الأوضاع الصحية للأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي
يعيش الأسرى الفلسطينيون والعرب داخل السجون الإسرائيلية أوضاعاً صحية استثنائية؛ فهم يتعرضون إلى أساليب تعذيب جسدي ونفسي وحشية ممنهجة، تؤذي وتضعف أجساد الكثيرين منهم، ومن هذه الأساليب: الحرمان من الرعاية الطبية الحقيقية، والمماطلة المتعمدة في تقديم العلاج للأسرى المرضى والمصابين، والقهر والإذلال والتعذيب التي تتبعها طواقم الاعتقال والتحقيق.
إن أساليب إضعاف الإرادة والجسد على السواء ثنائية مأساوية، متبعة في دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تدعي الديمقراطية؛ إذ يشرع نظامها السياسي والقضائي التعذيب والضغط النفسي بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب، في سابقة يقل نظيرها على المستوى العالمي؛ ما يعد مخالفة للعديد من المعاهدات والمواثيق الدولية.
ومن خلال مراقبة الوضع الصحي للأسرى، اتضح أن مستوى العناية الصحية بالأسرى شديد السوء؛ فهو شكلي وشبه معدوم بدليل الشهادات التي يدلي بها الأسرى، وارتقاء الشهداء من بينهم، وازدياد عدد المرضى منهم، وبشكل متصاعد؛ وتقارير المؤسسات المحلية والدولية التي تعنى بحقوق الإنسان وتهتم بشؤون الأسرى، والتي تؤكد أن علاج الأسرى بات موضوعاً تخضعه إدارات السجون الإسرائيلية للمساومة والابتزاز والضغط على المعتقلين؛ الأمر الذي يشكل خرقاً فاضحاً لمواد اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة (المواد (29 و30 و31) من اتفاقية جنيف الثالثة، والمواد (91 و92) من اتفاقية جنيف الرابعة)، والتي أوجبت حق العلاج والرعاية الطبية، وتوفير الأدوية المناسبة للأسرى المرضى، وإجراء الفحوصات الطبية الدورية لهم.
كما اتضح أن العيادات الطبية في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية، والمعدات والأدوية الطبية اللازمة والأطباء الأخصائيين لمعاينة ومعالجة الحالات المرضية المتعددة، وأن الدواء السحري الوحيد المتوفر فيها هو حبة (الأكامول) التي تقدم علاجًا لكل مرض وداء.
وتستمر إدارات السجون في مماطلتها بنقل الحالات المرضية المستعصية للمستشفيات؛ والأسوأ من ذلك أن عملية نقل الأسرى المرضى والمصابين تتم بسيارة مغلقة غير صحية، بدلاً من نقلهم بسيارات الإسعاف، وغالباً ما يتم تكبيل أيديهم وأرجلهم، ناهيك عن المعاملة الفظة والقاسية التي يتعرضون لها أثناء عملية النقل.
وهنا لا بد من استعراض جملة من الانتهاكات الصحية التي تمارسها إدارات السجون الإسرائيلية تجاه الأسرى والأسيرات الفلسطينيين والعرب المحتجزين في سجونها ومعتقلاتها، والتي يصب معظمها في ترسيخ سياسة الإهمال الطبي المتعمد، والمماطلة في تقديم العلاج، والجرائم الطبية، كإجراء العمليات الجراحية لكثير من الحالات المرضية والإصابات بشكل يتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب؛ الأمر الذي تسبب في وفاة العديد من الأسرى المرضى والمصابين.
الانتهاكات الصحية التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون والعرب، وتتمثل بالآتي:
1- الإهمال الصحي المتكرر والمماطلة في تقديم العلاج والامتناع عن إجراء العمليات الجراحية للأسرى المرضى، إلا بعد قيام زملاء الأسير المريض بأشكال من الأساليب الاحتجاجية من أجل تلبية مطالبهم بذلك.
2- عدم تقديم العلاج المناسب للأسرى المرضى، كل حسب طبيعة مرضه؛ فالطبيب في السجون الإسرائيلية هو الطبيب الوحيد في العالم الذي يعالج جميع الأمراض بقرص الأكامول أو بكأس ماء.
3- عدم وجود أطباء اختصاصيين داخل السجن، كأطباء العيون والأنف والأذن والحنجرة.
4- تفتقر عيادات السجون إلى وجود أطباء مناوبين ليلاً لعلاج الحالات الطارئة.
5- عدم وجود مشرفين ومعالجين نفسيين؛ حيث يوجد العديد من الحالات النفسية، والتي تستلزم إشرافًا طبيًا خاصًا.
6- عدم توفر الأجهزة الطبية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، كالأطراف الصناعية لفاقدي الأطراف، والنظارات الطبية، وكذلك أجهزة التنفس والبخاخات لمرضى الربو، والتهابات القصبة الهوائية المزمنة.
7- عدم تقديم وجبات غذائية صحية مناسبة للأسرى، تتماشى مع الأمراض المزمنة التي يعانون منها، كأمراض السكري، والضغط، والقلب، والكلى، وغيرها.
8- عدم وجود غرف أو عنابر عزل للمرضى المصابين بأمراض معدية، كالتهابات الأمعاء الفيروسية الحادة والمعدية، والجرب؛ ما يهدد بانتشار المرض بسرعة بين صفوف الأسرى؛ نظراً للازدحام الشديد داخل المعتقلات؛ وكذلك عدم وجود غرف خاصة للأسرى ذوي الأمراض النفسية الحادة؛ ما يشكل تهديداً لحياة زملائهم.
9- نقل الأسرى المرضى إلى المستشفيات، وهم مكبلو الأيدي والأرجل، في سيارات شحن عديمة التهوية، بدلاً من نقلهم في سيارات إسعاف مجهزة ومريحة.
10- حرمان الأسرى ذوي الأمراض المزمنة من أدويتهم، كنوع من أنواع العقاب داخل السجن؛ بالإضافة لفحص الأسرى المرضى بالمعاينة بالنظر، وعدم لمسهم والحديث معهم ومداواتهم من خلف شبك الأبواب.
11- يعاني الأسرى المرضى من ظروف اعتقال سيئة، تتمثل في: قلة التهوية، والرطوبة الشديدة، والاكتظاظ الهائل؛ بالإضافة إلى النقص الشديد في مواد التنظيف العامة والمبيدات الحشرية.
12- استخدام العنف والاعتداء على الأسرى، بما فيهم المرضى؛ واستخدام الغاز لقمعهم؛ ما يفاقم خطورة حالتهم الصحية.
13- الإجراءات العقابية بحق الأسرى تزيد من تدهور أحوالهم النفسية، والتي تتمثل في: المماطلة في تقديم العلاج، والنقل إلى المستشفيات الخارجية، والحرمان من الزيارات، والتفتيش الليلي المفاجئ، وزج الأسرى في زنازين العزل الانفرادي، وإجبار الأسرى على خلع ملابسهم بطريقة مهينة.
14- افتقار مستشفى سجن الرملة، الذي ينقل إليه الأسرى المرضى، إلى المستلزمات الطبية والصحية؛ حيث لا يختلف عن السجن في الإجراءات والمعاملة القاسية للأسرى المرضى.
15- تعاني الأسيرات من عدم وجود أخصائي أو أخصائية أمراض نسائية؛ إذ لا يوجد سوى طبيب عام، خاصة أن من بين الأسيرات من اعتقلن وهن حوامل، وبحاجة إلى متابعة صحية، خاصة أثناء الحمل وعند الولادة.
16- إجبار الأسيرات الحوامل على الولادة، وهن مقيدات الأيدي، دون الاكتراث بمعاناتهن لآلام المخاض والولادة.
17- تقديم أدوية منتهية الصلاحية للأسرى.
18- استغلال الوضع الصحي للمعتقل؛ إذ يعمد المحققون إلى استجواب الأسير المريض أو الجريح من خلال الضغط عليه لانتزاع الاعترافات.
19- عدم تقديم العلاج للأسير المصاب والمريض؛ واحتجازه في ظروف غير صحية؛ ما يفاقم معاناته ويزيد آلامه، ويعرض حياته للخطر، ويدمر صحته.
وفقا للأرقام والإحصائيات التي تم رصدها من قبل عدة مؤسسات فلسطينية تعنى بشؤون الأسرى وحقوق الإنسان، فقد بلغ عدد الأسرى المرضى المحتجزين داخل أقبية الاحتلال مع نهاية العام 2022، أكثر من 600 أسير يواجهون أوضاعا صحية غاية في الصعوبة، من بينهم 200 أسير وأسيرة يعانون أمراض مزمنة، و24 أسيرًا على الأقل مصابون بالأورام والسّرطان بدرجات متفاوتة، و6 أسرى مقعدين، و33 يعانون أمراض في العيون، و34 أمراض في الكلى، و120 أسيراً مصاباً برصاص جيش الاحتلال، و58 أسيراً يشتكون من أمراض القلب، و 16 يشتكون أمراض في الدم والأوعية الدموية، و79 أمراض في العظام، و45 يعانون من أمراض نفسية وأعصاب، و27 يعانون من مشاكل تنفسية، بالإضافة إلى العشرات ممن يعانون من مشاكل بالأسنان، وأمراض أخرى مزمنة كالسكري، والضغط.
هذه الأرقام، رغم ضخامتها، لا تشير إلا إلى أولئك الأسرى الذين ظهرت عليهم الأمراض وأجريت لهم فحوصات؛ فيما تشير التقديرات إلى أن العدد أكثر من ذلك ولربما يتضاعف فيما لو أجريت فحوصات شاملة على باقي الأسرى في ظل استمرار الظروف والعوامل المسببة التي أدت إلى ظهور الأمراض واستفحالها؛ حيث تكثر الأمراض الصعبة كأمراض السرطان، والرئتين، والقلب، والكبد، والكلى، والمعدة والأمعاء، والسكري، وأمراض العظام والمفاصل والروماتيزم، والأمراض الجلدية، والعيون، والاسنان، والأمراض النفسية، والعصبية؛ والتي من شأنها ان تشكل خطرًا على المريض وعلى زملائه في الأسر، وتبقى آلامها ترافق الأسير طوال فترة سجنه، بل وتبقى تلازمه إلى ما بعد التحرر؛ فقد كانت في العديد من الحالات سببًا في وفاة المئات منهم؛ إذ إن استشهاد مئات الأسرى داخل سجون الاحتلال نتيجة الأمراض، أو بعد الإفراج عنهم بفترة زمنية بسيطة يعطي مؤشرًا خطيرًا أن الاحتلال جعل من السجن مكانًا لزرع الأمراض وتوريثها للأسرى لما بعد التحرر؛ فتكون سببا في وفاتهم ببطء شديد.
ويبلغ عدد الأسرى المرضى القابعين في عيادة (سجن الرملة) حسب التقرير السنوي لمؤسسات الأسرى لعام 2022 ، نحو 15 أسيرًا، من بينهم أسرى يقبعون فيه منذ تاريخ اعتقالهم، وهم يعانون أوضاعًا صحية وحياتية قاسية. وقد مر على وجود بعضهم داخل هذه العيادة أكثر من 10 سنوات، دون أن يطرأ تغير على سياسات إدارة سجون الاحتلال بحقهم، وأهمها: المماطلة في تقديم العلاج؛ حيث تماطل سلطات الاحتلال في نقلهم إلى المستشفيات لإجراء الفحوصات اللازمة، أو لإجراء عمليات جراحية ملحة،
إن ارتقاء 233 شهيدًا منذ عام 1967 وحتى نهاية عام 2022 داخل سجون الاحتلال، بالإضافة إلى مئات الأسرى المحررين اللذين سقطوا شهداء بعد خروجهم من السجن بفترات وجيزة بسبب أمراض ورثوها عن السجون- يعطي مؤشرًا خطيرًا يدل على قسوة السجانين الذين يتعمدون استخدام التقصير الطبي والإهمال بالعلاج أداة ووسيلة ترمي إلى تعريض الأسير للموت البطيء، دون مراعاة للقوانين والأعراف الدولية والقواعد الإنسانية والأخلاق المهنية التي تحكم مهنة الطب وترعى حقوق الأسرى.