محمد الجمل, 41 عاماً، أب لخمسة، من سكّان مدينة رفح

  

بتسيلم - 17/11/2023

أعاني منذ عدّة سنوات من مشاكل تتعلّق بغضروف الرّقبة. تلقّيت علاجات كثيرة في المستشفى الأوروبيّ ومستشفى الشفاء في مدينة غزّة، ولأنّ حالتي الصحية لم تتحسّن حوّلني الأطبّاء إلى العلاج في مستشفى المقاصد في شرقيّ القدس. حصلت على تصريح دخول من الجانب الإسرائيلي ووصلت إلى المستشفى في 26.9.23. غادرته في 7.10.23 وكان من المفترض أن أعود إلى غزّة، لكن إسرائيل أغلقت المعابر في أعقاب هجوم حماس.

سافرتُ إلى أصدقاء لي في رهط وبقيت هناك ثلاثة أيّام ثمّ قرّرت السفر إلى الخليل مع عمّال من غزّة كانوا يعملون في رهط والبقاء هناك في انتظار أن يفتحوا معبر "إيرز" لكي نتمكّن من العودة إلى قطاع غزّة.

كنّا نحو 400 شخص، معظمهم عمّال، والطعام الذي كانوا يجلبونه لنا يكفي لخمسين شخصاً

عندما وصلنا إلى معبر ترقوميا أوقفوني على الحاجز، مع عمّال آخرين. كبّل الجنود أيدينا إلى الخلف بقيود بلاستيكيّة، عصبوا أعيننا وأجلسونا راكعين على الرّكبتين ووجوهنا إلى الحائط. جلسنا هناك عدّة ساعات وطوال الوقت كان الجنود يشتموننا ويهينوننا ويصرخون علينا. بعد ذلك نقلونا إلى مكان افترضت أنّه معسكر للجيش. أجلسونا هناك في مكان واسع وخالٍ من أيّ شيء للجلوس عليه. كنّا نحو 400 شخص، معظمهم عمّال، والطعام الذي كانوا يجلبونه لنا يكفي لخمسين شخصاً.

لاحقاً أخذوني للتحقيق. سألني المحقّق هل أعرف أحداً من الأشخاص الذين دخلوا إلى البلدات الإسرائيليّة. قلت له إنّني لا أعرف أحداً ولم أرَ أيّاً منهم أصلاً. أوضحت له أنّني مريض ولا علاقة لي بأيّ أحد منهم.

قال لي المحقّق عدّة مرّات أنّ عائلتي قُصفت وأنّ الجميع قد ماتوا. عرض أمامي صوراً لقصف وقال إنّه قرب منزلي. توتّرت كثيراً وخفت على عائلتي، لكنّني حاولت أن لا أظهر ذلك لكي لا يستغلّوه ضدّي. بعد ذلك أخرجوني من غرفة التحقيق.

في ساحة السّجن كانت مجموعة من الكلاب وكان الجنود يشجعونها لكي تنبح علينا. كان نباحها مخيفاً جدّاً لكنّني حاولت أن أحافظ على هدوئي.

كانوا يقدمون لنا الطعام والماء على فترات متباعدة فقط، ربّما مرّة واحدة كلّ يوم ونصف اليوم وبكمية قليلة. كانوا يُجبروننا على الرّكوع معظم الوقت

أرضيّة المكان لم تكن مبلّطة وكنّا ننام جميعاَ على قطع كرتون أو بطانيّات رقيقة على التراب والحصى مباشرة. كان ذلك مؤلماً.

كانوا يقدمون لنا الطعام والماء على فترات متباعدة فقط، ربّما مرّة واحدة كلّ يوم ونصف اليوم وبكمية قليلة. كانوا يُجبروننا على الرّكوع معظم الوقت. من حين لآخر كانوا يضربوننا ويهدّدوننا بالسّلاح، حتّى أنّهم أطلقوا النار بين أقدامنا أحياناً. وأحياناً كانوا يتّهموننا بأنّنا تعاونّا مع حماس وشاركنا في هجوم 7.10.

بعد بضعة أيّام نقلونا إلى سجن آخر، قالوا لنا إنّه سجن "عوفر". هناك أخذوا منّا النقود وبطاقات الهُوية. المعاملة هناك أيضاً كانت سيّئة جدّاً. أدخلونا إلى ساحة السّجن وكانت هي أيضاً مرصوفة بتراب وحصىً. أبقونا هناك أربعة أيّام دون فرشات أو بطانيّات أو أيّ شيء نتغطّى به. جسمي كلّه كان يؤلمني، وخاصّة عُنقي. لقد عانيت كثيراً.

قدموا لا الطعام بكميات قليلة جدّا، وما قدموه كانوا يُلقونه نحونا من بعيد - خُبز أو عُلب من منتجات الألبان. وكانوا كلّما مرّوا قربنا يشتموننا ويصرخون علينا.

خفت على زوجتي وأولادنا وعلى إخوتي وعائلاتهم، وخاصّة بعد أن قال لي المحقّق أنّهم قصفوا عائلتي. اعتقدت أنّهم ماتوا جميعاً

كنت معتقلاً في هذه الظروف مدّة 23 يوماً. كانت تلك من أصعب أيّام حياتي، خاصّة في سجن "عوفر". لقد أشبعونا إهانات وضرباً وصراخاً وشتائم وتوبيخاً، وعانيت الجوع والعطش وقلّة النوم. كنت خائفاً طوال الوقت. خفت على نفسي وعلى عائلتي في غزّة. خفت على زوجتي وأولادنا وعلى إخوتي وعائلاتهم، وخاصّة بعد أن قال لي المحقّق أنّهم قصفوا عائلتي. اعتقدت أنّهم ماتوا جميعاً. كنت في حالة من عدم اليقين كل الوقت وكان ذلك صعباً جدّاً.

بقيت هكذا حتى يوم الجمعة، 3.11.23. فجأة، في ساعات الصّباح، كبّل الجنود أيدينا وعصبوا أعيننا وأدخلونا إلى حافلات. وصلنا إلى معبر تبيّن لاحقاً أنّه معبر كرم أبو سالم (كيرم شالوم). هناك أزالوا القيود عن أيدينا والعصبات عن أعيننا وأخلوا سبيلنا. قالوا "اذهبوا إلى غزّة" فبدأنا السّير. مشيت مسافة تقارب ستّة كيلومترات حتى وصلت إلى منزلي في رفح منهكاً تماماً. كان كلّ جسمي يؤلمني، ولا يزال حتى الآن. كذلك لا يفارقني الإحساس بالمهانة جرّاء معاملة الجنود والكراهية التي أبدوها تجاهنا، رغم أنّه لم تكن لنا أية علاقة بتاتاً بهجوم حماس في 7.10.23.

- هذه الإفادة سجّلها باحث بتسيلم الميدانيّ محمد صبّاح في 17.11.23