في قلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي (القضية الفلسطينية)، تعتبر السجون الإسرائيلية واحدة من أكثر الجوانب التي تعكس القيود والظلم التي تفرضها إسرائيل على الشعب الفلسطيني منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا. تعتبر السجون الإسرائيلية مركزًا لانتهاكات حقوق الإنسان، المعاملة القاسية، الحرمان وسلب الحرية، حيث يتعرض الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون هناك للتعذيب والاعتقال التعسفي والإهمال الطبي والقمع بشتى الوسائل التي تفوق الخيال.
رغم قساوة الظروف بكل تفاصيلها السيئة داخل السجون الاسرائيلية، إلا أن رغبة التحرر تظل شغفًا يحرك قلوب الأسرى ويمنحهم القوة لمواجهة التحديات. فالحلم بالحرية يمنح الأسرى الأمل والصمود في وجه القيود والظلم، ويدفعهم نحو التحلي بالصبر والإصرار حتى تتحقق أمنياتهم بذلك.
للفلسطينيين العديد من الأحلام والأماني، ولكن واحدة من أكثرها تأثيرًا وأهمية هو حلم تحرر آلاف الأسرى من السجون الإسرائيلية. إنه حلم ينبع من الرغبة العميقة في الحرية والكرامة، والتي تعتبرها الشعوب أساسًا لوجودها وعيشها الكريم. يعتبر حلم التحرر من هذه السجون بمثابة رمز للحرية والكرامة، حيث يسعى العديد من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون إلى تحقيق هذا الحلم بكل الطرق الممكنة.
تعتبر عمليات الهروب من السجون الإسرائيلية إحدى أبرز المظاهر لهذا الحلم، حيث يلجأ الأسرى إلى خطط محكمة وعمليات دقيقة لتحقيق الفرار. ورغم أن بعض هذه المحاولات قد فشلت بالسابق، حيث حاول الأسير محمود العارضة قائد عملية "نفق الحرية" الهرب مرتين عام 2014 عندما كان أسيراً في سجن "شطة"، القريب من سجن "جلبوع"، لكن المحاولتين اكتشِف أمرهما، وعوقب العارضة بالعزل الانفرادي لسنوات طويلة، إلا أن الأمل والإصرار يظلان عنوانًا لكل من يسعى إلى تحقيق الحرية.
يعتبر التحرر من السجون الاسرائيلية واحدًا من أكثر التجارب المؤثرة التي يمكن أن يمر بها الأسير الفلسطيني، فهو لحظة تجلي الحرية وتحقيق الأمل بعد فترة من القيود والحرمان. تجسد قصة انتزاع الأسرى الستة حريتهم بأنفسهم بعد هروبهم من سجن "جلبوع" هذا المفهوم بكل تفاصيله، حيث يظهر الإرادة القوية للحرية والصمود ضد الظروف القاسية والمعقدة التي يمر بها الأسرى في السجون الاسرائيلية منذ سنوات طويلة جداً.
مع نجاح عملية الفرار من سجن "جلبوع" الذي يعتبر الأكثر تحصينًا وتشديدًا أمنيًا، وتسميه مصلحة السجون الإسرائيلية "الخزنة"، لشدة تحصينه وحراسته اللصيقة بشريًا والكترونيًا، عاش كل أبناء الحركة الأسيرة في السجون، عائلاتهم، الشعب الفلسطيني في كافة أنحاء وجوده وأحرار العالم شعورًا بالانتصار والفخر، ولكن ما هو أهم من ذلك هو الرسالة التي أُرسلَت إلى العالم بأسره؛ أن الحلم بالحرية التي يطمح بها الأسير الفلسطيني لا يمكن أن يكون مكبوتًا، وأن الإرادة والصمود يمكن أن تحقق المستحيل.
أثارت عملية حفر النفق في سجن "جلبوع" صدمة كبيرة لدى السلطات الإسرائيلية، وإحداث تغييرات في ديناميات الصراع. كما أشعلت العملية حالة من التضامن والدعم للأسرى الفلسطينيين من جميع أنحاء العالم.
الأسرى محمود العارضة، محمد العارضة، يعقوب قادري، زكريا زبيدي، أيهم كممجي ومناضل نفيعات، الذين كانوا يقبعون في سجن "جلبوع" منذ سنوات طويلة، كانوا يعيشون حياة يومية مليئة بالقيود والحرمان. ومع ذلك، لم يفقدوا الأمل في الحرية، بل كانوا يعتبرونها هدفًا يسعوا إليه بكل قوة.
من بين جدران هذا السجن الذي يعتبر أحد رموز القهر والمعاناة، تُحكى قصة هؤلاء الأسرى الذين قرروا تحرير الروح والجسد من قيود السجان من خلال عملية الفرار المحكمة، حيث قرر الأسرى الستة، كما اعتدنا تسميتهم "أسرى نفق الحرية" بعد التخطيط والتفكير الدقيق، القيام بمحاولة فرار من السجن. كانت عملية الفرار معقدة ومليئة بالمخاطر، حيث كان على الأسرى التغلب على العديد من العقبات والتحديات. ومع ذلك، كانت إرادتهم القوية وإصرارهم على الحرية هما القوة الدافعة التي ساعدتهم على تجاوز كل تلك الصعوبات. استغل الأسرى كل فرصة متاحة لهم، واستخدموا كل مهاراتهم ومعرفتهم لتجنب الكشف والوصول إلى الحرية.
بفضل الإصرار والشجاعة، نجح الأسرى الستة بتحقيق حريتهم بعد عملية فرار محكمة. وبعد الخروج من سجن "جلبوع"، وجد الأسرى أنفسهم يعيشون حياة جديدة تمامًا، حيث تحولت الحرية التي كانوا يحلم بها إلى حقيقة ملموسة، وعلى الرغم من إعادة اعتقالهم بعد عدة أيام من انتزاعهم للحرية وممارستها بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة، فإن أيام الحرية الخمسة والتجول في شوارع فلسطين التاريخية ومرج ابن عامر والبلدات العربية كانت كفيلة بمحو وشطب كل سنوات الأسر الطويلة من ذاكرتهم.
تعتبر عملية الفرار من سجن "جلبوع" بمثابة رمز للصمود والتحدي، حيث تحمل في طياتها رسالة قوية عن عزم الفلسطينيين على الحرية والكرامة. بالرغم من قسوة الظروف داخل السجون الإسرائيلية والمعاناة اليومية التي يواجهها الأسرى، فإنهم لا يفقدون الأمل في التحرر والعودة إلى أحضان عائلاتهم ووطنهم. يشكل فرار هؤلاء الأسرى من سجن "جلبوع" إشارة واضحة لعزمهم على الصمود ومواصلة النضال من أجل الحرية والعدالة. إنها عملية تبرز مدى إصرارهم على التحرر من قيود السجان والعودة إلى حياتهم الطبيعية، رغم كل المخاطر والتحديات التي يواجهونها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية الفرار من سجن "جلبوع" تحمل رسالة إلى العالم بأسره، تشير إلى رفضها لسياسات القمع والاضطهاد. إنها تذكير بأن الحرية ليست محدودة بالجدران الخرسانية للسجون، بل هي حق طبيعي ولابد له من التحقّق.
في النهاية، تظل عملية فرار ستة أسرى من سجن "جلبوع" علامة فارقة في مسيرة النضال الفلسطيني، وتبرز أهمية الصمود والتحدي في مواجهة القيود والظلم، فإن عملية الفرار من سجن "جلبوع" لم تكن مجرد فرار جسدي، بل كانت تجربة تحرير الروح وإعادة الكرامة للحركة الأسيرة بشكل خاص وكافة الشعب الفلسطيني بشكل عام الذي يسعى من أجل نيل حقوقه الإنسانية الأساسية.
حقوقي متخصص في مجال الدفاع عن المعتقلين والأسرى الفلسطينيين