الحبس المنزلي للأطفال الفلسطينيين


تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي جاهدة لابتداع وسائل وطرق من شأنها التضييق والتنكيل بأبناء الشعب الفلسطيني، ضاربة بعرض الحائط بكل المواثيق والاتفاقيات الدولية؛ وإحدى هذه الوسائل "الحبس المنزلي" (الإقامة الجبرية) والذي أصبح سيفًا مسلطًا على رقاب الفلسطينيين وتحديداً المقدسيين منهم، وفي مقدمتهم فئة الأطفال دون سن 14 عامًا، بالإضافة إلى القيادات الوطنية السياسية والميدانية والعاملون في المسجد الأقصى والمرابطون والمرابطات فيه.

يتمثل الحبس المنزلي بفرض أحكام من قبل المحكمة إسرائيلية تقضي بمكوث الشخص فترات محددة داخل منزله؛ أو في منزل أحد الأصدقاء أو الاقرباء ... إلخ، بشكل قسري، وقد يمدد الاحتلال الحبس المنزلي لفترات جديدة، وكل من يخالف يتعرض لعقوبات إضافية، ما جعل من بيوت المقدسيين سجونًا لهم، وليمثل الحبس المنزلي عقوبة أكبر من السجن الفعلي؛ فهو يقيد المحبوس  وكفلاءه، ويخلق حالة من التوتر الدائم داخل المنزل وخاصة عندما يكون المستهدف من الحبس المنزلي طفلًا، لما يحدثه من آثاراً وخيمة عليه من ناحية نفسية واجتماعية.

وهناك نوعين من الحبس المنزلي: الأول يُلزم الشخص، سواءً أكان طفلا أم فتاة، رجلًا أم امرأة، بالبقاء في بيته، وعدم الخروج منه مطلقًا طوال الفترة المحددة؛ والنوع الثاني (وهو أصعب من الأول) يتمثل بفرض "الحبس المنزلي"  على الشخص في بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء  بعيدًا عن بيت العائلة ومنطقة سكناه؛ ما يشتت العائلة ويزيد من حالة القلق لديها.

ولعل أحدث أشكال الحبس المنزلي ما يسمى  بالحبس المنزلي "الليلي"، ويبدأ الحبس كل ليلة في تمام الساعة الثامنة مساءً وينتهي في السادسة صباحًا، قد يمتد ويمدد  لعدة أشهر بناء على قرار من القائد العسكري الإسرائيلي أو ما يسمى بقائد الجبهة الداخلية، الذي بدوره يستغل أنظمة الطوارئ الانتدابية في هذا المجال لما  تمنحه من صلاحيات واسعة تمكنه من تضييق الخناق على المواطنين الفلسطينيين.

تلجأ سلطات الاحتلال إلى أسلوب الحبس المنزلي بالنسبة  للأطفال دون سن 14 عاماً، لأن القانون "الإسرائيلي" لا يجيز حبسهم، وخوفًا من التعرض للانتقادات الدولية والمؤسسات الحقوقية، وتفيد الإحصاءات الصادرة عن "نادي الأسير الفلسطيني" و"هيئة شؤون الأسرى والمحررين" بأن سلطات الاحتلال أصدرت نحو  2200 قرار بالحبس المنزلي بين كانون الثاني 2018 وآذار 2022، بحق أطفال قصّر، 114 طفلاً منهم كانت أعمارهم تقل عن 12 عاماً، مقارنة بنحو 228 قراراً بالحبس المنزلي في الفترة بين 2015-2017، وقد تم تحويل 70% من الأطفال المقدسيين الذين تم اعتقالهم خلال السنوات الأخيرة إلى الحبس المنزلي قبل البت في قضاياهم، فيما تراجعت قرارات الحبس المنزلي المفتوح عددياً خلال العامين 2021 و2022،  ولا سيما بعد إقرار عدد من القوانين الإسرائيلية التي أجازت اعتقال الأطفال القُصّر ومن هم دون 14 عاماً، وتغليظ العقوبة بحق الأطفال والمتهمين برشق الحجارة منهم، مما منح الشرطة والمحاكم صلاحيات أوسع باستمرار اعتقال الأطفال وتمديد فترة وجودهم في السجن.

أما بالنسبة للكبار فأن سلطات الاحتلال تحاول من خلال الحبس المنزلي منعهم من مباشرة أعمالهم ونشاطاتهم الوطنية في إطار وظائفهم أو حياتهم اليومية وغالبًا ما يطال الحبس المنزلي القيادات الوطنية الفلسطينية في مدينة القدس كما حدث في نهاية عام 2018 وحتى مطلع العام 2021 عندما استهدف محافظ محافظة القدس (عدنان غيث) والعشرات من كوادر حركتة "فتح"  في المدينة بالاعتقال ومن ثم الحبس المنزلي.

إن "الحبس المنزلي" يُعد إجراءً تعسفياً غير أخلاقي، ومخالفةً لقواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني، ولكل المواثيق والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكولاتها الاختيارية، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977م.

 

المصدر: مركز المعلومات الوطني الفلسطيني - وفا