محمّد نزّال (18 عامًا)، من سكّان قباطية في محافظة جنين

  

بتسيلم/ 29.11.23

في 27.8.23، عند الساعة الرّابعة فجرًا، دهم ما يقارب 15 جنديًّا منزلنا في الحيّ الغربيّ من قباطية. قيّد الجنود يديّ وعصبوا عينيّ بقطعة قماش ثمّ أخرجوني من المنزل وأدخلوني إلى جيب عسكريّ. في الجيب أجلسوا قبالتي كلبًا أخافني جدًّا. أثناء سير الجيب كان جنود الاحتلال يضربونني على رأسي وعُنقي. أنزلوني في معسكر "دوتان" واحتجزوني هناك مدّة أربع ساعات ثمّ نقلوني إلى معسكر آخر، ما زلت حتى الآن لا أعرف ما هو، واحتُجزت فيه مدّة ساعتين تقريبًا. من هناك أخذوني إلى مُعسكر حوّارة حيث احتجزوني مدّة ثمانية أيّام أخذوني خلالها إلى المحكمة في سالم. في نهاية الجلسة قرّروا تمديد اعتقالي لمدّة ثمانية أيّام أخرى.

بعد سفر ساعات طويلة، ضربني عناصر وحدة "نحشون" مجدّدًا، كما فتّشوني عاريًا وصوّروني عاريًا

بعد الجلسة حقّق معي محقّق شرطة في سالم. سألني عن عملي وعن نشاطي، ثمّ قال إنّني مشتبه برشق حجارة وإلقاء عبوات "كوع". أجبته أنّني لا أقوم بأفعال كهذه. أعادوني من سالم إلى معسكر حوّارة، وبعد ثمانية أيّام نقلوني إلى سجن مجيدو في حافلة مع معتقلين آخرين. في السّجن، قال لي أحد الضبّاط إنّني معتقل إداريًّا لمدّة ستّة أشهُر.

  إصابات محمد نزال بعد الإفراج عنه. 

حتى اندلاع الحرب في غزّة كان الوضع في السّجن معقولًا من ناحية الطعام والشراب والخروج إلى "الفورة" والاستحمام. لكنّ المُعاملة تغيّرت بعد اندلاع الحرب. منعوا عنّا "الفورة" وصادروا إبريق تسخين الماء وجهازي التلفزيون والرّاديو التي كانت في الزنزانة. كذلك صادروا السجائر وأغراضًا شخصيّة كالملابس. أخذت سلطات السجن بإجراء تفتيش يوميّ داخل الزنازين. وأيضًا قلّصوا كميّات الطعام. كميّة الطعام التي حصلنا عليها لم تتناسب مع عدد الأسرى، وكانت نوعيّتها رديئة.

بقي الوضع على هذا الحال إلى أن نقلوني إلى سجن النقب في 3.11.23. خلال نقلي كان عناصر وحدة "نحشون" يعتدون عليّ ضربًا وركلًا. عندما وصلنا إلى هناك، بعد سفر ساعات طويلة، ضربني عناصر وحدة "نحشون" مجدّدًا، كما فتّشوني عاريًا وصوّروني عاريًا. خفت كثيرًا لأنّني سمعت صُراخ أسرى آخرين كانوا يتعرّضون للضرب.

أصبح تصرّف السجّانين بعد اندلاع الحرب عنيفًا وعُدوانيًّا جدًّا. ذات يوم سمعت صُراخ الأسرى في زنزانة مُجاورة؛ لاحقًا علمت أنّ أحد الأسرى سأل سجّانًا ما إذا تمّ التوصّل إلى وقف إطلاق نار أو أيّ حلّ آخر، لأنّنا لم نحصل على أيّ أخبار عما يجري في الخارج، فكان ردّ السجّان على هذا السّؤال أن ضربوه حتى الموت. بعد الهُجوم عليه تركوه طوال نصف ساعة. اسم هذا الأسير ثائر أبو عصب، من سكّان قلقيلية، وكان أسيرًا منذ العام 2005.

كلّما حاولت أن أحمي رأسي بيديّ كانوا يركزون الضرب على يديّ بالإضافة إلى ضربي في باقي أنحاء جسمي

كذلك تغيّرت تمامًا القواعد المتّبعة أثناء العدد. كان على كلّ أسير أن يقف ويضع يديه على رأسه ويحني عُنقه. كان أحد السجّانين يُنادي الأسماء عبر مكبّر صوت وعلى كلّ أسير أن يجيب بأنّه حاضر. ذات مرّة، قبل إطلاق سراحي بأسبوع، سألنا سجّان أثناء العدد ما إذا كنّا نتبع حماس فأجبناه أنّنا مجرّد أسرى لا أكثر. عندئذٍ أوعز السجّان لزملائه أن يهاجمونا فانهالوا علينا ركلًا وضربًا بهراوات معدنيّة. كلّما حاولت أن أحمي رأسي بيديّ كانوا يركزون الضرب على يديّ بالإضافة إلى ضربي في باقي أنحاء جسمي. تألّمت كثيرًا، وقد استمرّ الاعتداء دقائق طويلة. عندما خرج السجّانون من زنزانتنا، زنزانة رقم 10، جلسنا جميعًا على الأرضيّة مضروبين ومكدومين وبعضنا جرحى فعليًّا.

في اللّيلة التي تلت الهجوم، عندما ذهبت إلى المرحاض، أغمي عليّ ووقعت أرضًا. سحبني الأسرى إلى السرير. في اليوم التالي جاءت مُسعفة أو طبيبة وفحصتني، خاصّة الجزء العلويّ من جسمي – الظهر والكتفين وكفّي اليدين. عقّمتْ جراحي ووضعت عليها بعض اليود. كذلك ضمّدت كفّي يديّ، وكانت تعود كلّ 48 ساعة لكي تغيّر الضمادات. شعرت بأنّها حزينة لما جرى لي. كانت تبدو حزينة ومنزعجة ممّا فعله السجّانون.

بعد الاعتداء عليّ بقيت طوال فترة اعتقالي غير قادر تقريبًا على استخدام يديّ من شدّة الألم. كان معنا أسير من طولكرم وهو من كان يُساعدني على تناوُل الطعام وشرب الماء. كنت أتألّم على وجه الخصوص حين دخول المرحاض.

في مساء يوم 27.11.23 جاء إلى الزنزانة عدد من السجّانين الملثّمين. ناداني أحدهم وطلب منّي أن أرافقهم. لم يوضحوا لي أيّ شيء ممّا أخافني كثيرًا. أخذوني إلى غرفة فيها أسرى آخرون. انتظرنا هناك طوال ساعة دون أن يعلم أيّ منّا أنّهم على وشك إطلاق سراحنا.

قبل إطلاق سراحي حذّرني ضابط من "الشاباك" من إجراء أيّ احتفالات أو مُقابلات مع وسائل الإعلام. قال لي إنّ عليّ أن أحافظ على الهُدوء متوعّدًا بأنّهم سوف يعتقلونني ثانية إذا لم ألبّ هذه الشروط

بعد ذلك أدخلونا إلى سيّارة أقلّتنا إلى سجن "عوفر". استغرق السّفر إلى هناك نحو ساعتين، وفقط عندما وصلت إلى "عوفر" علمت أنّهم سوف يُطلقون سراحي. أثناء الانتظار في سجن "عوفر" جلبوا لنا ملابس ("ترينينغ") وأحذية وطلبوا أن نرتديها. أخذوا بصمات أصابعي عُنوة، وكان ذلك صعبًا بسبب الأوجاع في يديّ. قبل إطلاق سراحي حذّرني ضابط من "الشاباك" من إجراء أيّ احتفالات أو مُقابلات مع وسائل الإعلام. قال لي إنّ عليّ أن أحافظ على الهُدوء متوعّدًا بأنّهم سوف يعتقلونني ثانية إذا لم ألبّ هذه الشروط. بعد ذلك سلّمونا لمندوبي الصّليب الأحمر. فور دخولي الحافلة أخبرت أحد المندوبين بأنّهم ضربوني وبأنّ لديّ أوجاعًا في يديّ. كان هناك طبيب من طرف الصّليب الأحمر، قام بتغيير ضمادات كلتا يديّ. بعد ذلك أقلّوني إلى رام الله.

عندما وصلت إلى رام الله أخذني أخي معتزّ ووالدتي إلى مستشفى رام الله الحكوميّ. هناك تبيّن بعد الفحوصات وصور الأشعّة أنّ لديّ كُسورًا في أصابع يديّ، اليمنى واليسرى، وأنّني أحتاج إلى عمليّة جراحيّة لتثبيت العظام. عندما وصلت أخيرًا إلى المنزل في قباطية كنت حزينًا لأنّني لم أستطع مُعانقة والدي أو أصدقائي، بسبب الأوجاع.

- هذه الإفادة سجّلها باحث بتسيلم الميدانيّ عبد الكريم السّعدي في 29.11.23