المحامي سري خوريّة (53 عامًا)، أب لأربعة، من سكّان شفاعمرو

  

بتسيلم - 29/5/2024

أنا متزوّج وأسكن مع زوجتي وأولادنا الأربعة، أبناء 6-17 عامًا. أعمل محاميًا في مجال العقارات ولديّ مكتب خاصّ في حيفا.

في 4.11.23، قرابة الساعة 11:00، وبينما كنت في مكتبي اتّصل بي أخي وقال إنّ عددًا كبيرًا من أفراد الشرطة جاء إلى منزل العائلة في شفاعمرو للبحث عنّي. اتّصلتُ بالشرطة وسألت لماذا يسأل أفراد الشرطة عنّي وماذا يريدون، فأجابوا بأنّهم يريدونني. سألتُ إذا كانوا يريدون منّي أن آتي إليهم، فأجابوا بالنفي.

بعد نحو نصف ساعة جاء ثلاثة أشخاص بملابس مدنيّة إلى مكتبي، دخلوا وجلسوا. حتّى تلك اللحظة لم أفهم ما كان يحدث. عرضوا أمامي أمر اعتقال. ولأنّني محامٍ، يجب الحصول على تصريح خاصّ من النيابة العامّة ومن نقابة المحامين لاعتقالي، وقد حصلوا عليه بالفعل. قيّدوا يديّ بأصفاد بلاستيكيّة واقتادوني إلى الخارج. أخذوني إلى منزلي في شفاعمرو، حيث بدأت المرحلة الصعبة.

أدخلوني إلى المنزل وأنا مقيّد اليدين. طلبتُ منهم زوجتي أن يفكّوا الأصفاد عن يديّ حتّى لا يراها أولادي الصغار، لكنّهم رفضوا. سألوني إذا كان لديّ نقود، فأجبتُ بأنّ لديّ 10,000 شيكل. أخذوا أوراقًا وكتبًا. بعد مداهمة منزلي، أخذوني إلى مركز الشرطة في شفاعمرو، حيث عصبوا عينيّ وقيّدوا يديّ ورِجليّ بأصفاد معدنيّة. وجدتُ صعوبة في المشي. أدخلوني إلى غرفة التحقيق، وهناك اكتشفتُ أنّ سبب اعتقالي هو منشور على الفيسبوك. اعترفتُ بأنّني قمتُ بنشره. سألني المحقّق عن هاتفي الخلويّ، فأجبتُه بأنّهم بحاجة إلى تصريح للحصول عليه ولكن ليس لديّ ما أخفيه. أعطيتُه الهاتف وكلمة المرور.

عندما وصلنا، انقلب عالمي رأسًا على عقب، شعرتُ وكأنّني في غابة. في البداية طلب منّي السجّان أن أخلع ملابسي [...] فأمرني بخلع ملابسي الداخليّة أيضًا. حاولتُ إقناعه بأنّه لا داعي لذلك وقلتُ له إنّ عمري 53 عامًا وإنّني مواطن إسرائيليّ

أخذوني بعد ذلك إلى سجن "مجيدو"، الذي أسمّيه منذ ذلك الحين "أبو غريب"، بسبب التعذيب الشديد الذي تعرّضتُ له هناك. في الطريق إلى السجن كانوا يشتمونني طوال الوقت. عندما وصلنا، انقلب عالمي رأسًا على عقب، شعرتُ وكأنّني في غابة. في البداية طلب منّي السجّان أن أخلع ملابسي. فعلتُ ذلك وبقيت بملابسي الداخليّة. فأمرني بخلع ملابسي الداخليّة أيضًا. حاولتُ إقناعه بأنّه لا داعي لذلك، وقلتُ له إنّ عمري 53 عامًا وإنّني مواطن إسرائيليّ. اعتقدتُ أنّ ذلك قد يساعد، لكنّ السجّان هدّد بأنّهم سيضربونني إذا لم أفعلْ. شعرتُ بانعدام الحيلة، فرضختُ.

أدخلوني، عاريًا تمامًا، إلى زنزانة صغيرة بلا باب تشبه غرفة قياس الملابس في حانوت ملابس. أحضروا جهاز يدويّ لكشف المعادن (مغنومتر) ووضعوه بين رِجليّ بذريعة أنّني أخفي شيئًا ما. في الغرفة التي كانت فيها هذه الزنزانة، كان هناك خمسة شبّان فلسطينيّين يخضعون للتفتيش، وكان السجّانون يضربونهم ويشتمونهم ويهينونهم. نعتني السجّانون بالحمار. كانوا يعلمون بأنّني محامٍ وأرادوا إذلالي. لكن، عندما رأيتُ ما فعلوه بالشبّان الفلسطينيّين الآخرين شعرتُ بأنّ حالتي جيّدة مقارنة بهم. أخذ السجّانون ملابسي وأعطوني فانلّة بيضاء بدون أكمام وبنطلونًا من زيّ السجن وشِبشبًا بلاستيكيّة. أشاروا لي بالمرور عبر ممرّ مشابه لممرّ البقر، يؤدّي إلى غرفة يتمّ فيها إعداد بطاقة للمعتقل. في الطريق تعرّض الشبّان للضرب والإذلال. وعندما وصلنا إلى الغرفة أجبروا الشبّان على تقبيل العلم الإسرائيليّ الذي كان معلّقًا على الحائط. وكلّ من رفض ذلك – تعرّض للتنكيل. حتّى أنّ إحدى السجّانات تصوّرت مع أحد المعتقلين عندما قبّل العلم. طوال الوقت كان هناك ضرب وشتائم وإهانات. عندما جاء دوري، تنازل الضابط وطلب من السجّانين أن يتخطّوني. لا أعرف السبب، ربّما لأنّني محامٍ ومواطن إسرائيليّ. بعد أن صوّروني أخذوني إلى الزنزانة رقم 8 في القسم 10، قسم السجناء الأمنيّين. كانت تلك زنزانة صغيرة فيها سبعة معتقلين وليس فيها أيّ شيء تقريبًا. لم يكن فيها سوى أسرّة حديديّة، بلا فرشات أو وسائد أو بطّانيّات. كان هناك مرحاض فيه حوض صغير، وبابه مكسور. أحضروا من بعدي معتقلَين آخرَين، فأصبح في الزنزانة عشرة معتقلين، وكان الجميع من الضفّة الغربيّة: نابلس وطولكرم وجنين، ما عداي. في الأيّام الثلاثة الأولى كنت محبطًا جدًّا. نادرًا ما تحدّثت مع أحد، ولم آكل على الإطلاق. كان الطعام رديئًا جدًّا وبكمّيّة قليلة جدًّا. كنّا نحصل على صحن واحد من الأرزّ يوميًّا للزنزانة بأكملها. أرزّ وحده، بعض الجبنة البيضاء، شرائح خبز وقطع خيار. لم يتمّ تقديم أيّ أدوات طعام لنا، ولذلك كان علينا أن نأكل بأيدينا. شعرت بالاشمئزاز، بانعدام الحيلة، بالإحباط وبالإذلال. لم أفهم كيف يحدث هذا لي في عمري، كما كان من الصعب جدًّا عليّ أن أرى الإذلال الذي يتعرّض له الناس من حولي. وجدتُ صعوبة في استيعاب هذا الوضع. في الليلة الأولى لم ننم على الإطلاق. كانت هناك نافذة في الزنزانة وكنّا نسمع من خلالها بكاء وصراخ المعتقلين الذين يتعرّضون للضرب من قبَل السجّانين. صرخ السجّانون عليهم طالبين منهم النباح مثل الكلاب. سمعنا بعض المعتقلين ينبحون بالفعل بعد تعرّضهم للضرب. كان السجّانون يتضاحكون بالطبع. كان من الصعب سماع أو رؤية ما يحدث.

أدخلوني، عاريًا تمامًا، إلى زنزانة صغيرة بلا باب تشبه غرفة قياس الملابس في حانوت ملابس. أحضروا جهاز يدويّ لكشف المعادن (مغنومتر) ووضعوه بين رِجليّ بذريعة أنّني أخفي شيئًا ما

في اليوم الرابع من الاعتقال، قال لي أحد المعتقلين: "لا تدعهم يهزمونك، كُلْ، يجب أن تكون قويًّا وتصمد". كلماته أعطتني قوّة، فبدأتُ بتناول الطعام. كنتُ منذهلًا تمامًا من هؤلاء المعتقلين، من قوّتهم وإيمانهم. كانوا حريصين جدًّا على النظافة الشخصيّة وعلى نظافة الزنزانة، رغم أنّه لم تتوفّر لديهم الوسائل اللازمة لذلك. كانوا يتوضّأون للصلاة خمس مرّات في اليوم، ويتأكّدون من تنظيف كلّ شيء رغم عدم توفّر ورق التواليت والصابون. نادرًا ما تلقّينا الصابون، وحتّى عندما تلقّيناه كان ذلك بكمّيّات قليلة جدًّا، رغم أنّنا كنّا نطلب ذلك مرارًا وتكرارًا.

عزلونا عن العالم الخارجيّ. صادروا كلّ شيء. لم يكن هناك شيء – لا راديو ولا أيّ وسيلة إعلام. كلّما كان يأتي معتقل جديد، كنّا جميعًا نسأله عمّا يحدث. كانت هناك وحدة خاصّة مهمّتها ضرب المعتقلين. الأشخاص الذين تعرّضوا للضرب جلسوا بعد ذلك ساعات دون قدرة على الكلام. وبالطبع خلق هذا كلّه الكثير من الضغط النفسيّ. كان هناك صراخ طوال الوقت. وفي الليل كانوا يطرقون الأبواب عدّة مرّات كلّ ليلة، وينيرون المصابيح. كان ذلك بالإضافة إلى الضرب الذي كنّا نسمعه.

كانوا يعدّوننا 3-4 مرّات في اليوم. كان يداهم الزنزانة 16 شخصًا مدجّجًين بالهراوات، يضربون كلّ واحد منّا دون أن نفعل شيئًا. كنت أسمع طوال الوقت صراخ المعتقلين والضرب والشتائم من الزنازين المجاورة. شعرتُ بأنّ هذه هي آخرتي، وخشيتُ ألّا أغادر هذا السجن حيًّا، لأنّه كان يفتقد إلى أدنى القيم الإنسانيّة. سمعتُ من المعتقلين الآخرين في زنزانتي قصصًا مرعبة عمّا مرّوا به. كان أحدهم مصابًا بكسر في رِجله وكانت مضمَّدة بكيس من النايلون. كانت حالته تتطلّب رعاية يوميّة، لكنّ كلّ ما قدّموه له هو حبّة أكامول بين الحين والآخر. وكان هناك معتقل آخر يعاني من جرح مفتوح في جبينه، من جرّاء ضربة شديدة تلقّاها على رأسه. عندما طلبتُ من السجّانين أن يقدّموا لهما العلاج المناسب كانوا يصرخون عليّ قائلين إنّني لا أفهم وهذا ليس من شأني. قالوا لي إنّ هذا ما يحدث لمؤيّدي حماس.

كانت هناك وحدة خاصّة مهمّتها ضرب المعتقلين. الأشخاص الذين تعرّضوا للضرب جلسوا بعد ذلك ساعات دون قدرة على الكلام

في يومي الرابع هناك أخرجونا إلى استراحة في الساحة. فوجئتُ عندما علمتُ بأنّ الجميع يعرف أنّني من إسرائيل وبأنّني محامٍ. سمعتُ الكثير من القصص الصادمة. تحدّث الجميع عن الإذلال والضرب. كان من الصعب جدًّا عليّ أن أستوعب كلّ ما رأيتُه وسمعتُه. كان هناك معتقلون بالغون في السنّ، في الستّينات من عمرهم. كما كان هناك الكثير من المعتقلين الإداريّين الذين اعتقلوا في بداية الحرب لأنّ لديهم ملفّات من اعتقالات سابقة.

حتّى ذلك الحين كنتُ أظنّ أنّني رأيتُ كلّ الفظائع، لكنّ السجّانين كما يبدو لاحظوا أنّني عندما كنتُ جالسًا في الساحة تحدّثتُ مع الجميع، لأنّ وضعي تغيّر في اليوم التالي. نقلوني إلى الزنزانة الانفراديّة رقم 4. كان في هذه الزنزانة كاميرات، وكان لها نافذة وباب يمكن من خلالهما رؤية ما يحدث في الخارج. كانت الزنزانتان 1 و2 بجواري، وسمعتُ ورأيتُ منهما شتائم، إهانات وضربًا. رغم أنّني كنتُ في الزنزانة وحدي، إلّا أنّهم كانوا يأتون لإجراء العدد. قلتُ لهم ـ لكنّني وحدي، فما كان منهم إلّا أن صرخوا عليّ.

في يومي الثاني في الزنزانة رأيتُ معتقلًا آخر يتعرّض للضرب المبرّح. كان برفقة السجّانين الذين ضربوه سجّانة كانت تصرخ عليه وتشتمه. من خلال ما قالوه فهمتُ أنّه من غزّة، وأنّه ربّما من النخبة. كان هناك 4-5 سجّانين قاموا بضربه والتنكيل به. في النهاية طلب أحد السجّانين من السجّانة أن تخرج لأنّه يريد أن يتبوّل عليه، ثمّ سمعتُه يتبوّل عليه قائلًا له: "اشرب يا ابن الشرموطة".

رأيتُ معتقلًا آخر يتعرّض للضرب المبرّح [...] من خلال ما قالوه فهمتُ أنّه من غزّة، وأنّه ربّما من النخبة [...] في النهاية طلب أحد السجّانين من السجّانة أن تخرج لأنّه يريد أن يتبوّل عليه، ثمّ سمعتُه يتبوّل عليه قائلًا له: "اشرب يا ابن الشرموطة"

بعد يومين من الحبس الانفراديّ في الزنزانة أدخلوا إليها صديقي، أحمد خليفة، وهو محامٍ أيضًا. عانقني بقوّة ولم يصدّق أنّه يراني هناك. أخبرني بأنّه معتقل منذ 20 يومًا وحدّثني عمّا مرّ عليه خلال تلك الفترة. تحدّث طوال الليل واعتذر عن عدم تمكيني من النوم. أذكر أنّه تحدّث عن أنّه كان في قسم آخر من السجن نفسه. حتّى ذلك الحين كنتُ أعتقد أنّني المواطن الإسرائيليّ الوحيد الذي يُحتجَز في أقسى الظروف. لكن بعد وصوله شعرتُ بأنّ معاناة كلينا هي نفسها. في اليوم السابع أحضروا إلى الزنزانة محاميًا آخر، في الستّينات من عمره. رفض أن يأكل ويشرب.

في ذلك اليوم كانت لديّ جلسة في المحكمة في عكّا، فأخذوني إلى هناك. كانت القاضية تضع طلاء أظافر وفيه نقش لعلم إسرائيل. قامت على الفور بتمديد اعتقالي. غضبتُ وأشرت نحوها بالأصبع الوسطى. عندما رأى السجّانون ذلك صفعوني وركلوني وشتموني. أخرجوني من هناك مقيّد اليدين والرِجلين وهم يضغطون على رأسي وظهري، منحنيًا مثل كلب. أعادوني إلى سجن "مجيدو" وأدخلوني إلى قسم يلقّب باسم "تورا بورا". في الطريق شاهدتُ سجّانين يضربون معتقلين، كان هناك 3-4 سجّانين يضربون معتقلًا، سمعتُ صرخات وتوسّلات، أشياء لا تصدّق. أدخلوني إلى زنزانة سوداء ومثيرة للاشمئزاز، مليئة بالصراصير والحشرات الأخرى. لم يكن لها نافذة أو مصدر للضوء سوى فتحة صغيرة في الباب.

في اليوم التالي، قرابة الساعة 11:00، أحضروا شابًّا إلى الزنزانة المجاورة لي. لم يتوقّف عن الصراخ من الألم. حاولت التحدّث معه عبر الباب، سألتُه عن قصّته، وقلتُ له أن يهدأ. فقال إنّه يتألّم وإنّه على وشك الموت. كان طوال الوقت يطلب الحصول على علاج طبّي وينادي على المسعف والسجّان. كان يعرفهم ودعا السجّان باسمه "قفطان" ـ لكن لم يردّ عليه أحد. ذات مرّة جاء مسعف وقال له: "لقد أعطيتك 6 أقراص أكامول، وليس لديّ شيء أكثر من ذلك لأعطيك إيّاه". سألتُ الشابّ عن اسمه ولم يخبرني، قال فقط إنّه يعاني ويتألّم ألمًا شديدًا. كلّما كان يأتي أحد السجّانين كنتُ أطلب منهم مساعدته، لكنّهم كانوا يشتمونني في كلّ مرّة، ويقولون لي إنّ هذا ليس شأني، ويأمرونني بالسكوت. واصل المعتقل الصراخ وتوسُّل المساعدة حتّى الفجر، ثمّ صمت. في أثناء العدد سمعتُهم ينادون عدّة مرّات: "مرعي، مرعي". لكن لم يُجب. ثمّ سمعتُهم يفتحون بابه، ونظرتُ عبر الفتحة الموجودة في بابي. دخلوا إلى الزنزانة وبدأوا بضربه، سمعتُ الركلات تصطدم بجسمه. ثمّ سمعت أحدهم يطلب استدعاء الطبيب وإحضار الملفّ. جاء الطبيب بعد بضع ساعات فقط. مكثوا في الزنزانة أكثر من ساعة. بعد ذلك سمعتُ أحدهم يقول بالعربيّة: "المهمّ أنّكم بصحّة جيّدة". ضحكوا جميعًا وأغلقوا الباب. أدركتُ أنّه مات. بعد نحو ساعة عادوا ومعهم نقّالة على عجلات. أخرجوا الرجل ملفوفًا بكيس أسود وغادروا. علمتُ لاحقًا أنّ اسمه هو عبد الرحمن مرعي (33 عامًا)، من سكّان قراوة بني حسّان وأب لأربعة أطفال. حتّى الآن لا أستطيع أن أنسى صوته وتوسّلاته.

فقلتُ له [للمسعف]: ".. أنتم قتلتوه"، فقال لي ألّا أتدخّل. بعد 30 دقيقة دخل خمسة سجّانين إلى زنزانتي، هائجين كالحيوانات المفترسة، وأخبروني بأنّهم سيقتلونني. شعرتُ بخطر حقيقيّ على حياتي وبأنّ الرسالة هي أنّه من الأجدى لي عدم التحدّث عمّا حدث مع مرعي

بعد بضع ساعات أحضر لي مسعف قرص دواء لعلاج مرض السكّري الذي أعاني منه. أخبرتُه بأنّ المعتقل الذي توفّي كان يصرخ طوال الوقت طلبًا للعلاج. فأخبرني المسعف بأنّ مرعي سقط عن السرير العلويّ من سرير خرسانيّ مكوّن من طبقتين موجود هناك في الزنازين. فقلتُ له: "لا، أنتم قتلتوه"، فقال لي ألّا أتدخّل. بعد 30 دقيقة دخل خمسة سجّانين إلى زنزانتي، هائجين كالحيوانات المفترسة، وأخبروني بأنّهم سيقتلونني. شعرتُ بخطر حقيقيّ على حياتي وبأنّ الرسالة هي أنّه من الأجدى لي عدم التحدّث عمّا حدث مع مرعي.

في اليوم التالي، 13.11.23، جاء سجّان وأخبرني بأنّ لديّ جلسة في المحكمة. سألني إذا كان لديّ أيّ اعتراض على المشاركة فيها عبر الهاتف. كنتُ في حالة نفسيّة صعبة جدًّا ولذلك وافقت. أخبرني القاضي بأنّه سيتمّ إطلاق سراحي. قلتُ له ألّا يتمسخر عليّ لأنّي في وضع صعب. قال لي ألّا أخاف، وأنّه سيتمّ إطلاق سراحي. وهذا ما حدث بالفعل.

هذه القصّة كلّها كانت بمثابة فيلم رعب. أنا محامٍ وعشتُ حياتي بشكل طبيعيّ. فجأةً وجدت نفسي في أسوأ مكان في العالم. كانت تلك تجربة قاسية جدًّا. الآن، بعدما أدليتُ بهذه الإفادة، وكان عليّ أن أتذكّر ما كان هناك، عانيتُ من صعوبة في التنفّس عدّة مرّات. أثناء اعتقالي فقدت 7-8 كغم من وزني، خلال 10 أيّام فقط. عندما عدتُ إلى المنزل، بكت زوجتي عندما رأتني، وخاف أولادي منّي لأنّني لم أحلق ذقني طوال ذاك الوقت وكان شعري منفوشًا – لم أبدُ كالشخص الذي كنتُه. عندما تمّ إطلاق سراحي لم يُعيدوا لي ملابسي، ولم أستردّ هاتفي إلّا بعد ثلاثة أشهر.

كانت تلك تجربة مُرعبة.

- سجّلت الإفادة باحثة بتسيلم الميدانيّة سلمى الدبعي، في 29.5.24