ن. ح. من سكّان شرقي القدس

  

بتسيلم -5/12/2023

أنا من سكّان شرقي القدس. تمّ اعتقالي عام 2021 بتهمة أمنيّة وحُكم عليّ بالسجن لمدّة 12 عامًا. سُجنتُ في سجن "الدامون" في الجناح 3 - جناح السجينات.

في 7.10.23 سمعنا في الأخبار أنّ حماس هاجمت بلدات إسرائيليّة في غلاف غزّة. في ذلك اليوم، اقتحم زنزانتي أنا وخمس سجينات أخريات نحو 20 سجّانًا يحملون الهراوات وأخذوا يضربوننا لمدّة نصف ساعة تقريبًا.

في اليوم الذي أدخلونا فيه إلى زنزانة العزل صادروا منّا أيضًا كلّ شيء كان لدينا في الزنازين: مراوح، أباريق كهربائيّة، طعام وما شابه. وقطعوا الكهرباء عن جميع الزنازين في السجن. عندما عدنا كانت الزنزانة فارغة تمامًا

دخل السجّانون إلى الزنزانة، ضربونا على رؤوسنا من الخلف ورشّوا كمّيّات من رذاذ الفلفل في الزنزانة، وبدأنا جميعًا نختنق. كما قاموا بتقييد أيدينا بأصفاد معدنيّة وبعد أن خبطوها على أيدينا حتى فتحوها تسبّب لنا رذاذ الفلفل بحروق في الوجه وبحرقان في العيون. طلبنا منهم أن يحضروا لنا مرهمًا لتخفيف الأوجاع، لكنّهم رفضوا. لاحقًا، أخذونا إلى زنازين العزل الانفراديّ في الطابق الثاني.

وضعوني أنا في زنزانة عزل مع سجينة من نابلس. إنّها زنزانة صغيرة جدًّا، بدون سرير أو فرشة، فيها مرحاض داخل الغرفة، بدون أيّ فاصل أو خصوصيّة. كان باردًا جدًّا هناك. تحتوي الزنزانة أيضًا على كاميرا حراسة. بعد أربع ساعات أخرجونا من زنازين العزل وأعادونا إلى زنازيننا العاديّة. كان هناك بقايا غاز في الهواء وكان التنفّس لا يزال صعبًا للغاية هناك، لكن لم يكن لدينا خيار سوى البقاء هناك. حاولنا طيلة ثلاثة أيّام تهوية الزنزانة للتخلّص من الغاز والرائحة.

في اليوم الذي أدخلونا فيه إلى زنزانة العزل صادروا منّا أيضًا كلّ شيء كان لدينا في الزنازين: مراوح، أباريق كهربائيّة، طعام وما شابه. وقطعوا الكهرباء عن جميع الزنازين في السجن. عندما عدنا كانت الزنزانة فارغة تمامًا. وضعوا مقتنياتنا في المكتبة. وبسبب انقطاع الكهرباء لم نتمكّن من متابعة وسائل الإعلام، كما قطعوا الماء الساخن في الحمّامات.

في 19.10.23 اقتحم السجّانون الزنازين مرّة أخرى. كانت اقتحامات زنازيننا هذه من قبَل الرجال انتهاكًا فظًّا للخصوصيّة. دخلوا دون بلاغ مسبق بينما كانت بعض السجينات بدون غطاء للرأس وبملابس غير محتشمة. هذه المرّة صادروا الطاولات والكراسي وحتّى الأحذية، وضربونا بالهراوات.

كانت اقتحامات زنازيننا هذه من قبَل الرجال انتهاكًا فظًّا للخصوصيّة. دخلوا دون بلاغ مسبق بينما كانت بعض السجينات بدون غطاء للرأس وبملابس غير محتشمة. هذه المرّة صادروا الطاولات والكراسي وحتّى الأحذية، وضربونا بالهراوات

استمرّ ذلك نحو ساعتين. قال أحدهم إنّهم حصلوا على الضوء الأخضر لفعل كلّ ما يريدونه بالسجناء في السجون. وقاموا هذه المرّة أيضًا برشّ رذاذ الفلفل في الزنازين، واقتادوا بعض السجينات إلى زنازين العزل في الطابق الثاني. كانت إحداهنّ مسؤولة عن رعاية سجينة مشلولة كانت معنا، فبقيتْ دون مساعدة. احتجاجًا على عزل السجينات رفضنا أن نتناول الطعام – أعدنا الطعام لهم، كما رفضنا الوقوف في طابور العدد والخروج من الزنازين. باختصار، تمرّدنا على كلّ قوانين السجن حتّى أعادوا السجينات من العزل الانفراديّ بعد أسبوع.

ولأنّهم وضعوا كلّ مقتنياتنا في المكتبة، وكذلك البرّادات بما فيها من الطعام الذي اشتريناه من "الكانتينة"، ولأنّ الكهرباء قد قُطعت والبرّادات لم تعمل، فقد فاعتْ رائحة عفن قويّة من جهة المكتبة. أمرت إدارة السجن السجينات بتنظيف المكتبة وبرمي الطعام الفاسد، لكنّنا رفضنا القيام بذلك.

حتى 7.10.23 كان المتّبع أن تطبخ السجينات لأنفسهنّ وأن يوزّعن الطعام على الزنازين. لكن منذ 7.10.23، وكجزء من السياسة العقابيّة، مُنعنا من الطهي. وبدلًا من ذلك، قدّمت لنا إدارة السجن طعامًا فاسدًا، مثل الخبز المُعفّن. كما منعونا من خبز أرغفة الخبز، ولم نتلقّ سوى شرائح الخبز. عندما حصلنا على صدر دجاج كان أبيض اللون ولم يتمّ طهيه كما ينبغي. كان الأرزّ معجّنًا وغير صالح للأكل. كان البيض أزرق وذا رائحة نتنة. كنتُ جائعة جدًّا لدرجة أنّني حاولتُ إزالة العفن عن الخبز وأكله. اضطررتُ أيضًا إلى تناول البيض، على الرغم من أنّه كان مقزّزًا. في السابق اعتدنا أن نشتري المياه المعدنيّة من "الكانتينة"، لكن بعد 7.10.23 اضطررنا إلى الشرب من صنابير الزنازين وكان الماء فيها أصفر اللون ومتّسخًا بجزيئات الصدأ.

تمّ إلغاء الجولات في ساحة السجن وكذلك زيارات العائلات. في السابق كان يحقّ للسجناء والسجينات من سكّان شرق القدس زيارة واحدة كلّ أسبوعين، في حين لم يكن يُسمح للسجناء والسجينات من الضفّة الغربيّة سوى بزيارة واحدة في الشهر.

كما تمّ وقف جميع العلاجات الطبّيّة التي كان من المتّبع تقديمها في السجن. حتّى أنّهم حاولوا ابتزاز السجينات اللاتي كنّ بحاجة إلى علاج للحصول منهنّ على معلومات حول خطط السجينات للاحتجاج على السياسة العقابيّة في السجن مقابل تقديم العلاج لهنّ. أتذكّر سجينة من الخليل، عمرها 21 عامًا، كاد يُغمى عليها أثناء الاستحمام من شدّة الجوع والعطش بسبب عدم وجود مياه صالحة للشرب في السجن. أعطوها كـ "علاج" كيسًا من الملح لتأكله، حتّى تضطرّ لاحقًا إلى شرب الكثير من مياه الصنبور الملوّثة. وبالطبع رفضت أن تأكل الملح.

كما تمّ وقف جميع العلاجات الطبّيّة التي كان من المتّبع تقديمها في السجن. حتّى أنّهم حاولوا ابتزاز السجينات اللاتي كنّ بحاجة إلى علاج للحصول منهنّ على معلومات حول خطط السجينات للاحتجاج على السياسة العقابيّة في السجن مقابل تقديم العلاج لهنّ

كان من المفترض أن يتمّ إطلاق سراحي ضمن الدفعة الرابعة من صفقة تبادل الأسرى بين حماس وسلطات الاحتلال. في يوم الدفعة الأولى اقتحم السجّانون الزنازين وأخبرونا بأنّه سيتمّ إطلاق سراح بعض منّا. لأنّنا لم نتلقَّ أيّ أخبار من الخارج لم نعرف شيئًا عن الصفقة، وهم لم يشرحوا لنا السبب. قاموا بتقييد أيدي 24 سجينة وسحبوهنّ وهنّ مكبّلات بالأصفاد من الزنزانة بصورة مؤلمة.

بعد ذلك شرح لنا أحد السجّانين أنّهم سيطلقون سراح السجينات، البالغات والقاصرات، والسجناء القاصرين، لكنّه لم يوضّح لنا أنّ ذلك سيكون ضمن صفقة ولا كيف سيتمّ. لذلك، كنّا نجهّز أنفسنا كلّ يوم للإفراج عنّا. ارتدينا ملابسنا منذ 7:00 صباحًا وانتظرنا طوال اليوم أن يطلقوا سراحنا. كان انتظار إطلاق سراحنا مُضنيًا جدًّا. تخيّلوا أنّكم تعلمون بأنّه سيتمّ إطلاق سراحكم ولكن لا تعرفون متى سيكون ذلك.

في أحد أيّام السبت جاء سجّانون وأخذوني أنا وثماني سجينات أخريات من شرق القدس وبقيّة الضفّة الغربيّة. قيّدوا أيدينا بالأصفاد بشكل مؤلم عن قصد، وسحبونا من الأصفاد. بقي في السجن سجينة واحدة فقط من جبل المكبّر لم يطلق سراحها معنا. خرجنا من السجن في الساعة 9:00 صباحًا ووصلنا في الساعة 11:00 إلى المسكوبيّة. عندما نزلنا هناك أزالوا الأصفاد عنّا ثمّ قام شرطيّ بتصويرنا بالفيديو. سأل كلّ واحدة: "ما اسمك؟ كيف حالك؟". بعد التصوير قاموا بتقييد أيدينا بالأصفاد مرّة أخرى وأدخلونا إلى زنزانة انتظار. بعد ثلاث ساعات نقلوني إلى زنزانة أخرى، بمفردي، بذريعة أنّني قاصر وممنوع أن أبقى مع النساء البالغات. قال لي السجّان: "إذا حكيتِ لن يطلقوا سراحك". لكن في النهاية وضعوني في زنزانة مع سجينات بالغات أخريات من جنين.

شعرتْ إحداهنّ بالإعياء بسبب الانتظار الطويل والجوع. أخذتُ أصرخ وأطلب منهم أن يأتوا لمساعدتها. حضر شخص معه صندوق أدوات، أي عامل صيانة وليس مسعفًا. قال لها أن تشرب، لكنّها رفضت أن تشرب ماء الصنبور، الذي كان متّسخًا وأصفر اللون هناك أيضًا، فأحضر لها زجاجة ماء مجمّد، لكنّها خشيت أن تشربه هو أيضًا، وبقيت تعاني من الأوجاع والدوار.

بعد ذلك نقلونا إلى زنزانة أخرى لقضاء الليلة. لم تكن هناك بطانيّات. كانت هناك فرشات رفيعة لا يمكن النوم عليها. وكانت في الزنزانة عدّة كاميرات. في صباح اليوم التالي أحضروا لكلّ سجينة شريحة خبز واحدة وقطعة جبنة وخيارة.

في النهاية أعادوني إلى سجن الدامون. لا أعرف لماذا لم يطلقوا سراحي مع سائر السجينات. وفي يوم الاثنين، 27.11.23، أخذوني إلى القدس مرّة أخرى لإطلاق سراحي. أبقوني في المسكوبيّة من الساعة 11:30 صباحًا حتّى 00:30، ثمّ أقلّوني إلى البيت. جاء والدي لاصطحابي لكنّهم منعوه من اصطحابي بسيّارته، فجلس بجواري في سيّارة الشرطة. عندما وصلنا إلى البيت طرد أفراد الشرطة جميع الصحفيّين والأقارب والجيران الذين كانوا ينتظرونني هناك. لم يسمحوا إلّا لأفراد الأسرة المصغّرة باستقبالي في البيت – الأب، الأمّ، الإخوة والأخوات.

- سجّل الإفادة باحث بتسيلم الميدانيّ عامر عاروري في 5.12.23