوني مع أربعة أسرى آخرين إلى زنزانة تتّسع لاثنين فقط. هي زنزانة ضيّقة جدًّا وفيها مرحاض صغير. كانت خالية من أيّ فراش ونافذتها مُشرعة، بدون درْفات زجاج. كان البرد شديدًا خاصّة في اللّيل، لأنّنا في منطقة صحراويّة. المياه الجارية كانت تتوفّر مدّة رُبع ساعة في اليوم، ليس في وقت محدّد وإنّما متى شاءت أهواء السجّان المسؤول. نظّفت كيس قمامة (من النايلون) وصرت حين تتوفّر المياه أملأه لكي نستطيع أن نشرب ونتوضّأ قبل الصّلاة في أوقات حرماننا من الماء الجاري. كان طعم الماء سيّئًا، لكن كنّا مضطرّين أن نشربه. كانوا يجلبون لنا في كلّ ليلة، في ساعة متأخرة، فرشة وبطّانيّة لكلّ أسير، ويأخذونها مجدّدًا في الصباح الباكر. لم تكن لدينا موادّ تنظيف أو ورق تواليت في المرحاض. طوال الفترة التي أمضيناها هناك لم نستحمّ. كانوا يجرون تفتيشًا كلّ يوم. بالنسبة للطعام، كنّا نحصل على ثلاث وجبات في اليوم، ولكن كميّات الطعام لم تكن كافية حتى لشخص واحد. عانيت من دُوار ووهَن كلّ اليوم، وأيضًا كنت خائفًا جدًّا من انتكاسة صحّيّة لأنّني لم أحصل على أدويتي. أحسست بأنّ شبح الموت يخيّم في الزنزانة طوال الوقت. كان في الزنزانة حشرات كثيرة بسبب المرحاض والأوساخ، تلسعنا طوال الوقت وتسبّب لنا بثورًا وحكّة وقُروحًا في الجلد. بعد تسعة أيّام أعادونا إلى الزنزانة التي كنّا فيها.

في 31.12.23، نحو السّاعة 6:00 صباحًا، حين كنّا نيامًا في الزنزانة، اقتحمها فجأة عناصر من وحدة "متسادا" ومعهم كلب. كنّا آنذاك 12 أسيرًا داخل الزنزانة وأربعة منّا ينامون على الأرض. كبّل العناصر أيدينا إلى الخلف بأصفاد معدنيّة، ثمّ أخذوا يفتّشون أجسادنا بطريقة دقيقة جدًّا. أجبرونا أن نخلع ثيابنا واستخدموا في الفحص جهاز كشف معادن يدويًّا. بعد أن أنهوا التفتيش أخذونا إلى زنزانة أخرى. كلّ أسير تولّى نقله اثنان من العناصر، وكانوا طوال الطريق يركلوننا ويدفعون رؤوسنا إلى أسفل. عندما وصلنا إلى باب الزنزانة الجديدة كان في انتظارنا عنصران آخران من الوحدة نفسها. قام هذان بفكّ الأصفاد عن أيدينا ثمّ ضربانا وألقيا بنا بقوّة إلى داخل الزنزانة. من قبل كان في الزنزانة 13 أسيرًا، وهكذا أصبح مجموعُنا 25 شخصًا. في اليوم نفسه تأخّروا في جلب الطعام حتى السّاعة 14:00، ثمّ نقلونا إلى زنزانة خالية لم يكن فيها شيء سوى أسرّة من حديد. بعد أن مكثنا فيها ساعة جاء سجّانون وقالوا لنا إنّهم وجدوا في زنزانتنا جهاز راديو وبطّارية، وعقابًا على ذلك سوف يسوقوننا إلى الزنزانة الضيّقة، لكنّهم لم يفعلوا ذلك في نهاية الأمر. جلبوا لكلّ أسير فرشة وبطّانية رفيعة وبقينا في هذه الزنزانة طيلة شهرين. خلال هذين الشهرين كان السجّانون يشتموننا طوال الوقت. لم تتوفّر إنارة بتاتًا في هذه الزنزانة، لا في النّهار ولا في اللّيل.

طوال الأشهُر الستّة التي أمضيتُها في السّجن خلال فترة الحرب كنّا معزولين تمامًا عن العالم، ولم يكن هناك أيّ اتّصال مع عائلاتنا. اشتقت جدًّا لأولادي وزوجتي، وقلقت عليهم كثيرًا بسبب الحرب. ولم يكن لي أيّ اتّصال مع محامين.

طوال هذه الفترة منعونا أيضًا من الخروج إلى السّاحة (الفورة)، بعكس ما كان سابقًا. طيلة 191 يومًا لم أرَ ضوء الشمس

خلال هذه الفترة أيضًا فقدت من وزني 35 كغم، بسبب الحرمان من الطعام والنوعيّة الرديئة لما توفّر منه. أذكر أنّ الأرزّ الذي كان يجلبه لنا السجّانون بدا منقوعًا بالماء السّاخن دون أن يُطبخ. مع ذلك اضطُررنا أن نأكله، وعلى كلّ حال كانت حصّة الواحد منّا ملعقة واحدة أو اثنتين في كلّ وجبة. كان ذلك تغييرًا كبيرًا، لأنّنا كنّا قبل الحرب نطبخ طعامنا بأنفسنا وبكميّات قدْرَ ما شئنا. طوال هذه الفترة منعونا أيضًا من الخروج إلى السّاحة (الفورة)، بعكس ما كان سابقًا. طيلة 191 يومًا لم أرَ ضوء الشمس. مُنعنا من حلق شعرنا، والصّلاة جماعة مُنعت منعًا باتًّا. في 10.4.24 حلّ عيد الفطر، ومنعونا حتى من أداء صلاة العيد.

جميع هذه الظروف استمرّت حتى يوم إطلاق سراحي. في 15.4.24، عند السّاعة 10:00 صباحًا، جاء سجّان وقال لي إنّه سيتمّ نقلي إلى سجن آخر. لم أعرف بتاتًا أنّه سيُطلق سراحي. أخرجوني من القسم مع أربعة أسرى آخرين وأيدينا جميعًا مقيّدة. أحنوا رؤوسنا إلى أسفل واقتادونا بصورة مُهينة مسافة نحو 400 متر، إلى الزنازين الصغيرة القريبة من مدخل السّجن. طوال الطريق كان السجّانون يضربوننا على ظهورنا ويشتموننا ويهينوننا. أدخلونا إلى غرفة انتظار صغيرة جدًّا وفارغة. كان عددنا 13 أسيرًا، فجلسنا محشورين فيها ساعات طويلة. بعد ذلك صار السجّانون يأخذوننا كُلًّا على حِدة إلى مكتب نائب المدير. فتّشونا جميعًا عُراة وبطريقة مُهينة، ثمّ جاء عناصر من وحدة "نحشون" المسؤولة عن نقل الأسرى.

كلّما حاولت الابتعاد عن الكلب ركل السجّان رجلَيّ بقوّة، وأمسك سجّان آخر بخصيتَي ثمّ دفعني إلى الأمام بقوّة وهو يشتمني

أمرونا أن نركع قرب الحائط ورؤوسنا محنيّة وأيدينا إلى الوراء، وكانت لا تزال مكبّلة. كانت الأصفاد على يديّ مشدودة جدًّا وقد آلمتني. بعد ذلك اقتادونا إلى الحافلة. في الطريق دفعني أحد السجّانين بقوّة فارتطمت بالأسير الذي كان أمامي. لم أستطع أن أقول له شيئًا لأنّهم منعونا من التحدّث مع بعضنا البعض. كان كلّ واحد من عناصر الوحدة يُمسك بأسير، وعُنصر آخر يُمسك بكلب ويُفلته ليهاجمنا. كان للكلب رسن معدنيّ والسجّان يُرخي قشاطه كلّ مرّة ثمّ يعود ويشدّه. كان الأمر مخيفًا جدًّا. كلّما حاولت الابتعاد عن الكلب ركل السجّان رجلَيّ بقوّة، وأمسك سجّان آخر بخصيتَي ثمّ دفعني إلى الأمام بقوّة وهو يشتمني. غضبت جدًّا وشعرت بمَهانة شديدة أمام بقيّة الأسرى.

أقلّتنا الحافلة إلى معبر "ميتار"، جنوب الخليل، وهناك أخلوا سبيلنا. ما زلت أشعر بوهن شديد وبمحدوديّة في الحركة. كما أنّني لا أقدر على تناوُل الطعام مثل أيّ إنسان طبيعيّ.

- سجّل الإفادة باحث بتسيلم الميدانيّ باسل العدرا، في 18.4.24