م. أ. من سكان محافظة الخليل

  

بتسيلم - 4/4/2024

اعتقلتُ في 7.7.20. قبل ذلك بيوم واحد داهم الجيش منزلنا في الصباح الباكر عندما لم أكن فيه، ثمّ استدعاني ضابط عبر الهاتف للتحقيق. فامتثلتُ للتحقيق في الساعة 9:00 صباحًا في المكان الذي طُلب منّي الذهاب إليه. الجنود الذين كانوا ينتظرونني هناك صوّبوا أسلحتهم نحوي ثمّ قيّدوا يديّ.

عانيتُ كثيرًا جدًّا من البرد، خاصّةً وأنّ السجّانين أخذوا منّي كلّ ملابسي ولم يتركوا لي سوى فانلّة وبنطلون قصير

أخذوني إلى مستوطنة ومن هناك اقتادني أفراد وحدة "نحشون" إلى سجن عسقلان للتحقيق. مكثتُ رهن التحقيق لمدّة شهرين، في زنزانة انفراديّة. كانوا يحقّقون معي كلّ يوم أكثر من عشر ساعات وأنا مربّط بكرسيّ.

سمحوا لي أن أدخّن 3 سجائر يوميًّا، وقدّموا لي وجبتَي طعام في اليوم، لكنّ كمّيّة الطعام كانت ضئيلة جدًّا. كنتُ أخرج من الزنزانة لغرض التحقيق معي فقط. خلال تلك الفترة عُقدت لي أربع جلسات قضائيّة شاركت فيها عبر تطبيق "زوم"، وفي كلّ مرّة كانوا يمدّدون اعتقالي لمدّة 15 يومًا أخرى. في نهاية التحقيق نقلوني إلى سجن "عوفر"، وهناك لم أعد أقبع في الحبس الانفراديّ. بعد عامين من الاعتقال حكمت عليّ المحكمة في 19.4.22 بالسجن لمدّة أربع سنوات وبدفع غرامة قدرها 2,000 ش.ج.. في 24.5.22 نقلوني إلى سجن النقب ("كتسيعوت") بعد أن قضيتُ نحو سنتين في سجن "عوفر".

عانيتُ في سجن النقب، في الأساس، من الحبس ذاته ومن ضيق المساحة ورتابة الحياة. كانت الأيّام تكرّر: مشاهدة التلفزيون، ممارسة الرياضة قليلًا، شراء المنتجات الغذائيّة من "الكانتينة" والطبخ.

هكذا سارت حياتي في السجن حتّى 7.10.23. عندما اندلعت الحرب انقلب كلّ شيء. فور بدء الحرب داهم عناصر الوحدات الخاصّة زنازيننا، وصادروا أجهزة التلفزيون وبلاطات الطبخ والإبريق الكهربائيّ وأغلقوا الزنازين ومنعونا من الخروج منها.

حتّى ذلك الحين كنتُ في زنزانة لخمسة سجناء، ونقلوني مع سجينين آخرين إلى زنزانة كان فيها أصلًا خمسة سجناء آخرين، فاضطُررنا نحن الثلاثة إلى النوم على الأرض. عانيتُ كثيرًا جدًّا من البرد، خاصّةً وأنّ السجّانين أخذوا منّي كلّ ملابسي ولم يتركوا لي سوى فانلّة وبنطلون قصير. كان لديّ أربع حقائب كبيرة من الملابس صادروها منّي، فلم يتبقّ لديّ ملابس بديلة.

بدأ السجّانون بإذلالنا على نحو ثابت أثناء العدد: كانوا يأمروننا بالركوع ووجوهنا نحو الحائط وأيدينا على رؤوسنا. لم نحصل سوى على وجبتَين في اليوم تضمّنتا كميّة قليلة جدًّا من الطعام ذي النوعيّة الرديئة جدًّا. كانت الوجبة الأولى عند الساعة 12:00 ظهرًا، واشتملت على صحن ونصف من الأرزّ لجميع السجناء في الزنزانة، وعلى طبق من شوربة العدس أو الفاصولياء وخبز. كنّا نحصل على الوجبة الثانية عند الساعة 18:00 وكانت نفس الشيء تقريبًا.

نقلوني بعد ذلك إلى زنزانة أخرى، وكنّا فيها ثمانية سجناء أيضًا، من بينهم ثائر أبو عصب. نمتُ في هذه الزنزانة أيضًا على فرشة ممدودة على الأرض. كان السجناء الأكبر سنًّا، مثل أبو عصب، ينامون على الأسرّة. أمضينا معًا عشرة أيّام تقريبًا في هذه الزنزانة. كان لها ثلاث نوافذ وأزالت إدارة السجن الزجاج عنها جميعًا لكي نعاني أكثر من البرد، ليلًا ونهارًا.

في 18.11.23 جاء السجّانون لإجراء العدد مُحضرين معهم عناصر من وحدة خاصّة ملثّمين وبحوزتهم هراوات ذات قطع حديديّة ناتئة. أحصانا السجّانون. كانت الطريقة أن ينادي السجّان الاسم الشخصيّ للسجين، وعلى السجين أن يقول اسم عائلته، بينما نحن جالسون جلسة الضفدع.

في ذلك اليوم، وبعد انتهاء العدد، نادى أحد السجّانين اسم ثائر مرّة أخرى، فأجابه ثائر: "أبو عصب". بعد ذلك قال السجّان "ثائر" مرّة أخرى، وردّ ثائر "أبو عصب" مرّة أخرى. ثمّ جاء أفراد الوحدة الخاصّة بالهراوات والأسلحة وبدأوا بضربنا. أمسك كلّ واحد منهم بسجين وضربه هو فقط. تعرّضنا للضرب على جميع أنحاء الجسم. لم نتحرّك، كنّا نصرخ ونصرخ فقط بينما كانوا هم يضربوننا بلا توقّف. أخذ الدم ينزف من رأسي، ورأيت أنّ السجناء الذين بجانبي كانوا ينزفون من رؤوسهم أيضًا. استمرّ ذلك سبع دقائق تقريبًا ثمّ ابتعدوا نحو باب الزنزانة.

أنّهم ضربوا ثائر أكثر من الجميع. حاول حماية رأسه بيده [...] استمرّوا في ضربه على رأسه وباقي جسمه حتّى سقط أرضًا

ثمّ عاد نحو ثمانية منهم وانهالوا بالضرب علينا جميعًا، غير أنّهم ضربوا ثائر أكثر من الجميع. حاول حماية رأسه بيده، لكنّه سرعان ما فقد القدرة على إبقائها هناك بسبب كثرة الضربات. استمرّوا في ضربه على رأسه وباقي جسمه حتّى سقط أرضًا. بعد ذلك خرجوا وأغلقوا باب الزنزانة.

نادينا ثائر باسمه عدّة مرّات، لكنّه لم يُجب. سال القليل من الدم من رأسه، ورأينا أنّ لون جسمه تغيّر - أصبح أكثر قتامة. أعتقد أنّ ذلك كان بسبب نزيف داخليّ. نادينا السجّان وصرخنا طوال ساعة، لكنّه لم يردّ علينا. ثمّ جاء سجّان عمل أيضًا كمسعف. طلب منّي أن أشمّر قميص ثائر. عندما رفعتُ القميص كان بطنه منتفخًا وداكن اللون. اتّصل السجّان/المسعف بالضابط. حضر ضبّاط كثيرون وأرغمونا، نحن السجناء السبعة الآخرين، على الانزواء في المرحاض – مساحته متر مربّع واحد. بعد أن حشرونا هناك أخذوا ثائر وغادروا. بعد خمس دقائق حضر سجّان وفتح باب المرحاض وأخبرنا بأنّ ثائر قد مات.

في اليوم التالي جاءوا من "الشاباك" واقتادونا واحدًا تلو الآخر للتحقيق. استمرّ التحقيق معي نحو ربع ساعة وزعموا خلاله بأنّنا تسبّبنا في مشاكل وقتلنا ثائر، ولهذا السبب نحن جميعًا مصابون. وقالوا إنّنا اعتدينا بعضنا على بعض وليس على السجّانين. ثمّ سألني المحقّق كيف قتلنا ثائر. فأخبرتُه بما حدث: السجّانون هم الذين ضربونا وقتلوه، وشرحتُ له كيف حدث ذلك.

بعد عودتنا جميعًا إلى الزنزانة حضر ضابط السجن الملقّب بـ "أبو يوسف" وفتح الباب. ضحك وقال نحن الذين قتلناه وإنّنا نريد أن نلقي بالتهمة على السجن. فأخذت أضحك ردًّا على ما قاله، فسألني: "لماذا تضحك؟"، فقلت له بلا سبب. أخذ يشتمني، فرددتُ عليه بشتمه. في الساعة 20:00 جاءوا لإحصائنا، وبعد العدد دخل عناصر الوحدة الخاصّة مرّة أخرى وضربونا ثانيةً بنفس الطريقة ثمّ غادروا.

لم أكن أعرف ما هو الوقت أو ما هو التاريخ. لم يكن لديّ أحد للتحدّث معه. كدتُ أصاب بالجنون هناك

في اليوم التالي جاء سجّانان وأخذاني إلى زنزانة مساحتها 1.5 متر مربّع، وليس فيها مرحاض. مكثتُ في هذه الزنزانة وحدي أكثر من ثلاثة أشهر. لم يسمحوا لي بالذهاب إلى المرحاض إلّا مرّة واحدة في اليوم، عند الساعة 7:30 صباحًا، وفي الطريق إلى هناك وفي طريق عودتي من هناك كانوا يضربونني. أعطوني زجاجة فارغة لأتبوّل فيها خلال النهار. كان الضوء في الزنزانة مضاء 24 ساعة في اليوم، ففقدتُ الإحساس بالوقت. لم أكن أعرف ما هو الوقت أو ما هو التاريخ. لم يكن لديّ أحد للتحدّث معه. كدتُ أصاب بالجنون هناك. وكان البرد شديدًا أيضًا. أعطوني فرشة زرقاء رفيعة جدًّا ومغطّاة بالبلاستيك وبطّانية لم تُدفئني على الإطلاق. طوال تلك الفترة، لم يعطوني سجائر، لم أدخّن سيجارة واحدة حتّى، ولم أستحمّ ولو مرّة واحدة. كانت مياه الشرب قذرة وطعمها مقزّزًا، لكنّي كنتُ مضطرًّا أن أشربها. وفيما يتعلّق بالطعام، كانوا يحضرون لي وجبتين في اليوم وكانتا مثل ما كنتُ أحصل عليه عندما كنتُ في الزنزانة مع السجناء الآخرين من قبل.

في 6.2.24 حضر سجّان وأخبرني بأنّهم سينقلونني. أخذوني مع 12 سجينًا آخر إلى معبر "ميتار" حيث أطلقوا سراحي.

في اليوم الخامس من شهر رمضان اتّصل بي شخص عرّف عن نفسه بأنّه "الكابتن عيد" وأمرني بالحضور إلى معسكر "عتصيون" في اليوم التالي. هدّدني: "في المرّة القادمة سوف يضيء سماء المعسكر قمر جديد (لقب لقتيل/ لشهيد). لا تثير المشاكل".

- سجّل الإفادة باحث بتسيلم الميدانيّ باسل العدرا في 4.4.24.