أ.أ.، طالبة فلسطينية ـ إسرائيلية، في العشرينات من عمرها

  

بتسيلم - 19/6/2024

في تاريخ 9.10.23 وصلتني رسالة تُبلغني بإيقاف دراستي في الجامعة، دون أن يصلني قبل ذلك أيّ إنذار. إضافة إلى ذلك فقد أوقف عن الدّراسة ثمانية طلبة آخرين فلسطينيين من مواطني إسرائيل. جميعُنا أبعدنا عن مقاعد الدراسة بسبب منشورات على شبكات التواصُل الاجتماعيّ.

بدأ عناصر الشرطة بإهانتي، بالصراخ عليّ بأنني داعمة للإرهاب والاستهزاء بمنظري

توجّهت إلى مركز "عدالة" ورافقني محامٍ من طرفهم في جلسة الاستماع التي استدعتني إليها الجامعة مع الطلبة الآخرين. خلال جلسة الاستماع عرضت اللّجنة أمامنا صور دمار وقتلى من الهجوم على غلاف غزّة في 7 أكتوبر 2023. لم أفهم لماذا يعرضون لنا هذه المَشاهد.

كان ممثّلو الجامعة ومحاموها الذين حضروا جلسة الاستماع عدائيّين جدّاً. أحسست وكأنّنا في تحقيق لدى "الشاباك"، وبدا كأنّهم يُريدون معاقبتنا لمجرّد أنّنا فلسطينيّون.

لم يتغيّر شيء بعد جلسة الاستماع وبقي الإبعاد سارياً. في 12.11.23 هاتفني والدي وقال إنّ ممثلين عن السّلطات جاءوا إلى منزلنا وسلّموه استدعاءً للتحقيق معي. رفض والدي أن يُبلغهم بعنواني، وتمكّن من إقناعهم أنّه لا داعي أن يأتوا لجلبي وتعهّد أن يُرافقني إلى محطّة الشرطة.

في اليوم نفسه، عند السّاعة 18:00، ذهبت مع والدي إلى محطّة الشرطة. انتظرني هو في الخارج، وحين دخلت سلّموني فوراً مذكّرة اعتقال. منذ لحظة دخولي، بدأ عناصر الشرطة بإهانتي، بالصراخ عليّ بأنني داعمة للإرهاب والاستهزاء بمنظري. أخذوا منّي جميع أغراضي بما في ذلك الهاتف وربّاط حذائي. بعد ذلك كبّلوا يديّ إلى الأمام بأصفاد معدنيّة.

ما فهمته من مذكّرة الاعتقال هو أنّني متّهمة بالتعاطُف مع منظمات إرهاب وبدعم الإرهاب. طالبتهم أن يسمحوا لي بالتحدّث مع محاميّ وسمحوا بذلك. طمأنني المحامي وأوضح لي أنّه من حقي التمسّك بحقّ الصّمت ورفض الإجابة على الأسئلة.

بعد ذلك أدخلوني ويداي مكبّلتان إلى غرفة فيها كثير من الضبّاط وعناصر الشرطة رجالاً ونساء. كانوا جالسين يدخّنون. اقترب منّي واحد منهم وقرّب هاتفه إلى وجهي وصوّرني. عندما قلت له "لا يحقّ لك أن تصوّرني" أجابني قائلاً: "سوف أخرج الآن وأقول لوالدك إنّك غير مهذّبة". جميعهم تهكّموا عليّ وراحوا يتهامسون ويتضاحكون.

لم أتوقّع أن يفعلوا بي شيئاً كهذا - تفتيشي وأنا عارية تماماً وطالبوني بأن أركع وأنا عارية كي يستطيعوا التأكد من أنني لا أخفي شيئاً

احتجزوني في هذه الغرفة مدّة نصف ساعة ثمّ اقتادوني للتحقيق. أبقى المحقّق الباب مفتوحاً. لم يضربوني ولم يصرخوا عليّ أو أيّ شيء من هذا القبيل. طالبت أن يجري التحقيق باللّغة العربيّة وهذا ما تمّ فعلاً إذ كان أحد المحقّقين يتحدّث العربيّة. خلال التحقيق فهمت أنّني الشبهات تتعلّق بصورة نشرتها على "إنستغرام"، وهي التي بسببها أبعدت عن الدراسة في الجامعة. أنكرت جميع الادّعاءات الموجّهة ضدّي.

بعد التحقيق جاءت شرطيّة وأجرت عليّ تفتيشاً جسديّا بواسطة كاشف معادن يدويّ. أمرتني أن أنزع قرطيّ ولم أتمكّن من نزعها لأنّهما في أذنيّ منذ سنين. حاولت الشرطيّة أن تنزعهما بواسطة مفكّ فخفت أن تجرحني. قالت لي "لا تخافي" وحاولتْ أن تنزعهما لكنّها لم تنجح في ذلك. عندها، كبّلت رجليّ أيضاً، بواسطة أصفاد معدنيّة.

ثمّ اقتادوني إلى مركبة سارت بنا - لم يقولوا لي إلى أين. ولكن حين وصلنا رأيت لافتة كُتب عليها "سجن الشارون". سألت كم السّاعة، لأن كل شيء كان مشوشّاً ولم أكن قادرة على مواكبة الزمن، فأجابوا إنّها تقريباً 23:00.

كنت مذعورة ومتوتّرة. استقبلني سجّان وسجّانة، وكانت معهم أيضاً الشرطيّة التي رافقتني من محطة الشرطة. كانوا طوال الوقت يتهكّمون عليّ ويسخرون منّي بسبب صورة كانت بحوزتهم في الحاسوب وكنت أرتدي فيها الحجاب. كانوا يدفعونني طوال الطريق لأنّني كنت أمشي ببُطء بسبب أن حذائي بدون ربّاط، بعد أن أخذوه، وخشيت أن يفلت منّي الحذاء فلا يسمحون لي بارتدائه ثانية.

أسوأ ما في الأمر كان التفتيش العاري. لم أتوقّع أن يفعلوا بي شيئاً كهذا - تفتيشي وأنا عارية تماماً وطالبوني بأن أركع وأنا عارية كي يستطيعوا التأكد من أنني لا أخفي شيئاً. كان هذا مهينًا جدًا. طلبت من السجّانة والشرطيّة أن تسمحا لي بأن أقرفص لكي أتمكن من ستر بعض من جسدي. كانت السجّانة تتهكّم على ثيابي وعلى شكل جسمي وشعر جسدي. جعلتني أحسّ بأنّها تشعر بالقرف مني. وكأنّني مُصابة بوباء. أمسكَتْ بثيابي ورمت بها على الأرض ثمّ داستها بحذائها.

بعد ذلك حاولوا نزع قرطيّ مجدّداً. عدّة مرّات قالت لي الشرطيّة "سوف أنزع أذنيك". آلموني كثيراً، وعندما لم يتمكّنوا من نزع القرطين سألت السجّان الذي كان ينتظر في الخارج "ماذا سنفعل مع القرطين؟" فأجابها "ليس هنالك ما يمكن فعله". في أثناء التفتيش كانت الشرطيّة تغنّي "شعب إسرائيل حيّ" وأمرتني بأن أردّد وراءها. عندما رفضت، دفعتني عدّة مرّات.

اقتادوني إلى غرفة المُسعف. سألني "كيف حالك؟" فبكيت وسالت دُموعي. حتى ذلك الحين كنت أحاول أن أبدو قويّة، ولكني كنت مذعورة. قلت له "جسديّاً، أنا بخير ولكن نفسيّاً لستُ بخير". سألني إن كنت أعاني من أيّة أمراض أو أتناول أدوية فأجبته بالنفي.

قلن لي مثلاً إنّ السجّانات سوف يضربنني إذا وجّهن إليّ أسئلة ولم تعجبهنّ أجوبتي، أو إذا صمتّ ولم أجبهنّ لأنّهنّ يعتبرن ذلك تحدّياً لهنّ

فكّرت بوالدي. هل ما زال ينتظرني خارج محطة الشرطة أم أنّه علم بأمر اعتقالي وأنّني لست في حيفا وإنّما في سجن خارج المدينة. كان كلّ شيء مُزعجاً ومُهيناً ومُذلّاً. فعلوا كلّ شيء بالطريقة الأكثر إمعانًا بالإهانة.

اقتادوني إلى الزنزانة وأعطوني فرشة وبطانيّة لكي آخذها معي إلى هناك. كانت الفرشة غير صالحة للاستعمال، لأنّ حشوتها كانت متكتّلة ومفتّتة. البطّانيّة كانت رطبة كلّها. حين قلت للسجّانة "هذه رطبة"، قالت لي "هذا الموجود".

عندما وصلت إلى الزنزانة كانت الأسيرات الأخريات قد غفون. كان هناك أربعة أسرّة بينما ثلاث أسيرات ينمن على الأرض. كانت إحداهنّ قد وصلت قبلي بقليل ولم تغفُ بعد. اتّضح لاحقاً أنّها طالبة من جامعتي نفسها، ولكن لا أعرفها من قبل.

تقاسمت معي فرشتها وبطّانيّتها، وكانت الفرشة صغيرة ورقيقة وكذلك البطّانيّة. بكيت كثيراً ولكن بهُدوء، لكي لا أوقظ الأسيرات الأخريات. شعرت بأنّني أختنق. في تلك الليلة، لم أستطع النوم. كان هناك سجان أضاء على وجوهنا بمصباح كل الوقت ومنعنا من النوم. وقد فعل ذلك أكثر من عشر مرات في تلك الليلة. عند الفجر استيقظت الأسيرات الأخريات وتعرّفنا على بعضنا البعض. كنّ من الضفة الغربيّة. شرحت لي الأسيرات روتين السّجن: يوميّاً يجري تفتيش الجسد عارياً داخل حمّام الزنزانة؛ عليّ أن أحذر إغضاب السجّانات لكي أتجنّب الضرْب. قلن لي مثلاً إنّ السجّانات سوف يضربنني إذا وجّهن إليّ أسئلة ولم تعجبهنّ أجوبتي، أو إذا صمتّ ولم أجبهنّ لأنّهنّ يعتبرن ذلك تحدّياً لهنّ. لم أصدّق - كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث؟ أين نحن؟ كان جزء من داخلي يُنكر ذلك ويرفض تصديق احتمال حدوثه. في الزنزانة كانت هنالك كاميرا كانت تلتقط كل شيء باستثناء في داخل المرحاض الذي كان له نصف باب فقط. كانت هنالك أسيرات محجبات اضطررن إلى النوم مع الحجاب لأن السجّانين كانوا يحضرون كل الوقت، وكذلك في ساعات الليل. المراحيض كانت قذرة جدًا ولم يكن فيها صابون أو منشفة. اضطررنا إلى شرب المياه من الحنفية أو من المغسلة.

بعد ذلك بقليل دخلت إلى الزنزانة ثلاث سجّانات، وعند باب الزنزانة وقف سجّان يُراقب. في تلك اللّحظة كنت أتحدّث مع إحدى الأسيرات وتبسّمتُ لها. لم يُعجب ذلك السجّانتين فسألتني إحداهُما بصراخ بالعبريّة "لماذا تضحكين؟". أجبتها بأن هكذا هو وجهي فغضبت ثمّ اقتادتني إلى الحمّام وأمرتني بأن أخلع ثيابي. سألتني من أين أنا ولماذا أنا هنا. قالت لي عدّة مرّات "أنت حماس". عندما لم تعجبها إجاباتي شدّتني من شعري وأمسكت فكّي وقالت إن لي إنني كثيرة الكلام ولوت رأسي وعنقي وهي تصرُخ عليّ، وقد دفعتني عدّة مرّات.

الإحساس بالمَهانة والمَذلّة كان أصعب عليّ بكثير من الألم الجسديّ. في ذلك الصّباح كنت أنا الضحيّة، وفي اليوم التالي اعتدت السجّانات بالطريقة نفسها على أسيرة أخرى، وفوق ذلك ألقوا بثيابها في المرحاض وضربوها هناك. فهمت أنّ السجّانات ينتقين كلّ يوم أثناء التفتيش أسيرة أخرى لمعاقبتها. وطبعاً كنّ يقمن في كلّ مرّة بتفتيش أجساد كلّ الأسيرات وهي عارية وبالطريقة نفسها.

الإحساس بالمَهانة والمَذلّة كان أصعب عليّ بكثير من الألم الجسديّ

عند الساعة 7:00 صباحاً كانوا يأخذون الفرشات والبطّانيّات، ويعيدونها في السّابعة مساءً. والحالة هذه، كنّا نضطرّ أن نُمضي النهار كلّه جالسات على حديد الأسرّة أو على الأرض. كانت الظروف قاسية جدّاً. لم يكن في الزنزانة أيّ شيء. عندما نفد ورق التواليت وطلبنا أن يجلبوا لنا فاستغرق الأمر أكثر من يوم حتى جلبوا لنا لفّة واحدة.

عندما دخلت إحدى الأسيرات في دورتها الشهريّة ولم تكن في الغرفة فوط صحيّة طرقت الباب عدّة مرّات حتى ردّ السجّان. طلبت منه أن يجلب فوطاً صحّية فقال لها إنّه سوف يفحص ما إذا كانت متوفّرة. لكنه لم يعد بالطبع ولم يجلب شيئاً. قرّرنا أن نطرق الباب كلّنا معاً إلى ان يستجيبوا، وهذا ما فعلناه. في اللّيل، عندما جاء السجّان وسأل "ماذا تُردن؟"، قلنا له إنّنا نريد فوطاً صحّية. غاب لفترة طويلة ثمّ عاد بفوطتين اثنتين فقط. وحدث لأسيرة أخرى، عندما جاءت دورتها الشهريّة، أن اضطرّت إلى تمزيق بطانة سترتها لكي تستخدم قماشها بدلاً عن الفوط الصحّية.

في ليلتى الثانية هناك أصيبت إحدى الأسيرات بحكّة في ذراعيها وانتشر طفح جلديّ على جسمها. كانت تحكّ ذراعيها باستمرار وبشدّة بحيث لم تستطع أيّ منّا أن تنام. طرقنا الباب ونادينا أن يسمحوا لها بالذهاب إلى غرفة المُسعف، وهي قريبة من زنزانتنا، لكن لم يستجب لنا أحد.

في تلك اللّيلة طرقنا الباب أيضاً لكي نطلب أن يجلبوا فوطاً صحّية لأسيرة أخرى حانت دورتها الشهريّة. أتت سجّانة ورمت بلفّة ورق التواليت التي كانت لدينا. قالت "لستنّ في فندق". في الصّباح، أثناء العدد والتفتيش، سألت السجّانات: "من التي طرقت الباب في اللّيل؟" فصمتنا جميعاً. أشار الحارس إلى الأسيرة التي طالبت بفوط صحّية فأخذنها إلى الحمّام وفتشنها عارية، سمعناها تصرخ ففهمنا أنهم يضربونها. من الواضح أن هذا كان عقابًا، إذ ما الذي كان يمكن أن يكون معها؟ وقد روت لنا لاحقًا أنهم شدّوها من شعرها ووضعوا ملابسها الداخلية في المرحاض.

خلال اليومين اللذين أمضيتهما في سجن الشارون لم نخرج إلى السّاحة ولم نستحمّ. كذلك لم أبدّل ثيابي لأنّه لم تكن معي ملابس بديلة. لم يوفّروا لنا أيّ شيء. الطعام كان سيّئاً. كانوا يجلبون لنا مربّى، جبنة بيضاء، شرائح خبز، والقليل من الخضار والبيض.

الأسيرات هناك معزولات تماماً عن العالم ولا يعرفن ماذا يجري في الخارج

عندما كنت هناك شاركت في جلسة محاكمتي عبر تطبيق "زوم". كان في الغرفة سجّانان اثنان يتحدّثان سويّة فلم أستطع سماع ما يُقال في قاعة المحكمة. طلبت منهما أن يخفضا صوتهما لكنهما لم يكترثا، بل نهض أحدهما وخفض صوت السمّاعة. قلت للمحامي بالإشارة أنّني لا أسمع شيئاً فاقترب من الكاميرا وتحدّث معي ببُطء وبالإشارة حتى فهمت أنّهم مدّدوا فترة اعتقالي لثلاثة أيّام إضافيّة، وأنّهم سوف ينقلونني إلى سجن الدّامون.

في صباح اليوم الثالث أتت سجّانة إلى الزنزانة في ساعة مُبكرة وقالت لي وللطالبة الثانية: "استعدّا. سيتمّ نقلكما". لم أفهم عن أيّ استعدادات تتحدّث ونحن لا يوجد معنا سوى الثياب التي نرتديها. ثمّ قالت لنا: "سوف نأخذكما إلى معبر رفح ونترككما هناك" - كانت تتحدّث بجدّية وبنبرة واثقة.

اقتادونا إلى "البوسطة" وأجلسونا على مقاعد حديديّة ضيّقة ونحن مكبلّتا الأيدي والأرجُل. كان البرد شديداً لأنّهم شغّلوا التبريد عمداً. كانت تلك سفرة صعبة.

وصلنا إلى سجن الدّامون وأمضيت فيه يومين. هناك أيضاً كان الوضع سيّئاً. كان عدد كبير من الأسيرات. فهمت منهنّ أنّ إدارة السّجن صادرت في بداية الحرب في غزّة جميع أغراض الأسيرات. لم يُبقوا لهنّ شيئاً. أخذوا الملابس والأجهزة الكهربائيّة بما في ذلك أجهزة الرّاديو وأدوات المطبخ التي كنّ يستخدمنها للطبخ وإعداد القهوة والشاي. كما أغلقوا "الكانتينة". قبل ذلك كانت الأسيرات يقمن بإعداد الطعام بأنفسهنّ، ولكن في النظام الجديد صاروا يجلبون لنا طعاماً جاهزاً رديء النوعيّة وقليل الكميّة.

أدخلوني إلى زنزانة فيها ثماني أسيرات. كنت أنام على الأرض، أنا وأسيرتان أخريان. الأسيرات هناك معزولات تماماً عن العالم ولا يعرفن ماذا يجري في الخارج. لا تتوفّر لديهنّ أيّة وسائل اتّصال - لا راديو ولا تلفزيون ولا زيارات عائليّة ولا لقاءات مع محامين. المصدر الوحيد للأخبار كان الأسيرات الجديدات.

في سجن الدامون سمحوا لنا بالخروج إلى السّاحة والاستحمام، غير أنّ الوقت الذي خصّصوه لذلك كان قليلاً. كانوا يُخرجون إلى السّاحة كلّ زنزانة على حِدَة، والسّاحة تُفضي إلى الحمّامات. الوقت الذي خصّصوه للحمّام كان قصيراً، ساعة واحدة فقط أو أقلّ، ونحن كنّا تسع أسيرات. فوق هذا، لم يوفّروا لنا صابوناً ولا "شامبو" ولا مناشف ولا ملابس لنغيّر الثياب التي علينا.

في الدّامون كانوا يُجرون العدّ خمس مرّات يوميّاً. يُطفئون الأنوار عند السّابعة مساءً، وكان النوم المتواصل في اللّيل مستحيلاً لأنّ سجّاناً كان يأتي ويصوّب مصباحاً على وُجوهنا فيوقظنا. كانوا يفعلون كلّ شيء بصورة مهينة ومُذلّة.

عندما كنت هناك أخذوني مرّتين لحضور جلسة محاكمتي. في النهاية قرّرت النيابة عدم تقديم لائحة اتّهام ضدي فتمّ إطلاق سراحي بشروط: حبس منزلي لمدّة 10 أيّام في منزل والديّ، منعي من السّفر إلى الخارج حتى شهر شباط 2024، كفالة ماليّة وقّعها والدي تُجبى في حال عدم التزامي بهذه الشروط. كما صادروا لي أيضاً جهاز الهاتف الخاص بي لمدة شهرين ومنعوني من نشر اية منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، فرضت عليّ المحكمة 120 ساعة عمل تطوّعي في إحدى الجمعيات في حيفا.

في صباح يوم 16.11.23 كانت لدي جلسة محاكمة أخرى وتقرر الإفراج عني ووضعي قيد الاعتقال المنزلي. بعد الجلسة، نقلوني إلى زنزانة متجمّدة وأبقوني هناك حتى الساعة 19:00 وبعد ذلك فقط أخلوا سبيلي.

في بداية العام 2024 عُدت إلى الدّراسة في الجامعة. كنت خائفة جدّاً خشية أن يهاجمني طلّاب يهود، خاصّة وأنّ مجموعة طلّاب من معسكر اليمين كانت قد شنّت من قبل حملة تطالب بطردنا من الجامعة ومُلاحقتنا ومُعاقبتنا. الكثير من الطلّاب يأتون حاليّاً إلى الجامعة مزوَّدين بأسلحة كبيرة ومسدّسات، يُدخلونها معهُم إلى قاعات المحاضرات. كثيراً ما يُصادف أن أجلس إلى جوار طالب مسلّح بمثل هذه الأسلحة. إنّه وضع مخيف جدّاً، خاصّة في واقع التحريض الدّائم ضدّ الطلّاب العرب.

- سجّلت الإفادة، هاتفيّاً، باحثة بتسيلم الميدانيّة سلمى الدّبعي في 19.6.24