من ما قبل الاعتقال حتى بعد الإفراج: انتهاكات إسرائيلية للحقوق الرقمية للأسيرات الفلسطينيات
17 أبريل 2025
في عصرٍ أصبحت فيه الحقوق الرقمية جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان، تواجه الأسيرات الفلسطينيات انتهاكات ممنهجة تبدأ قبل اعتقالهن وتستمر خلاله وبعد الإفراج. هذه الانتهاكات تشمل المراقبة، التهديد، والتقييد، مما يحرمهن من أبسط حقوقهن في الخصوصية والتعبير.
الاحتلال لا يكتفي بالسيطرة على الجسد، بل يطارد الفلسطينيين والفلسطينيات حتى في الفضاء الرقمي. قبل الاعتقال، تخضع حسابات الناشطات الفلسطينيات لمراقبة دقيقة من أجهزة الأمن الإسرائيلية. منشورات قديمة، تعليقات، أو حتى تفاعلات تُجمع وتُخزّن لتُستخدم لاحقاً كأدلة "تحريض"، كما حدث مع الصحفية (ر.ح) و(ل.ع) التي اعتُقلت بسبب منشورات على فيسبوك تعود لأكثر من ثلاث سنوات. الاعتقال بناء على التعبير الرقمي يكشف كيف تُحوَّل وسائل التواصل الاجتماعي من أدوات حرية إلى وسائل إدانة.
لكن القمع لا يتوقف عند هذا الحد. خلال الاعتقال، يُجبر الاحتلال الأسيرات على فتح هواتفهن تحت التهديد، دون أي احترام للخصوصية أو للمعايير القانونية. الهواتف تُفتش بدقة، وأي تواصل سابق، حتى ولو كان خاصاً، يصبح مادة للتحقيق والاستجواب. كما أن التواصل مع العائلة، إن سُمح به، يكون عبر مكالمات نادرة وتحت رقابة مشددة تُفقد الأسيرة الشعور بالأمان، وتقيّد حريتها في الكلام.
الأسيرات يعشن عزلاً رقمياً تاماً داخل المعتقلات. يُحرمن من الإنترنت، الهواتف الذكية، وحتى من الاطلاع على الأخبار أو ما يجري في الخارج. هذا العزل هو أحد أساليب الاحتلال لكسر الروح المعنوية للأسيرة، وتجريدها من حقها في المعرفة والتعبير والارتباط بالعالم. في الوقت الذي يُسمح فيه لأغلب البشر بتكوين شبكات رقمية من الدعم، تُقطع هذه الشبكات قسراً عن الأسيرات.
بعد الإفراج، لا تنتهي الرقابة. تستمر الملاحقة الرقمية بشكل ممنهج. الأسيرات المحررات يواجهن تهديدات مباشرة من ضباط الاحتلال في حال نشرهن أي محتوى سياسي أو حتى شخصي على وسائل التواصل الاجتماعي. يتم الاتصال بهن وتحذيرهن من العودة إلى النشر، تحت طائلة إعادة الاعتقال. هذه التهديدات تخلق حالة من الرعب الرقمي، وتدفع كثيرات إلى الصمت القسري.
الصحفية المحررة سمية جوابرة من نابلس، نموذج آخر لهذه السياسات، حيث فُرضت عليها إقامة جبرية داخل منزلها، ومنعت من استخدام الإنترنت كلياً. بعد الإفراج، حُرمت من حقها الأساسي بالتواصل والتعبير، ما يكشف أن القيد لا ينكسر بخروج الأسيرة من السجن، بل يستمر بأشكال رقمية وأمنية جديدة.
يتجاوز ما تتعرض له الأسيرات الفلسطينيات ليس فقط قمعاً جسدياً، بل اعتقالاً رقمياً متكاملاً. يتم التعامل مع كل منشور على أنه تهديد أمني، ومع كل تفاعل رقمي على أنه دليل محتمل. الاحتلال يستخدم أدوات المراقبة الرقمية كجزء من آلة قمع ممنهجة.
من المهم التأكيد أن الحقوق الرقمية التي تُنتهك يومياً ليست ترفاً، بل حقوق أساسية: الخصوصية، حرية التعبير، الوصول إلى المعلومة، وحرية التواصل. ما يحدث مع الأسيرات الفلسطينيات هو هجوم مباشر على هذه الحقوق، وهجوم على كل من يحاول استخدام الإنترنت كمساحة للتعبير عن واقع الاحتلال.
الدفاع عن حرية الأسيرات الفلسطينيات اليوم يشمل الدفاع عن وجودهن في الفضاء الرقمي. يجب أن يُعاملن كمواطنات لهن الحق الكامل في التعبير والاتصال والمشاركة دون رقابة أو تهديد. الاحتلال لا يُفرج عنهن فعلياً، بل ينقل القيد من الزنزانة إلى الشاشة، من الجدران إلى "الأونلاين".
ولهذا، فإن تسليط الضوء على هذه الانتهاكات، وتوثيقها، ومطالبة منصات التواصل بتحمل مسؤولياتها، والمؤسسات الحقوقية بالتدخل، لم يعد خياراً بل واجباً. والأسيرة الفلسطينية ليست فقط خلف القضبان، بل في قلب معركة رقمية يومية تستحق فيها الدعم الكامل، حتى تستعيد صوتها كاملاً، دون قيد أو تهديد.