حجز حساباتهم ومصادرة ممتلكاتهم.. عقوبات جماعية في القدس تطال عائلات الأسرى والمحررين

القدس المحتلة- بُعيد عملية الدهس التي نفذها الشاب المقدسي حسين قراقع في مستوطنة راموت المقامة على أراضي المدينة المقدسة، انطلقت التصريحات والقرارات العنصرية على ألسنة المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين ومن بينهم وزير الجيش يوآف غالانت الذي قرر فرض عقوبات مالية على 87 أسيرا مقدسيا وعائلاتهم بذريعة تلقيهم مخصصات من السلطة الفلسطينية.

وتُرجمت العقوبات المالية على الأرض بأشكال متعددة؛ أبرزها الحجز على الحسابات البنكية لأسرى لا يزالون معتقلين وعائلاتهم وكذلك لأسرى محررين (سابقين)، ومداهمة عشرات المنازل ومصادرة مصاغ ذهبي وسيارات ومقتنيات أخرى ثمينة.

وتطالب سلطات الاحتلال العائلات المقدسية بتسديد مبالغ مالية ضخمة مقابل رفع الحجز عن الحسابات البنكية.

 

قرصنة الأموال

في بلدة سلوان التي نالت عائلات أسراها وكذلك أسراها السابقون نصيبا من العقوبة الجديدة، اتجهت الجزيرة نت للقاء المقدسية إيمان الأعور التي تحررت من السجون الإسرائيلية قبل عام واحد.

فوجئت الأعور قبل أيام بالحجز على حسابها البنكي المشترك الخاص بها وبزوجها، وبعد الفحص أبلغتها الموظفة أن هذا الإجراء مصدره "جهة أمنية". وقالت "اتجهتُ لسحب راتب زوجي لأكتشف أن حسابنا المشترك وحساب نجلي الأسير السابق حُجز عليها بشكل جماعي، وتطالبني سلطات الآن بدفع 20 ألف دولار أميركي، ونجلي بدفع المبلغ ذاته لفك الحجز عن حساباتنا".

وعن الخطوة التي تنوي هذه العائلة اتخاذها بعد هذا الإجراء، أكدت الأسيرة السابقة أنها لن تلجأ إلى تسوية الأمر مع أي جهة، ولن تقبل أن يُرفع الحجز عن حسابها مقابل دفع المبلغ بآلية التقسيط المريح، كما اقترحت عليها سلطات الاحتلال.

وأضافت "الصمت سيزيد من إذلالنا، ودفع المبلغ سيعطي الاحتلال الضوء الأخضر لممارسة مزيد من الضغوط والتنكيل بنا. والحل الأمثل هو التحرك ورفض هذه العقوبات بشكل جماعي".

وتصف الأسيرة السابقة الدوائر الرسمية الإسرائيلية بـ"عصابات الأموال" التي تستهدف نهب ما تبقى من أملاك المقدسيين لدفعهم إلى الهجرة الطوعية من القدس، مشيرة إلى أن كل الأسرى وعائلاتهم عانوا من مصادرة كثير من محتويات منازلهم وممتلكاتهم والآن يريد الاحتلال إحكام القبضة عليهم من خلال حصارهم اقتصاديا وضربهم في لقمة عيشهم.

وفي ردها على الإجراءات الانتقامية الجديدة القديمة، قالت الأعور إنها لا تزيدها إلا قوة وثباتا وإصرارا على الرباط في القدس.

لم تكن أسرة إيمان الأعور الوحيدة المتضررة في سلوان، بل شمل الإجراء العقابي الجديد شقيقتها خلود ونجلها صهيب، وتطالب سلطات الاحتلال كلا منهما بدفع مبلغ 33 ألف دولار أميركي مقابل رفع الحجز عن حسابيهما.

ولوحظ استهداف الاحتلال للعائلات التي تنحدر أو تعيش في البلدات المقدسية المشتعلة بالأحداث، فبُعيد عملية الفدائي حسين قراقع جاء الانتقام جماعيا من أسرى بلدته العيساوية وعائلاتهم ومن أهالي البلدة القديمة وسلوان المجاورة لها.

 

حسابات عشرات الأسرى

ولم تتضح بعد الآلية التي قرر الاحتلال بموجبها فرض المبالغ المالية على العائلات المقدسية، إذ لا تنسجم الغرامات المفروضة مع المدة التي قضاها الأسرى داخل السجون بل فاقتها بكثير، وفق ما أكده رئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد أن عمليات القرصنة والحجز على الحسابات البنكية ومصادرة الأموال استهدفت حتى الآن 160 مقدسيا بينهم 24 أسيرا يقبعون حاليا خلف القضبان، و55 أسيرا محررا و81 من أفراد عائلات الأسرى.

وبينما شملت العقوبات المالية زوجات عدد كبير من الأسرى، لوحق آباء وأمهات غير المتزوجين منهم لأنهم يتلقون مخصصاتهم الشهرية من السلطة الفلسطينية عوضا عنهم.

وخلال الاقتحامات الواسعة لمنازل الأسرى والأسرى المحررين، تعمّد جنود الاحتلال تخريب محتوياتها وتحطيم الأثاث والاعتداء اللفظي والجسدي على الأهالي، كما لوحظ مصادرة المصاغ الذهبي، في قرصنة لم تكن شائعة سابقا.

 

سرقة سوار من يد رضيعة

يذكر أبو عصب أن المخابرات الإسرائيلية كانت تطالب النساء أن يجلبن مصاغهن الذهبي ويضعنه في جيوبهن كي لا يتهمن القوات المقتحمة للمنزل بسرقتها، لكن قبيل الخروج من أي منزل كانت هذه القوات تأخذ الذهب من النساء بالقوة وبذلك توفر على نفسها عناء البحث عنه.

وفي أحد منازل الأسرى التفت أحد عناصر المخابرات إلى سوار ذهبي في يد رضيعة هي ابنة أحد الأسرى، فصادر السوار قبل مغادرة المنزل.

 

نتائج عكسية

وإذا كانت هذه الانتهاكات ستعيد الهدوء لمدينة القدس وتوقف العمليات ضد الاحتلال، أجاب أبو عصب أن الاحتلال يخطئ دائما في قراءة سلوك الشعب الفلسطيني، ويجب أن يتعلم أن الإجراءات الظالمة وسياسة البطش والقبضة الحديدية لن تحقق له الهدوء يوما بل ستنعكس عليه سلبا.

وهذه الانعكاسات السلبية تدركها الأوساط الإسرائيلية أيضا؛ ففي الإطار ذاته حذّر رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير من عواقب تصعيد إجراءات الشرطة في شرقي القدس، وطالبه بتخفيفها، مؤكدا أنها ستدفع مزيدا من الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات وليس منع وقوعها.

وكانت العقوبات المالية واحدة من سلسلة عقوبات تصاعدت أخيرا ضد أهالي القدس، أبرزها تسريع إجراءات هدم المنازل خاصة "الهدم العقابي" المتعلق بمنازل منفذي العمليات.

كما لجأ الاحتلال قبل أيام إلى فصل زوجة الشهيد حسين قراقع من عملها كمساعدة تربوية، وتوعّد والده بسحب حق الإقامة في القدس منه، وذلك بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يقضي بسحب الجنسية الإسرائيلية المؤقتة أو حق الإقامة من منفذي العمليات وعائلاتهم بهدف ترحيلهم من العاصمة المقدسة.

المصدر : الجزيرة