متى يعانق الأسرى الفلسطينيون الحرية؟

  

فيحاء عبد الهادي

2023-04-26

«يا داميَ العينينِ والكَفَّينِ/ إنّ الليلَ زائل/ لا غُرفَةُ التوقيفِ باقيةٌ/ ولا زَرَدُ السلاسِل/ نيرونُ ماتَ ولم تَمُت روما/ بِعينيها تُقاتِل/ وحُبوبُ سُنبَلةٍ تَجِفُّ/ سَتَملأُ الوادي سَنابِل».                     محمود درويش
---
يطلّ نيسان، والسابع عشر منه تحديداً ليصفعنا على وجوهنا، مذكِّراً بالأبطال الفلسطينيين، الذين ما زالوا خلف القضبان، يحلمون بالحرية.
كلما سمعت خبراً يفيد بأن أسيرة محرَّرة أو أسيراً محرَّراً قد عانق الحرِّية، تساءلت إذا ما كانت الأسيرة أو الأسير قد حرِّرَ فعلاً؟
هل تحرَّر/ت بعد إضراب طويل عن الطعام؟ بعد صفقة تبادل للأسرى مع المحتلّ الصهيوني؟ بعد مفاوضات سياسية أدّت إلى تحريره/ا؟ بعد ضغط دولي مكثف؟ أم إنه/ا عانق/ت الحرية بعد استيفاء مدة حكمه/ا؟
وأتساءل إن كان يجوز إطلاق تعبير أسير محرّر، أو أسيرة محرَّرة، على من أمضى/أمضت مدة حكمه/ا كاملة في المعتقل؟ أليس الأكثر دقة أن نقول: عانق/ت الأسير/ة الحرية، بعد أن أمضى/أمضت مدة.. في الأسر؟
*****
ما الذي ينتظره الأسرى منا، ليس في يوم الأسير الفلسطيني فقط، بل على امتداد العام؟  
تظاهرات واسعة؟ وقفات تضامن وإسناد؟ اعتصامات؟ اهتمام ورعاية للأهل؟
مذكرات للمنظمات الحقوقية العربية والدولية تؤكِّد بالحقائق والأرقام على انتهاك سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأعراف والقوانين الدولية كافة الخاصة بالتعامل مع الأسرى؟ بالتنسيق مع هذه المنظمات لإقامة فعاليات تضامنية جماهيرية واسعة؟ تضغط لإطلاق سراحهم؟
إضراب عن الطعام، يصاحب كل إضراب يخوضونه؟
توثيق تجاربهم/ن الإنسانية، وشهاداتهم/ن المشفوعة بالقسم، التي يمكن أن تساهم في رفع قضايا قانونية ضد انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، في المحاكم الدولية؟
نعم، ينتظرون ويستحقون كل ذلك، وما هو أكثر من ذلك بكثير.
*****
من حقّ الأسرى علينا أن نستمع إليهم طويلاً، وأن نوثِّق حكاياتهم، وأن نرفع مطالبهم العادلة إلى كل العالم، دولاً، وشعوباً، ومنظمات دولية، ومؤسسات مجتمع مدني، ومؤسسات حقوقية، وشعبية، وحركات اجتماعية، متسلحين بالمواثيق الدولية، التي أكَّدت على حق كل شعب محتلّ، أن يقاوم الاحتلال كي يحصل على الاستقلال والحرية وتقرير المصير، باستخدام الوسائل السلمية والمسلحة، وضمن هذا المفهوم يصبح كل من يقاوم احتلال بلاده، ويسعى لتحريرها مناضلاً/مناضلة من أجل الحرية.
ومن حقهم علينا أن نطلق أوسع حملة للمطالبة بوقف سياسة العنف والتمييز والإهمال الطبي والعزل الانفرادي، ولمساندتهم في نيل حقوقهم القانونية والاجتماعية والإنسانية، التي كفلتها قواعد القانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، لعام 1984.
ومن الضروري أن تصل تفاصيل انتهاكات هذه الحقوق موثقة إلى محكمة العدل العليا، وإلى المحكمة الجنائية الدولية؛ لضمان عدم إفلات مجرمي الحرب من العقاب.
علينا أن نفضح - ضمن أوسع حملة عربية ودولية - فاشية الاحتلال الاستعماري العنصري، التي تتنامى عاماً بعد عام وتشرِّع المزيد من القوانين العنصرية التي تخالف المواثيق الدولية، مثل مشروع قانون يحرم الأسرى من العلاج وإجراء العمليات الجراحية، وقانون سحب الجنسية والإقامة من أسرى مقدسيين ومن فلسطينيي 1948، ومشروع قانون يجيز إعدام الأسرى الذين نفَّذوا عمليات مقاومة ضد الاحتلال، وتواصل سياسة الاعتقال الإداري التي تنتهك الحق في ضمان إجراء محاكمة عادلة علنية، حيث لا يبلّغ الأسير بتفاصيل التهمة الموجَّهة له، وبالتالي لا يسمح له بالدفاع عن نفسه.
*****
لا يمكن أن ينفصل هدف تحرير الأسرى عن هدف تحرير الوطن، ولا يمكن أن يتحقق قبل إجراء وقفة نقدية لمسارنا السياسي المأزوم، ودون أن يرتبط بمشروع نهضوي فلسطيني تحرّري، وإستراتيجية تحرّرية شاملة.
حذَّر نادي الأسير الفلسطيني من تفاخر القيادات السياسية، وبعض الأفراد، بعدد سنين الاعتقال لهذا المناضل أو ذاك من الأسرى والأسيرات. كم هو موجع هذا التفاخر! والموجع أكثر أن يكون الانتصار لقضية الأسرى موسمياً، ومرتبطاً ببعض المناسبات والأحداث، وأن تمضي السنة تلو السنة دون أن نبذل جهوداً حقيقية لرأب الصدع الداخلي الفلسطيني، وإعادة بناء نظام سياسي فلسطيني على أساس ديمقراطي، ووضع إستراتيجية وطنية كفاحية، قادرة أن توجِّه الجهود كلها نحو مقاومة المحتلّ الصهيوني، وتعبر بنا نحو أفق سياسي قادر على تحقيق الحرية والاستقلال والعودة.