ص. ب. من سكّان شرقيّ القدس

  

بتسيلم -1/4/2024

أنا من سكّان القدس. اعتقلتُ في نيسان 2021 بذريعة أمنيّة، وسُجنتُ حتّى آذار 2024. خلال الأشهر الـ 35 هذه نُقّلتُ بين ثلاثة سجون: "ريمون"، "النقب" و"نفحة". كنتُ في نفحة منذ آب 2023 حتّى آذار 2024 – أي خلال فترة الحرب أيضًا.

بعد 7 تشرين الأوّل 2023 أصبح الوضع في السجون كارثيًّا مقارنةً بما مررتُ به من قبل. كانت إدارة السجن تعاقبنا بشكل جماعيّ على نحو دائم. كان الأمر الأوّل زيادة عدد المسجونين في كلّ زنزانة من 6 سجناء إلى 14 سجينًا. وهذا يعني انتهاك خصوصيّتنا والانتظار لفترة أطول بكثير من أجل استخدام المرحاض في الزنزانة. بالإضافة إلى ذلك، اضطُرّ المعتقلون الجدد الذين جُلبوا إلى الزنزانة إلى النوم على الأرض، لأنّه لم يكن فيها سوى ثلاثة أسرّة ذات طابقين.

في السابق كنّا نستطيع شراء ورق التواليت من "الكانتينة" بدون تقييد، لكن بعد 7 تشرين الأوّل تمّ إلغاء "الكانتينة" وخَصَّصت لنا إدارة السجن قدرًا محدّدًا من الورق، فاضطررنا إلى استخدامه بشكل مقتصد.

كان لكلّ سجين 3 دقائق كحدّ أقصى للاستحمام

فيما يتعلّق بالحمّامات، حتّى الحرب كنتُ في زنزانة بدون حمّام، لكنّ الحمّامات المشتركة كانت تحتوي على ماء ساخن وكان لدينا ما يكفي من الوقت للاستحمام. الزنزانة التي نقلوني إليها في بداية الحرب كانت تحتوي على حمّام، لكنْ حينها تمّ قطع الماء الساخن عن الزنازين. وفّرت إدارة السجن الماء الساخن في الحمّامات المشتركة فقط، والتي سمحوا لنا بأن نذهب إليها، كلّنا معًا، لمدّة ساعة واحدة كلّ ثلاثة أيّام – وبالتالي كان لكلّ سجين 3 دقائق كحدّ أقصى للاستحمام.

كما قاموا بتقليص عدد مقصورات الاستحمام في الحمّامات المشتركة من 12 إلى 6، وأزالوا الفواصل بينها. قام السجناء من 20 زنزانة بتقسيم هذه الحمّامات الـ 6 بينهم، وبدون الفواصل لم تكن هناك أيّة خصوصيّة، وكان هناك مَن رفض الاستحمام لهذا السبب.

حتّى الحرب كان يُسمح لنا بالخروج من الزنازين لمدّة 12 ساعة – من الساعة 6:00-18:00، والتجوّل في ساحة كبيرة في الخارج، والتشمُّس. لكن منذ 7 تشرين الأوّل أصبح الخروج الوحيد هو إلى الحمّام، وكنّا نبحث هناك عن أشعّة الشمس القليلة التي تغلغلت عبر ثقب في الجدار. في الأيّام التي لم نتمكّن فيها من الاستحمام كنتُ أغتسل في المرحاض بالماء البارد، بمساعدة إبريق الوضوء قبل الصلاة. حتّى الحرب كان بإمكاننا أيضًا أن نتوجّه إلى غرف الغسيل في كلّ جناح فيه غسّالات، لكن بعد 7 تشرين الأوّل حُرمنا من الغسّالات ومُنعنا أيضًا من نشر الغسيل في الخارج.

مع اندلاع الحرب تمّ نقلي من الجناح 4 إلى الجناح 12 الذي زنازينه أصغر وكلّها في صفّ واحد، دون تهوية. وبسبب القيود المفروضة على استخدام الماء الساخن وعلى وقت الاغتسال ومنع استخدام الغسّالات، كانت الرائحة كريهة جدًّا هناك. وعندما كان السجّانون يأتون للعدّ أو لإجراء تفتيش في داخل الزنازين، كانوا يقومون برشّها بمعطّرات هواء بسبب الرائحة القذرة. بدأنا بغسل الملابس بأيدينا مع قطرة من الشامبو، لأنّنا لم نحصل على أيّ مسحوق غسيل. اضطررنا إلى نشر الملابس الرطبة في الزنازين وقمنا بابتداع حبل غسيل من أكياس النايلون الخاصّة بالخبز. لم يعجب إدارة السجن ذلك فقامت بتفتيش الزنازين لمصادرة الحبال، وصاروا يوزّعون الخبز في عبوات من الكرتون حتّى لا يكون لدينا أكياس نايلون.

أصبتُ أنا بفطر الأظفار وكان العلاج الوحيد الذي تلقّيته هو الأكامول

الظروف غير الصحّيّة التي فرضوها علينا – تقييد الاستحمام، منع الماء الساخن، منع تعليق الغسيل وإلغاء الدورة اليوميّة الذي أدّى إلى المكوث لفترات طويلة في زنازين خانقة ومنع التشمُّس، أدّت إلى تفشّي أمراض الجلد. أصبتُ أنا بفطر الأظفار وكان العلاج الوحيد الذي تلقّيته هو الأكامول، لأنّهم أغلقوا العيادة في السجن. أخبرنا الممرّض بأنّ التعليمات الجديدة تقضي بأنّنا سنتلقّى العلاج الطبّيّ فقط في الحالات التي تشكّل خطرًا على الحياة. لذلك، كانوا يعطون الأكامول فقط لأيّ شيء. في زنزانتنا، على سبيل المثال، كان هناك سبعة سجناء يعانون من الطفح الجلديّ والبثور. كانوا يحكّون أنفسهم طوال الوقت وكانوا يعانون كثيرًا، لكن لم يعطوهم أيّ مرهم أو علاج. وكان هناك سجناء عانوا من الجرب والحكّة.

قبل 7 تشرين الأوّل كان في كلّ جناح مطبخ، وكان بإمكاننا شراء العديد من المنتجات من "الكانتينة": لحوم، دجاج، خضروات، فواكه، ملح، بهارات، سكّر وأرزّ. كنّا نحن نطبخ حينها، لذا كان الأكل لذيذًا ولم نعدمه. لكن بعد 7 تشرين الأوّل أُلغِي "الكانتينة"، كما قلتُ، وصادروا أيضًا كلّ الأكل الذي كنّا قد اشتريناه سابقًا. كنّا معتمدين بشكل كامل على الطعام الذي وفّرته لنا إدارة السجن، وكان شعورنا بأنّهم يحاولون تجويعنا عقابًا على ما حدث في غلاف غزّة. الطعام الذي قدّموه لنا كان سيّئًا ولم يتمّ طهيه كما ينبغي. حصلنا في وجبة الغداء على 3 ملاعق كبيرة من الأرزّ نصف المطبوخ فقط لكلّ سجين، وعلى حساء حارّ بدون طعم، وأحيانًا على ملعقة صغيرة من التونة أو كوب من حبّات الذرة الساخنة بدون أيّ ملح أو بهار أو على بيض نصف مسلوق ذي رائحة كريهة. أعتقد أنّ صلاحيّته كانت نافدة. كلّ الطعام كان مقزّزًا.

اشتملت وجبة الفطور على 50 غرامًا من اللبنة لكلّ سجين، وعشر شرائح صغيرة من الخبز كنّا نتقاسمها فيما بيننا. كانت وجبة العشاء مثل وجبة الغداء، وكانوا يُضيفون إليها أحيانًا قطعة نقانق غير مطبوخة. لم نحصل على فواكه، خضروات، سكّر أو ملح، ولم يكن الطعام متبّلًا على الإطلاق.

تمّ منع زيارات أفراد العائلات والمحامين وحتّى الصليب الأحمر. هكذا عُزلنا عن العالم الخارجيّ

في 7 تشرين الأوّل كان لا يزال لدينا تلفزيونات في الزنازين، وهكذا علمنا بما حدث في غلاف غزّة في ذلك اليوم. إدارة السجن لم تخبرنا بأيّ شيء. لكن في ذلك اليوم صادروا جميع الأجهزة التي كانت موجودة في الزنازين: التلفزيونات، الأباريق الكهربائيّة، البلاطات الكهربائيّة، المدافئ والمراوح، الوسائد، الشراشف، البطانيّات ومُلاءات الفرشات. لم يتركوا سوى بطانيّة واحدة لكلّ سجين. كما تمّ منع زيارات أفراد العائلات والمحامين وحتّى الصليب الأحمر. هكذا عُزلنا عن العالم الخارجيّ. وبالطبع صادروا أيضًا الهواتف المحمولة التي كان الأشخاص يخبّئونها في الأجنحة.

بدأوا بإجراء عمليّات تفتيش متكرّرة في الزنازين وبمصادرة أبسط الأشياء، من أوراق وأقلام وبطّاريّات وأجهزة راديو. كانوا يأخذون فرشاتنا يوميًّا من الساعة 6:00-22:00. كما مُنعنا من التحدّث مع سجناء في زنازين أخرى، وفُرضت عقوبات على ذلك، مثل منع الاستحمام. عوقبنا نحن بهذه الطريقة مرّة واحدة. في البداية قاموا بقطع الكهرباء خلال النهار، ثمّ أعادوها بين الساعة 18.00 والساعة 22.00 فقط، وبعد ذلك أبقوها مقطوعة طوال الوقت. كان علينا أن نذهب إلى المرحاض ليلًا في ظلام دامس وأن نحذر من أن ندوس على السجناء النائمين على أرضيّة الزنزانة بسبب الاكتظاظ.

كانت الأشهر الستّة الأخيرة من سَجني قاسية بشكل كبير ومختلفة جذريًّا عمّا كان من قبل. حتّى السجناء الذين حُكم عليهم بالسجن لفترات طويلة، وقضوا في السجن عشرين أو ثلاثين عامًا، قالوا إنّ الفترة التي تلت 7 تشرين الأوّل كانت أسوأ مرحلة من مراحل سجنهم.

في شهر رمضان، وتحت ضغط المعتقلين، جدّدوا تزويد الزنازين بالكهرباء في ساعات الليل – بين الإفطار والسحور. لكنّ الوجبات التي قدّموها كانت رديئة الجودة وبكمّيّة غير كافية.

بسبب تفشّي الأمراض الجلديّة، وأساسًا لأنّ السجّانين أصيبوا بالعدوى أيضًا، أجبِرت إدارة السجن، في الشهر الأخير قبل إطلاق سراحي، على السماح لنا بالخروج إلى الساحة لمدّة ساعة كلّ صباح. كانوا يُخرجون زنزانة واحدة في كلّ مرّة.

في يوم إطلاق سراحي أخذوني لإجراء فحص في الساعة 11:00 صباحًا، ثمّ وقّعتُ على مستند الإفراج. طلبتُ من الشرطيّ أن يسمح لي بالاتّصال بوالدي لكي ينتظرني خارج السجن، لكنّه رفض.

-  سجّل الإفادة باحث بتسيلم الميدانيّ عامر عاروري في 1.4.24.