بعد 23 عامًا على استشهاد الدُّرة.. واقع صعب يعيشه أطفال فلسطين منذ انتفاضة الأقصى

الدرة.gif
بالرغم من مرور 23 سنّة على جريمة إعدام الطفل محمد الدُّرة في حضن أبيه بدمٍ بارد على مرأى العالم، إلا أنّ ذلك لم يمنع الاحتلال الإسرائيلي، من مواصلة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وخاصة الأطفال منهم.

ففي (30 سبتمبر/ أيلول) من العام 2000 ارتقى محمد الدُّرة (11 عامًا) شهيدًا، بينما كان يحاول الاحتماء بحضن والده "جمال" من رصاص جيش الاحتلال، في واحدة من أبشع الجرائم الإسرائيلية، التي ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني خلال انتفاضة الأقصى الثانية.

ومنذ ذلك الوقت الذي صار فيه الطفل الشهيد محمد الدُّرة أيقونة الانتفاضة ومُلهمها، وحتى يومنا هذا، لم تتوقف "إسرائيل" عن استهداف الأطفال الفلسطينيين سواءً بالقتل، أو الاعتقال، أو الملاحقة اليومية، دون أدنى اعتبار لأي قوانين دولية وإنسانية.

ووفقاً للقانون الدولي، فإن كلمة طفل تشمل كل مَن لم يتجاوز سن الثامنة عشرة من عمره؛ لكن لـ "إسرائيل" قاموسها الخاص، فالطفل، بنظرها شأنه، شأن أي فئة واقعة تحت نيران الاحتلال في فلسطين.

وفي ذكرى هذا المشهد المؤلم، نستعرض في هذا التقرير واقع الأطفال الفلسطينيين بالأرقام، منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، حتى العام 2023 الجاري.

الأطفال الشهداء منذ الانتفاضة..

وثقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، استشهاد أكثر من 2286 طفلًا فلسطينيًا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، وحتى شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، كما رصدت استشهاد 45 طفلًا جراء ما وصفته بـ "النزاعات المسلحة"، خلال الفترة الممتدة من عام 2008 – 2018.

ويقول الباحث الميداني في الحركة العالمية للدفاع عن الطفل محمد أبو ركبة إنّ "عام 2014 كان الأكثر دموية في عدد الضحايا من الأطفال، والذين بلغ عددهم 546 شهيدًا، من بينهم 533 في قطاع غزة، جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع آنذاك".

ويأتي بعد العام المذكور، عام 2009 حيث شهد استشهاد 315 طفلاً، من بينهم 310 شهداء في قطاع غزة، وفقاً لما أورده "أبو ركبة".

الشهداء الأطفال.jpg

جغرافيًا، يتوزع عدد الأطفال الشهداء منذ اندلاع الانتفاضة حتى العام الجاري على النحو التالي: 1722 قطاع غزة، تليه مدينة جنين بواقع 119 طفلاً، ثم نابلس 118 شهيداً، بينما استشهد 88 بالخليل، 87 في رام الله، 45 بمدينة القدس، 38 طولكرم، 37 في بيت لحم، و16 قلقيلية، و9 في سلفيت، و5 من أريحا، و2 بطوباس.

ويؤكد "أبو ركبة" أنّ جيش الاحتلال انتهج سياسات مجحفة في قتل الأطفال، متبعًا بذلك عدة أساليب لاستهدافهم، تنوعت ما بين قصف جوي، وإطلاق نار عشوائي، واشتباكات مسلحة، بالإضافة لارتقاء آخرين جراء انفجار ذخائر للاحتلال.

ولم يسلم الأطفال في فلسطين، من اعتداءات المستوطنين أيضًا، فقد وثّقت الحركة العالمية، استشهاد وإصابة 129 طفلًا منذ عام 2008، حتى عام 2015.

ويوضح أنّ الاحتلال المتواصل لمدينة القدس والضفة الغربية، يخلق بيئةً يتعرّض فيها الأطفال بشكلٍ دوري للاعتداءات، سواءً الجسدية أو النفسية، ما يُلحق الأذى البدني بهم، عدا عن الضغط النفسي وتبعاته على سلوكياتهم.

اطفال.jpg

أطفال بين قضبان السجون..

ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بزهق أرواح الأطفال الفلسطينيين، بل عمدت إلى تقييد عشرات الآلاف منهم، وزجهم في زنازين الأسر، ضمن قرارات مجحفة، وظروف اعتقالية سيئة ولا تراعي أبسط الحقوق الإنسانية المعترف بها دوليًا.

وعن ذلك يفيد المختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، باعتقال قرابة 21 ألف طفل منذ اندلاع انتفاضة الأقصى؛ من بينهم أكثر من 10 آلاف منذ انتفاضة القدس في أكتوبر/ تشرين أول عام 2015، و700 طفل منذ بداية العام الجاري حتى الأول من أيلول/ سبتمبر الجاري.

ويلفت "فروانة" في حديثه أن إدارة سجون الاحتلال تعتقل 170 طفلاً حتى اللحظة، من بينهم 20 طفلاً رهن الاعتقال الإداري.

ويردف إن "أغلبية مَن مرّوا بتجربة الاعتقال من الأطفال جرى اعتقالهم من بيوتهم في ساعات الليل، كما هو الشأن في اعتقالات الكبار، حيث يكبّل الجنود يدي الطفل ويعصب عينيه، قبل أن يجروه بقسوة إلى مكان مجهول".

أطفال4.jpeg
 

وبحسب "فروانة"، فإن الاحتلال لا يكلّف نفسه بإبراز أي أمر قضائي بالاعتقال، ولا يُعلِم ذوي الطفل بالمكان الذي سيُقتاد إليه.

ويضيف أن طرق اعتقال الأطفال في فلسطين متنوعة، فإما تكون عبر مداهمة منازل عوائلهم، أو أثناء تواجدهم بالحارات والشوارع، أو في طريقهم إلى مدراسهم أو العودة إلى بيوتهم.

ويؤكد أنه يتم احتجاز الأطفال في ظروف سيئة للغاية، وضمن شروط حياتية قاسية، ويُعامَلوا معاملة لا إنسانية، وأحياناً بقسوة وعنف، كما يُحرموا أبسط حقوقهم الأساسية، كالتعليم والعلاج والغذاء المناسب وزيارات الأهل من دون عراقيل، والمحاكمة العادلة وغيرها.

ويتعرض الأطفال في سجون الاحتلال إلى صنف أو أكثر من أصناف التعذيب، كالتعذيب الجسدي والنفسي، والإيذاء المعنوي، أو المعاملة القاسية والمهينة، بالإضافة إلى التفتيش العاري والتحرش الجنسي.

ويزيد "فروانة" أنّ البعض تعرض للضغط والمساومة، وأحياناً للابتزاز، لإجبارهم على الاعتراف بتهم يُحاكم عليها القانون الإسرائيلي.

أطفال5.jpg
 

إفادات 766 طفلاً معتقلاً..

وانطلاقاً مما سبق، فقد وثقت الحركة العالمية للدفاع عن الطفل إفادات 766 طفلا فلسطينيا من الضفة الغربية اعتقلتهم قوات الاحتلال في الفترة ما بين 2016 و2022.

وأظهرت الإفادات أن ثلاثة أرباعهم تعرضوا لشكل من أشكال العنف الجسدي بعد الاعتقال، و97% منهم لم يكن أحد الوالدين موجودا معه خلال التحقيق، كما لم يتم إبلاغ ثلثيهم بحقوقهم بشكل صحيح.

وبحسب ما يفيدنا به ضيفنا محمد أبو ركبة من الحركة العالمية، فإن جميع هؤلاء الأطفال، خضعوا للقانون العسكري الإسرائيلي الذي يخلو من ضمانات المحاكمة العادلة والرعاية والحماية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال، فقد تمت محاكمتهم في نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلي غير المستقل أو المحايد.

ويشير ضيفنا إلى أن معظم الأطفال تم اعتقالهم لمجرد الاشتباه، دون أوامر توقيف، ولم يذكر أي من الأطفال البالغ عددهم 766 طفلا أن سلطات الاحتلال أعطتهم مذكرة توقيف وقت اعتقالهم.

أطفال3.jpg
 

وينوّه إلى الاحتلال يعتقل ويحاكم ما بين 500 إلى 700 طفل فلسطيني أمام محاكم عسكرية تفتقر إلى الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، ومنذ لحظة الاعتقال، يتعرض الطفل لسوء المعاملة والتعذيب على أيدي قوات الاحتلال.

وعلى الرغم من أن المعايير الدولية تشدد بعدم مثول المدنيين بمن فيهم الأطفال، أمام محاكم عسكرية، إلا أن "إسرائيل" مستمرة في كونها الوحيدة في العالم، التي تحاكم الأطفال بشكل منهجي ومستمر أمام المحاكم العسكرية.

قوانين ضد الأطفال المعتقلين

وبالعودة إلى المختص عبد الناصر فروانة، يقول إنّ الكنيست الإسرائيلي ناقش وأقرّ خلال الأعوام القليلة الماضية، عدة قوانين تهدف إلى تسهيل إجراءات اعتقال الأطفال الفلسطينيين وتشديد العقوبات بحقهم.

ومن بين هذه القوانين، قانون محاكمة الأطفال دون سن الـ 14 عاماً، وقانون تشديد عقوبة الحد الأدنى على راشقي الحجارة في القدس، قانون رفع الأحكام بحق الأطفال راشقي الحجارة.

المصدر:وكالة سند للأنباء