هشام صالح (38 عامًا)، أب لأربعة، من سكّان الساوية في محافظة نابلس

  

بتسيلم - 31/3/2024

في يوم السبت الموافق 28.10.23، قرابة الساعة 13:30، كنتُ في طريقي مع أفراد طاقم من شبكة CNN لأدلّهم على المكان الذي قُتِل فيه أخي، بلال صالح (39 عامًا)، الذي أطلق النار عليه مستوطن خلال قطف الزيتون، في وقت سابق من ذلك اليوم.

وصلنا إلى نقطة على شارع 60 تطلّ على بستان الزيتون الخاصّ بنا، في أراضي الساوية، على بُعد 50 مترًا عن الطريق. كانت هناك سيّارات جيب تابعة للشرطة وحرس الحدود، وسيّارة من نوع سافانا، وسيّارة جيب بيضاء صغيرة أعتقد أنَّها تابعة للإدارة المدنيّة.

احتجزني أفراد الشرطة وفتّشوني. سألني أحدهم إن كنتُ قد تواجدتُ في المكان وقت الحادثة. فرددتُ عليه بالإيجاب وشرحتُ له أنّنا أتينا لنقطف الزيتون - أنا وأخي وأولادنا وسكّان آخرون؛ ثمّ حضر أربعة مستوطنين، أحدهم مسلّح بمسدّس وآخر بسلاح طويل. سألني إذا كنّا قد ألقينا حجارة على المستوطنين فقلتُ لا، وقلتُ إنّ المستوطنين هم الذين صرخوا علينا وطردونا بذريعة أنّ البستان لهم - أنّه تابع لمستوطنة "رحليم". قلتُ له إنّ هذه أرضنا منذ أجيال وأجيال وإنّني كنتُ آتي إليها مع والدي منذ وعيتُ على الدنيا، وقبل أن يقيموا مستوطنة "رحليم" على بُعد 500 متر عن أرضنا.

قيّدوا يديّ خلف ظهري وأجلسوني على الأرض. حقّق معي ضابط مخابرات كان هناك، ربّما كان اسمه رمزي. سألني مرّة أخرى عن إلقاء الحجارة وقلت له إنّنا لم نفعل شيئًا، وإنّ المستوطن أطلق النار عندما رفض أخي الخروج من الأرض، وهذا كلّ ما في الأمر.

عندما طلب أحد المعتقلين في الزنزانة المجاورة لنا تغيير اللبن لأنّ تاريخ صلاحيته قد انتهى، عاقبوا جميع السجناء الذين في الزنزانة: أفلتوا الكلاب عليهم، ضربوهم بالهراوات، جرّوهم إلى المرحاض وضربوهم هناك

قال لي المحقّق: "أنت تعالَ معنا". أخذوني بسيّارة جيب بيضاء إلى محطّة الشرطة في مستوطنة "أريئيل". أراني صورة للجنازة على الحاسوب وقال لي إنّ هناك أعلامًا لحركة حماس. فقلتُ له إنّه ليس لديّ أيّ فكرة عمّا كان هناك وإنّ جميع سكّان البلدة شاركوا في الجنازة. لقد قُتل أخي أمام عينَيّ، ولم أهتمّ بأيّ شيء آخر. أنا لا أنتمي إلى أيّ فصيل، وكانت هناك أعلام لحركة فتح أيضًا.

استمرّ التحقيق نصف ساعة أخذوني بعده إلى سجن "عوفر". عند المدخل فتّشوني وأنا عارٍ. أعطوني ملابس السجناء وأدخلوني إلى غرفة لمعتقلي حركة فتح. كنّا قرابة 10 معتقلين، نام 6 منّا على الأرض والباقي على أسرَّة. كانت هناك بطانيّة واحدة لكلّ معتقل. شعرنا بالبرد، لكن لم تكن هناك فائدة من طلب المزيد من البطانيّات لأنّنا علمنا بأنّهم لن يعطونا. لم تكن هناك وسائد حتّى. كان من الصعب جدًّا النوم بسبب الفرشة الرفيعة والبطانيّة الخفيفة. كنّا ننام الواحد بجانب الآخر ونضع بطانيّاتنا الواحدة فوق الأخرى للحفاظ على الحرارة قليلًا.

كان الطعام سيّئًا كمًّا ونوعًا. حصلنا على وجبات لا يمكنها أن تُشبع إنسانًا. لم يكن الطعام مطبوخًا جيّدًا، وفي معظم الأحيان كان فاسدًا- البيض واللبن، على سبيل المثال. ذات مرّة، عندما طلب أحد المعتقلين في الزنزانة المجاورة لنا تغيير اللبن لأنّ تاريخ صلاحيته قد انتهى، عاقبوا جميع السجناء الذين في الزنزانة: أفلتوا الكلاب عليهم، ضربوهم بالهراوات، جرّوهم إلى المرحاض وضربوهم هناك. وفي اليوم التالي رأيتُ أنّ دماءهم لا تزال على الأرض. بعد ذلك نقلوهم إلى زنازين أخرى.

ذات مرّة أحضروا معتقلًا من مخيّم بلاطة للاجئين، لا أتذكّر اسمه. كان مصابًا في يده وخصره ويعاني من آلام شديدة. طلب أن يعالجوه، لكنّهم كانوا يعطونه مسكّنًا للأوجاع ومرهمًا لوضعه على الجروح مرّة واحدة في الأسبوع فقط. كنتُ أستيقظ في الليل على أنين وجعه.

لم يكن هناك شيء في داخل الزنازين في كلا الجناحين. إطلاقًا. حتّى أبسط الأشياء، مثل بلاطة تسخين كهربائيّة أو سخّان ماء كهربائيّ، كانت ممنوعة. كان كلّ شيء ممنوعًا

كان هناك أيضًا شابّ من منطقة أبو ديس لم يكن قادرًا على استخدام مرحاض القرفصاء بسبب الآلام في رِجله، لكنّهم لم ينقلوه إلى زنزانة أخرى فيها مرحاض ذو مقعد. كان المعتقلون الآخرون يدخلون معه إلى المرحاض لمساعدته. مكث معنا لمدّة شهر تقريبًا.

في مرحلة ما نقلوني من الجناح 14 إلى الجناح 16. لم يكن هناك شيء في داخل الزنازين في كلا الجناحين. إطلاقًا. حتّى أبسط الأشياء، مثل بلاطة تسخين كهربائيّة أو سخّان ماء كهربائيّ، كانت ممنوعة. كان كلّ شيء ممنوعًا. لم تكن هناك أيّ وسيلة للحصول على معلومات عن العالم الخارجيّ، لا تلفزيون ولا راديو. كان المعتقلون الجدد هم المصدر الوحيد للمعلومات.

ذات مرّة حاول شابّ كان معي في الزنزانة الحصول على ملح من الكانتين، فعاقبوا كلّ مَن كان في الغرفة. أغلقوا الزنزانة ولم نخرج منها على الإطلاق لمدّة أسبوع كامل، ولا حتّى إلى الحمّام. بعد أسبوع، نقلوا معظم المعتقلين إلى زنازين أخرى.

كلّ شيء حصلنا عليه كان بكمّيّات نزيرة جدًّا. مثلًا: المناديل الورقيّة والشامبو - حصل كلّ سجين على قدر ضئيل من الشامبو في كوب بلاستيكيّ، أقلّ من ربع كوب، لمدّة يومين. هذا لا يكفي للاستخدام حتّى لمرّة واحدة، لأنّه لا يوجد صابون لغسل الجسم. فاستخدمناه للجسم وللشعر وحتّى لغسْل الملابس. وكنّا أحيانًا ننظّف الأرضيّة أيضًا بالشامبو، واضطررنا أكثر من مرّة إلى تنظيف الزنزانة بمعجون الأسنان، لأنّها كانت كريهة الرائحة حقًّا لعدم وجود تهوية جيّدة، ولأنّ المرحاض وحوض الاغتسال موجودان في داخلها. يوجد في الزنزانة رطوبة وحشرات، مثل البقّ، ما سبّب لنا الحكّة. طلبنا منهم أن يقوموا بتطهيرها وأن يهتمّوا بالمشكلة، لكنّهم تجاهلوا. اضطررنا أيضًا إلى تعليق ملابسنا لتجفيفها في الزنزانة، وهذا ما زاد بالطبع من مشكلة الرطوبة والرائحة الكريهة.

كانت الكهرباء متوفّرة من الساعة 17:00 حتّى الساعة 5:00 صباحًا فقط. الإضاءة كانت خافتة جدًّا، خاصّة في ساعات المساء وفي الصباح الباكر، لأنّ هناك جدارًا مرتفعًا في الخارج أمام النافذة يحول دون دخول نور الشمس إلى الغرفة.

كلّ مَن كانت لديه ملابس للتبديل صادروها منه. بقينا أسابيع بنفس الملابس دون أن نبدّلها. عندما تمّ إطلاق سراحي خرجتُ بملابس سلطة السجون وتركتُ هناك الملابس التي كنتُ أرتديها عندما تمّ اعتقالي، لكي يتمكّن السجناء الآخرون من استعمالها.

تمّ إطلاق سراحي في 19.2.24 بعد أن أودعت لي عائلتي كفالة قدرها 5,000 ش.ج. قدّموا ضدّي لائحة اتّهام بالانتماء إلى حماس والتحريض أثناء جنازة أخي الذي قُتل بأيدي مستوطن. لم أعتقل في السابق إطلاقًا وكان لديّ حتّى 7 تشرين الأوّل تصريح دخول للعمل في إسرائيل.

كنتُ ألتقي بالمحامي في غرفة كان هو يجلس فيها خلف فاصل شفّاف، وأتحدّث معه عبر الهاتف. كانت الجلسة نفسها تُجرى عبر الـ "زوم"، ولم يسمحوا لي بالتحدّث خلالها، وإنّما بالاستماع فقط

خلال أوّل أسبوعين من الاعتقال عُقدتْ لي جلسات محكمة في معسكر "عوفر" نفسه. كنتُ ألتقي بالمحامي في غرفة كان هو يجلس فيها خلف فاصل شفّاف، وأتحدّث معه عبر الهاتف. كانت الجلسة نفسها تُجرى عبر الـ "زوم"، ولم يسمحوا لي بالتحدّث خلالها، وإنّما بالاستماع فقط.

طوال فترة الاعتقال كلّها لم أقصّ شعري ولم أحلق، وكلّ ما قمتُ به هو تخفيف شاربي لئلّا يتّسخ من الطعام وتقليم أظفاري. عندما تمّ إطلاق سراحي كان من المهمّ بالنسبة لي أن أقصّ شعري قبل أن ألتقي بأولادي وبزوجتي، وقبل أن أزور عائلة أخي الذي قُتل، والذي لديه 4 أطفال، أكبرهم عمره 14 سنة وأصغرهم 5 سنوات.

عندما تم إطلاق سراحي تألّم قلبي كثيرًا جدًّا على جميع الأشخاص الذين ظلّوا رهن الاعتقال في تلك الظروف القاسية. خرجتُ مع قائمة بأرقام هواتف لعائلات معتقلين، لكي أتّصل بهم وأوصل إليهم سلامات أحبّائهم ومعلومات عنهم. لكن أثناء التفتيش الجسديّ الذي أجروه لي قبل مغادرتي صادروا القائمة منّي. حتّى أنّهم أخذوا منّي محضر المحكمة. قال لي السجّان إنّهم إذا عثروا على مزيد من الأوراق معي فسوف يعيدونني إلى السجن لشهرين آخرين، لذا لم أتمكّن للأسف من الاتّصال بعائلات المعتقلين وطمأنتها.

من المفترض بي المثول أمام المحكمة لجلسة أخرى في 26.5.24.

- سجّلت الإفادة باحثة بتسيلم الميدانيّة سلمى الدبعي في 31.3.24.