سفيان أبو صلاح (42 عامًا)، أب لأربعة، من سكّان عبسان الكبيرة في محافظة خان يونس

  

بتسيلم - 15/5/2024

أنا متزوّج من هناء أبو صالح ولدينا أربعة أولاد: عبد الرحمن (14 عامًا)، إيمان (13 عامًا)، آية (12 عامًا) وعصام (10 سنوات). حتّى ابتداء الحرب كنتُ أعمل سائق تاكسي، ولكنّني اليوم عاطل عن العمل وأقيم مع أسرتي في خيمة في منطقة الفخاري في خان يونس، قرب المستشفى الأوروبّي.

في 7 أكتوبر نزحنا عن منزلنا في منطقة عبسان الكبيرة في خان يونس، بسبب قُرب منزلنا من الحدود وشدّة القصف في المنطقة. انتقلنا في البداية إلى منزل والديّ اللذين يسكنان في المنطقة نفسها، على بُعد كيلومتر واحد من منزلنا. مكثنا لديهم نحو ثلاثة أيّام ثمّ انتقلنا إلى منزل أقارب لنا في مركز مدينة خان يونس وبقينا عندهم قرابة 50 يومًا.

خلال أيّام وقف إطلاق النار، في نهاية تشرين الثاني الماضي، عُدنا إلى منزلنا وبقينا فيه نحو أسبوع. عندما انتهت الهُدنة ابتدأ قصف كثيف لمدينة خان يونس. نزحنا إلى المسجد، بعيدًا عن الحدود، وبقينا هناك خمسة أيّام ثمّ انتقلنا إلى مخيّم النازحين في مدرسة "هارون الرشيد"، في حيّ الأمل، غربيّ مدينة خان يونس. بقينا هناك شهرين في ظروف صعبة جدًّا، لأنّه كان هناك اكتظاظ شديد، ولم تكن مياه ولا كهرباء، والطعام كنّا بالكاد نحصل عليه.

في 14.2.24، حاصر الجيش المدرسة وأمر الجنود النساء بأن يخرجن مع الأولاد إلى منطقة المواصي في غرب خان يونس، وأبقوا الرّجال في داخل المدرسة. قسّمنا الجنود، كلّ عشرة رجال في مجموعة واحدة، وأمرونا بأن نخلع ملابسنا ونبقى بالملابس الداخليّة فقط، وبأن يحمل كلّ منّا بطاقة هُويّته ويرفعها عاليًا. فحصوا أسماءنا مقارنة ببطاقات الهُويّة ثمّ فتّشوا كلّ واحد منّا بواسطة جهاز وكبّلوا أيدينا إلى الأمام وعصبوا أعيننا. بعد ذلك نقلونا إلى مكان هو في اعتقادي مخازن قد حوّلوها إلى مراكز اعتقال. أجبرونا أن نبقى راكعين على الأرض حتى ساعات المساء.

بعد ذلك أخذونا إلى مركز التحقيقات، وأعتقد أنّه كان في الحيّ اليابانيّ في مركز مدينة خان يونس. في التحقيق سألوني ما اسمي، أين كنت في 7 أكتوبر، لأيّ تنظيم أنتمي، وعن حماس والجهاد. تعرّضنا أثناء التحقيق للضرب بالعصا والرّكل، وخاصّة في منطقتي الظهر والعُنق. كان عددنا نحو 80 شخصًا، وأبقونا حتّى السّاعة 12:00 ليلًا بالوضعيّة نفسها ونحن عُراة. كان الطقس شديد البرودة.

بعد ذلك أعطونا ملابس لونها أبيض شفّاف (مثل ملابس الكورونا) وأدخلونا جميعًا إلى شاحنة - نحو 80 شخصًا مكوّمين فوق بعضنا البعض، وممنوعين من التحرّك أو الكلام. كان الجنود يضربوننا إذا استشعروا حركة أيًّا كانت. أحسست أنّهم جرحوني في رجلي اليسرى، ليس جُرحًا خطيرًا.

بعد ذلك نقلونا إلى شاحنة أخرى وربطوا أيدينا إلى الخلف، ثمّ أخذونا إلى مركز للتحقيقات. حسبما فهمت كان ذلك المركز في إسرائيل. أحسست بالوهن وفقدت القدرة على الإحساس برجليّ، لكنّي لم آتِ بأيّة حركة لكيلا يضربوني. بعد ذلك أخذونا إلى مكان آخر حيث أمرونا بأن نخلع ملابس الكورونا وأعطونا ملابس أسرى لنرتديها.

أحسست بالوهن وفقدت القدرة على الإحساس برجليّ، لكنّي لم آتِ بأيّة حركة لكيلا يضربوني

في أوّل أيّام الاعتقال كنّا طوال اليوم مربّطي الأيدي والأرجُل، على الحصى. في اللّيل غفوت ساعتين فقط. أخذ الجنود تفاصيلنا الشخصيّة وأجروا لي مسحًا للعين، ثمّ أعطوني رقمًا وأخذوني إلى طبيب لإجراء فحوصات. كان الجنود يتهكّمون علينا ويتضاحكون. سألني الطبيب ما إذا كنت أعاني من أيّ مرض، وقلت له إنّني لا أعاني من أيّ مرض.

بعد مضيّ يومين أحسست بألم في رجلي ولاحظت أنّها متورّمة قليلًا. طلبت من السجّان أن يأتي بمن يفحص لي رجلي. جاءت جنديّة وصوّرت رجلي، مرّتين، لكي تُريها للطبيب. لكنّها لم تردّ لي جوابًا.

طيلة أسبوع كنت أعاني أوجاعًا شديدة وحرارة مرتفعة. أخذني الجنود بحافلة صغيرة إلى مستشفى داخل مركز التحقيق، وطوال الطريق كانوا يضربونني بالهراوات وبأسلحتهم على رجلي المصابة، وداسوا على رِجلَيّ. كنت أصرخ من شدّة الألم. سألني الجنديّ "أيّ من رجليك هي المُصابة؟" ثمّ انهال عليها يضربها بقوّة وبغاية القسوة. حتى وهُم يُنزلونني من الحافلة الصغيرة واصلوا ضربي على رجلي ورأسي. أخذ القيح يخرج من الجُرح. فوق هذا كلّه كانوا يشتمونني: "سأفعل كذا وكذا بأمّك وبأختك وبزوجتك" و"يلعن كرامتك يا ابن الشرموطة"، وشتائم أخرى من هذا القبيل.

سألني الجنديّ "أيّ من رجليك هي المُصابة؟" ثمّ انهال عليها يضربها بقوّة وبغاية القسوة

عندما وصلنا انتظرت الطبيب مدّة ساعتين تقريبًا، وأنا على الأرض مربّط اليدين والرجلين ومعصوب العينين. ثمّ أجلسوني على سرير وخلعوا عنّي الملابس وأنا لا أزال مربّط اليدين والرّجلين ومعصوب العينين.

ألبسوني حفّاظًا. غبت هناك عن الوعي. حتى لم أشعر بأنّهم فحصوني. عندما عاد لي وعيي قال لي أحدهم: "أجرينا لك عمليّة جراحيّة". كانت عيناي لم تزالا معصوبتين. لم أعرف ما إذا كان الذي كلّمني طبيبًا أو جنديًّا. لم يُخبروني بأيّ تفاصيل عن العمليّة الجراحيّة. سألتهم عن وضع رجلي فقالوا إنّها بخير. أعطوني مسكّنات في الوريد وأجروا لي فحص سكّر. بعد مضيّ ثلاثة أيّام أجروا لي عمليّة جراحيّة أخرى. قالوا إنّ الغاية منها تنظيف وتعقيم الرّجْل.

عانيت آلامًا شديدة وكنت جائعًا جدًّا، لكن لم أستطع قول أيّ شيء. بقيت هناك عشرة أيّام تقريبًا ولم يفعلوا خلالها سوى تغيير الضماد. عندما رفعت عصابة العينين ونظرت رأيت عظامًا وضمادًا.

بعد ذلك أخذوني بسيّارة إسعاف، مربّط اليدين ومعصوب العينين. أدخلني عدد من الجنود إلى سيّارة إسعاف وظلّوا يضربونني على رجلي المُصابة طوال الطريق. تألّمت جدًا ولكن لم أصرخ لأنّ من صرخ نال مزيدًا من الضرب.

عندما وصلت إلى المستشفى سمعتهم يقولون إنّه "شيبا" في "تل هشومير". جاء طبيب مختصّ بالأوعية الدمويّة وقال لي: "يجب أن نقطع رجلك، وينبغي علينا أن نستشير طبيبًا مختصًّا بالعظام"، وكان الجنود يتضاحكون ويتهكّمون عليّ: "اقطعوا له رجله".

كان جسمي مغطّى، لأنّنا في مستشفى مدنيّ. كان الجنود متواجدين في الغرفة لدى كلّ فحص أو تصوير أشعّة، وحتى أثناء إجراء العمليّة الجراحيّة، وقالوا إنّني مخرّب.

عندما جاء طبيب العظام وفحصني قال لي: "عليك أن تختار: رجلك أو حياتك. يجب أن تقرّر". كان ذلك أصعب قرار اتّخذتُه في حياتي كلّها. أن أختار وأقرّر قطع رجلي. كنت مصدومًا، خاصّة وأنّني وحيد ولا أحد بجانبي من أفراد الأسرة لكي أستشيره.

عندما جاء طبيب العظام وفحصني قال لي: "عليك أن تختار: رجلك أو حياتك. يجب أن تقرّر". كان ذلك أصعب قرار اتّخذتُه في حياتي كلّها. أن أختار وأقرّر قطع رجلي

فهمتُ من الجنود أنّ العمليّة الجراحيّة سوف تستغرق 5 ساعات. أدخلوني إلى غرفة العمليّات الجراحيّة مربّط اليدين ومعصوب العينين. كان ذلك في 19.3 أو 20.3، أنا لا أتذكّر شيئًا بعد ذلك حتّى استيقظت وطلبت أن أشرب ماء. جلبوا لي ماء ثمّ أخذوا مباشرة بسيّارة إسعاف مع أكسجين ووجبات دم إلى المستشفى العسكريّ. أظنّ أنّه في "سْديه تيمان"، مركز اعتقال في النقب.

عندما وصلت إلى المستشفى العسكريّ قاموا بإجراء حقن في الوريد وغيّروا لي الحفاظ. بقيت رجلي ملفوفة بالضمادة نفسها طيلة 5 أيّام، وفقط عندئذٍ غيّروها. بعد ذلك أعادوني إلى مركز الاعتقال. هناك، كنت أسمع الكلاب تنبح طوال الوقت، وذلك بقصد إزعاجنا ومضايقتنا. لم يفحصني أحد في المعتقل. عاقبني الجنود مرّتين لأنّني طلبت أن أنام. قالوا إنّه ممنوع، وكان عقابي أن أقف على رجْل واحدة طوال نصف ساعة.

بعد العمليّة الجراحيّة لم يضربوني. لكنّني كنت أعاني آلامًا شديدة، ورغم أنّني طلبت مسكّنات إلّا أنّهم لم يجلبوا لي. كان الأكل قليلًا جدًّا. 3 قطع صغيرة من الخبز وخيارة وتفاحة. كان الجنود يأخذونني إلى الحمّام. كانوا يحملونني وأحيانًا كنت أقع من أيديهم على الأرض. أعتقد أنّهم كانوا يتعمّدون ذلك.

استمرّ الوضع على هذه الحال إلى أن أفرِج عنّي في 15.4.24. ناداني الجنود باسمي في اللّيل، طرحوا عليّ بعض الأسئلة عن عائلتي وقيادات حماس والأنفاق. كانت السّاعة 2:00 بعد منتصف اللّيل تقريبًا. ربّطوا يديّ وعصبوا عينيّ وأمروني بأن أذهب وحدي، دون عكّازات أو كرسيّ عجلات. أخذت أقفز. قفزت أربع مرّات ووقعت أرضًا، وعندئذٍ رُحت أصرخ.

عاقبني الجنود مرّتين لأنّني طلبت أن أنام. قالوا إنّه ممنوع، وكان عقابي أن أقف على رجْل واحدة طوال نصف ساعة

بعد ذلك أدخلني الجنود إلى سيّارة إسعاف، وبعد مضيّ بعض الوقت وجدت نفسي في معبر كرم أبو سالم. كان في المعبر موظّفون من مكتب الأمم المتحدة. أخذوني إلى مستشفى أبو يوسف النجار حيث أجريت لي فحوصات، وبعد مرور شهر تقريبًا قاموا بفكّ القطب.

أقيم الآن مع أولادي وزوجتي في خيمة في منطقة المستشفى الأوروبيّ في خان يونس. الظروف هنا صعبة جدًّا، بلا كهرباء وماء. وضعي النفسيّ صعب. أنا إنسان محطّم. أبكي على نفسي وعلى ما جرى لي. فقدتُ إحدى رجليّ دون أيّ سبب. لم أكن أعاني أيّ مرض. لقد حدث ذلك فقط بسبب الإهمال الطبّي في مركز الاعتقال. أنا الآن لا أستطيع أن أعمل. عالق داخل الخيمة طوال اليوم.

-  سجّلت هذه الإفادة، هاتفيًا، باحثة بتسيلم الميدانيّة ألفت الكُرد في 15.5.24.