بعد شهرين من وقف القتال في غزة الاكثر ايلاما يبحثون عن مفقودين

  

بعد شهرين من وقف القتال في غزة الاكثر ايلاما يبحثون عن مفقودين

هارتس / روان سليمان ونغم زبيدات

 

57 يومًا مرت منذ دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل

 وحماس حيز التنفيذ. في حين أن العديد من الفلسطينيين في قطاع غزة قد عادوا بالفعل إلى منازلهم ودفنوا أحبائهم، لا يزال آخرون يبحثون عن أي معلومة حول مصير أفراد عائلاتهم وأصدقائهم المفقودين. العدد الرسمي للمفقودين في القطاع غير معروف، لكن المكتب الإعلامي لحماس يقدّر أن 14,222 شخصًا ما زالوا محاصرين تحت أنقاض المباني.

 

في غزة، يعتقدون أن العديد من الأشخاص الآخرين محتجزون لدى إسرائيل دون ورود معلومات رسمية عن اعتقالهم. يقول باسل، البالغ من العمر 26 عامًا من رفح، عن صديقه وليد وسام رجب، الذي فُقد منذ 29 ديسمبر 2023: “العيش في حالة من عدم اليقين أكثر إيلامًا بكثير من معرفة مصيره: هل هو ميت؟ هل هو معتقل؟

 

وليد، الذي ينحدر أصلاً من مخيم الشاطئ للاجئين في شمال قطاع غزة، شوهد آخر مرة وهو يسير نحو مدينة غزة على طول شارع الرشيد الذي يعبر القطاع. كان يبلغ من العمر 23 عامًا عندما اختفى.

 

يقول باسل في مقابلة هاتفية مع هآرتس: “أصبحنا أصدقاء بعد أن نُقل إلى رفح. كنت أعمل متطوعًا في مدرسة بحي تل السلطان، والتي كانت تستخدم كمأوى للنازحين، حيث كنت أوزع الماء والطعام والبطانيات. وليد كان إنسانًا طيبًا، وعلى الرغم من معاناته، كان دائمًا يعرض المساعدة.”

 

وبحسب باسل، كانت عائلة وليد - والدته وأشقاؤه وأبناء عمومته - تعتمد عليه كثيرًا، “لدرجة أنه بدا أكبر من عمره الحقيقي.”

 

في الشهر الذي سبق اختفائه، يقول باسل إن وليد كان يتحدث كثيرًا عن العودة إلى شمال القطاع. “لم يكن لديه محفظة، ولا بطاقات هوية، ولا حتى هاتف. أراد العودة إلى هناك ليأخذ أغراضه وأغراض عائلته. كنت أحذره طوال الوقت، لكنه كان عنيدًا. بعد فترة توقف عن ذكر ذلك، حتى الليلة التي غادر فيها.”

باسل يوضح أنه لا يستطيع العودة للبحث عنه لأن جميع أفراد عائلته معه. “تواصلت مع الصليب الأحمر ومنظمة الضمير (التي تساعد في البحث عن المعتقلين من غزة)، لكن دون جدوى.”

وعندما سُئل لماذا لا يزال يبحث عن وليد رغم أنه لم يعرفه سوى لفترة قصيرة، أجاب باسل: “أقل ما يمكنني فعله هو السؤال عنه، من أجله ومن أجل والدته.” وأضاف: “يتم تجريدنا من إنسانيتنا، وتقليصنا إلى مجرد أرقام. لقد أخذت على عاتقي التأكد من أن الآخرين يعرفون عن وليد.”

 

محمد، البالغ من العمر 27 عامًا من شمال قطاع غزة، تحدث لـهآرتس عن صديقه المقرب محمود جمال أبو عطيوي الذي كان في مثل سنه. يقول محمد: “فعلنا كل ما بوسعنا، حتى أننا أرسلنا اسمه إلى الصليب الأحمر، لكن كل ذلك كان دون جدوى.”

 

اختفى أبو عطيوي  قبل ما يقارب ثمانية أشهر بالقرب من معبر على الحدود قرب طريق نتساريم، بعدما اقترب من منطقة تواجد فيها جنود الجيش الإسرائيلي. يقول محمد: “بحثنا عنه في المنطقة، لكننا لم نجد جثته أو أي دليل يشير إلى وفاته.”

آخر مرة رأى فيها محمد صديقه محمود، وهو بائع خضار من مخيم البريج للاجئين وسط القطاع، كانا معًا في شمال غزة. حتى اليوم، لا يزال محمد ينشر منشورات عن صديقه على تيك توك، كاتبًا: “عد إلينا سالمًا، أخي.” ومع مرور الوقت، فقد محمد أيضًا أي تواصل مع عائلة أبو عطيوي .

في مقابلة مع صحيفة الأخبار اللبنانية، قالت أم مالك الحجازي، وهي من سكان قطاع غزة، إنها سمعت حتى الآن ثلاث روايات مختلفة حول اختفاء زوجها.

 

وتروي: “قالوا إنهم رأوه مع المعتقلين الذين أخذهم العدو قرب مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا.” ووفقًا لهذه الرواية، شوهد آخر مرة في قاعة الفريد بالقرب من المستشفى، حيث، بحسب الشهادات، تم تجريد المعتقلين من ملابسهم قبل نقلهم إلى إسرائيل.

في رواية أخرى، قيل إنه شوهد مصابًا وهو يهرب من القصف في بيت لاهيا، “وآخرون قالوا إنهم رأوا جثة رجل مغطاة بالدماء وترتدي نفس الملابس التي كان يرتديها، لكنهم لم يتمكنوا من رؤية وجهه.”

كانت أم مالك مصممة على معرفة الحقيقة، فبحثت في جميع الأماكن التي ذُكرت، لكنها لم تجد أي أثر لزوجها – لا جثته ولا حتى ملابسه. في قاعة الفريد، حيث وردت تقارير عن تجريد المعتقلين الغزيين من ملابسهم، وجدت العديد من الملابس، لكنها لم تعثر على ملابس زوجها.

وتضيف: “لم أسمع أي شيء عنه من الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم.” لكنها ترفض الاستسلام لليأس: “الارتباك لا يُطاق ومؤلم، لكن مجرد الأمل في أنه ما زال على قيد الحياة يكفي لأن أواصل البحث عنه حتى آخر يوم في حياتي.”

أيضًا، عائلة عماد الدحدوح، البالغ من العمر 50 عامًا وأب لاثني عشر ابنًا من مدينة غزة، لم تتلقَ أي معلومة عن مكانه منذ فبراير 2024، عندما اختفى خلال عملية عسكرية للجيش الإسرائيلي في حي الزيتون بمدينة غزة.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد القطرية، كانت عائلته تأمل أن توفر لهم الهدنة فرصة للحصول على إجابات، لكنهم ما زالوا لا يعرفون مصيره: هل أُسر على يد الجيش الإسرائيلي؟ أم قُتل وما زالت جثته تحت الأنقاض؟ ومنذ ذلك الحين، تواصلت عائلته مع المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان للضغط على إسرائيل من أجل الكشف عن مصيره.

 

مع بداية وقف إطلاق النار، أطلق جهاز الدفاع المدني في غزة - وهو الجهة المكافئة لخدمات الإطفاء والإنقاذ - حملة واسعة للبحث عن جثث المفقودين. وبسبب نقص المعدات الهندسية الثقيلة، اعتمدوا على أدوات بسيطة أثناء البحث بين أنقاض المباني وحفر القبور الجماعية المؤقتة. ووفقًا لما ذكره الجهاز، تم العثور على تلك القبور في مناطق لجأ إليها الناس طلبًا للحماية، مثل محيط مستشفيي كمال عدوان والشفاء.

الأسبوع الماضي، أعلن الجهاز أنه تم العثور على 137 جثة خلال يومين فقط من البحث في محيط المستشفيين. وقد طُلب من العائلات التي فقدت ذويها في تلك المناطق المساعدة في التعرف على الجثث.

 

على الرغم من أن العدد الدقيق للمفقودين في غزة لا يزال غير معروف، فمن الواضح بالفعل أن هذه القضية ستلاحق سكان غزة لسنوات عديدة، وأن جهود البحث عن المفقودين ستتطلب موارد كبيرة.

بعد وقف إطلاق النار، ونظرًا للحاجة الملحة بين السكان في غزة للعثور على المفقودين، تم إنشاء “المركز الفلسطيني للمعتقلين والمفقودين” في القطاع. حتى الآن، تواصلت أكثر من 1,500 عائلة مع المركز طلبًا للمساعدة في العثور على أحبائهم.

أما منظمة الضمير، التي تتخذ من القدس الشرقية مقرًا لها وتساعد في البحث عن المعتقلين من القطاع، فقد تلقت طلبات من عائلات حوالي 1,100 شخص للتحقق مما إذا كان أحباؤهم معتقلين في إسرائيل.

من جهته، ناشد جهاز الدفاع المدني في غزة المجتمع الدولي لتوفير معدات ثقيلة وخبراء للمساعدة في العثور على المفقودين الذين ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض.

في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر مجموعات على فيسبوك، وقنوات على تيليغرام، وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف مساعدة الناس في البحث عن المفقودين. لكن وسط حملات البحث المنتشرة في جميع أنحاء القطاع، وبينما تنتشر الشائعات حول مصير أحبائهم، لا يزال العديد من سكان غزة بمفردهم تقريبًا في بحثهم الشاق عن الحقيقة.