الحرمان من الزيارة العائلية

يقبع في سجون الاحتلال أكثر من 6500 أسيراً ومعتقلاً فلسطينياً، يحرم غالبيتهم من أبسط حقوقهم الأساسية، وأحد أهم هذه الحقوق المسلوبة هو حقهم بالبقاء على تواصل مع عائلاتهم من خلال الزيارات العائلية المنتظمة لهم في السجون. لا يتسبب الاعتقال بالألم والمعاناة للأسير الذي حرم من حريته فقط، بل أيضاً لأفراد عائلته خارج السجن، فهناك العديد من الفلسطينيين الذين اضطروا للعيش من دون أم أو أب أو أخ أو أخت نتيجة الاعتقال، فلسياسة الاعتقال الجماعي التي تمارسها دولة الاحتلال أثر مروع على المجتمع الفلسطيني بشكل عام وعلى أهالي الأسرى بشكل خاص.

غالباً ما تقوم سلطات الاحتلال بإلغاء الزيارات العائلية أو تحديد مدتها بشكل تعسفي، إضافة إلى قيامها بحرمان العديد من الأسرى الفلسطينيين كلياً من الزيارات العائلية، الأمر الذي يتناقض تماماً مع مسؤوليات وواجبات دولة الاحتلال بحسب القانون الدولي، حيث يعتبر حق الزيارة العائلية أحد الحقوق التي كفلها القانون الدولي، وهو حق منصوص عليه بوضوح في اتفاقية جنيف الرابعة، وفي القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة الأسرى، ومجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والقواعد التي تنظم بحسبها السجون الأوروبية، بالإضافة إلى اتفاقية حقوق الطفل.

تقوم دولة الاحتلال باحتجاز الأسرى الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة في سجون ومعتقلات خارج الأرض المحتلة عام 1967، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة رقم 76 من اتفاقية جنيف الرابعة 1949، والتي منعت بشكل واضح "النقل الفردي أو الجماعي بالإضافة إلى الترحيل للأفراد من الأراضي المحتلة إلى أراضي القوة المحتلة". كما ويخلق ذلك عقبات كبيرة أمام أهالي الأسرى والمعتقلين الذين يرغبون في زيارة أبنائهم، حيث يضطرون لتقديم طلب للحصول على تصاريح من السلطات الإسرائيلية لتمكنهم من الدخول إلى الأراضي المحتلة 1948 لزيارة أقاربهم في سجون الاحتلال، وفي أغلب الأحيان يكون الحصول على تصريح في غاية الصعوبة، وأحياناً أخرى يكون مستحيلاً، والمبرر الوحيد الذي تستخدمه سلطات الاحتلال لرفض التصريح هو "الأسباب الأمنية" دون تحديد أو تفسير ما الذي تعنيه بذلك.

وفي حال السماح بالزيارة، تقوم قوات مصلحة السجون الإسرائيلية بفرض العديد من القيود على الأسرى وذويهم، حيث تسمح الزيارات للأقارب من الدرجة الأولى فقط، ويمنع أفراد العائلة الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و35 عاماً من الزيارة بشكل دائم، بالإضافة إلى أن التواصل بين الأسير وعائلته أثناء الزيارة يكون عبر الهاتف من وراء حاجز زجاجي، لا يسمح بأي تواصل جسدي.

أما فيما يخص أسرى قطاع غزة، فإن الوضع الحالي أليم، حيث كان يسمح بالزيارات العائلية لهم قبل العام 2007، ولكن بعد آسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، تم حرمان أسرى القطاع من التواصل العائلي بحجة "أسباب أمنية غير محددة"، وهذا الإجراء هو دليل على ممارسة دولة الاحتلال لسياسة العقاب الجماعي ضد سكان القطاع، وفي التاسع من كانون الأول عام 2009، قامت المحكمة العليا الإسرائيلية برفض الاستئناف الذي قدم لنزع شرعية هذه السياسة.

وخلال الإضراب الجماعي عن الطعام في شهر نيسان من عام 2012، كان أحد المطالب الأساسية للأسرى هو إعادة السماح بالزيارات العائلية لأسرى غزة، ومع أن قوات الاحتلال وافقت على إعادة الزيارات عند انتهاء الإضراب، فإنه ومنذ حزيران 2014، تم السماح لأسرى قطاع غزة بالزيارة العائلية مرة واحدة كل 60 يوماً، وليس كل أسبوعين مثل أسرى الضفة الغربية والقدس والأرض المحتلة عام 1948.

 خلال العدوان الحربي الأخير الذي شنته قوات الاحتلال على غزة، والذي بدأ في تموز 2014 حرم أسرى قطاع غزة من الزيارات العائلية واستمر منع الزيارات حتى شهر تشرين الأول 2014، كما طال المنع أيضاً أسرى الضفة الغربية المنتمين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية الذين يشكلون أكثر من نصف مجموع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال البالغ عددهم اليوم حوالي 6500، وحديثاً تم استئناف الزيارات لهؤلاء الأسرى، إلا أنها تتم مرة كل شهرين بدلاً من كل أسبوعين خلافاً للعديد من الاتفاقيات الدولية.

 

النهج الذي تسير عليه الزيارات العائلية

كانت الزيارات العائلية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال تتم بشكل دوري ودون معيقات حتى اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول عام 2000، إلا أنه بعد اقتحام قوات الاحتلال للضفة الغربية وبسبب نصب مئات الحواجز العسكرية، فإن كل العائلات في الأرضي المحتلة والتي ترغب بزيارة قريب لها في سجون الاحتلال –عدا حاملي هوية القدس- اضطرت إلى التقدم للحصول على تصاريح للدخول إلى دولة الاحتلال، مما زاد من صعوبة الزيارات.

يحتاج تقديم التصريح الى فترة طويلة ومن الممكن أن تستمر من شهر إلى ثلاثة أشهر، أما التصريح نفسه فهو صالح لسنة واحدة فقط، ويتم تقديم الطلب عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومن ثم يتم تحويلها إلى سلطات الاحتلال، وهذه الزيارات محصورة لأقارب السجين من الدرجة الأولى مثل الأطفال، الأزواج، الوالدان، الاخوة والأجداد فقط، وهكذا يتم عزل الأسرى والمعتقلين عن دوائرهم الاجتماعية. وكما ذكرنا سابقاً فإن الرجال ما بين سن السادسة عشر والخامسة والثلاثون يمنعون من الزيارة، وفي حالات نادرة يحصلون على تصريح زيارة ولمرة واحدة فقط في السنة، بحيث يحصل من لديه أخ في سجون الاحتلال على تصريح لمرة واحدة في السنة، ومرتين في السنة لمن لديه أب في سجون الاحتلال.

ولكن عملياً فإن المئات من العائلات الفلسطينية لا يستطيعون الحصول على تصاريح بحجة "الأسباب أمنية"، دون توضيح سبب رفض تقديم التصريح إلا باستخدام هذا الجملة: "ممنوع الدخول إلى إسرائيل لأسباب أمنية".

أما عندما يتم السماح بالزيارات العائلية، فإنها تتم مرة كل أسبوعين وتستمر لخمسة وأربعون دقيقة فقط، وفي داخل غرفة الزيارات يوجد لوح زجاجي يفصل بين الأسير والزائر، حيث يتم التواصل فيها بينهم عبر الهاتف أو عبر بضعة ثقوب في اللوح الزجاجي، ويتم السماح بالدخول لثلاثة بالغين وقاصرين في نفس الوقت لزيارة السجين ذاته.

حرمان السجناء من الزيارات العائلية كعقاب جماعي: وأثر أسر النساء الفلسطينيات على عائلاتهم

يؤثر اعتقال النساء الفلسطينيات بشكل كبير عليهن، ويمثل اعتقالهن عقاب جماعي لكل أفراد عائلتهم، فعلى سبيل المثال تمثل حالة الأسيرة قاهرة سعيد السعدي والتي تم اعتقالها من قبل قوات الاحتلال في الثامن من شهر أيار من العام 2002، إذ تعرض أولاد السيدة قاهرة السعدي الأربعة للصدمة نتيجة مشاهدتهم لعملية اعتقال والدتهم والاعتداء من قبل قوات الاحتلال. ويترك بطش وتنكيل الجنود بالمعتقل أو أفراد عائلته أثناء عملية المداهمة والاعتقال أثراً كبيراً على نفسية الأطفال الذين يشاهدونه.

بعد اعتقالها نقلت قوات الاحتلال السيدة قاهرة السعدي إلى مركز تحقيق المسكوبية في القدس، وهناك تعرضت للتعذيب النفسي والجسدي. وأثناء التحقيق معها أبلغتها المخابرات الإسرائيلية أنها اعتقلت ابنتيها اللتين تناهزان 10 و16 من العمر، وهددوها باغتصابهن إذا لم تستجب لمطالبهم.

وبعد انتهاء التحقيق ونقلها من مركز التحقيق إلى السجن منعت قوات مصلحة السجون السيدة السعدي من حقها في الزيارات العائلية واستمر ذلك طوال عامين بعد اعتقالها، وتم رفض تصريح الزيارة لابنتها الكبرى مراراً وتكراراً بذريعة "الأسباب الأمنية". أما عندما استطاع أولاد قاهرة زيارتها فلم يمكثوا أكثر من نصف ساعة امام والدتهم، رغم أن الطريق من وإلى السجن استغرقتهم قرابة عشر ساعات، وذلك بسبب التأخير الناتج عن عمليات التفتيش الجسدي وتفتيش الأمتعة المتكررة، وخلال الزيارة فلقد تم فصل الأولاد عن والدتهم عبر لوح زجاجي واضطروا للتحدث مع والدتهم باستخدام الهاتف.

أوضحت الدراسات أن منع الزيارات العائلية للأسيرات يؤثر على صحتهن النفسية والجسدية وكثيراً ما يؤدي إلى حالات من القلق والاكتئاب وإلى تفاقم الإحساس بالوحدة لدى الأسيرة وأطفالها وأفراد عائلتها، فرغم أن الزيارات مسموحة الآن مرتين في الشهر نظرياً، إلا أن السياسات التي تفرضها قوات الاحتلال وقوات مصلحة سجونها تتسبب في كثير من الأحيان من حرمان المئات من عائلات الأسرى من حقهم في الزيارة.

 

القانون الدولي للزيارات العائلية

تقوم دولة الاحتلال بخرق مستمر للقانون الدولي عبر حرمانها للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من التمتع بحقهم في الزيارات العائلية، حيث نجد أن حق الأسير في الحصول على زيارات عائلية هو حق كفلته المواثيق والاتفاقيات الدولية، ولقد تم التحديد بوضوح في المادة 116 من اتفاقية جنيف الرابع (1949)، أنه يحق لأسير الحرب الحصول على زيارات عائلية بشكل متكرر "وخلال فترات منتظمة"، كما وتوضح قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (1977) في المادتين 37 و92، أنه يحق للأسير أن يبقى على اتصال مع عائلته أو أصدقائه ذوي السمعة الجيدة خلال المراسلات أو من خلال استقباله للزيارات، كما شددت مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن (1988)، على حق الأسير في الحصول على زيارات عائلية، والتي وضحت بأنه يحق للسجين أو المعتقل الحصول على زيارات عائلية تحت "ظروف وقيود معقولة".

 وتشدد قواعد القانون الدولي عامة على حقوق القاصرين في الحصول على زيارات عائلية كما ورد في قواعد الأمم المتحدة لحماية الأحداث المحرومين من حريتهم (1990)، حيث تنص المادتين 59 و60 بوضوح حق القاصرين بالتواصل مع "المجتمع الأوسع" وبالحصول على زيارات عائلية بشكل منتظم ومتكرر لمرة واحدة في الأسبوع أو على الأقل مرة واحدة في الشهر.

خلاصة:

إن لسياسة الاعتقال الجماعي التي انتهجتها دولة الاحتلال أثر مدمر على المجتمع الفلسطيني، فقد قامت دولة الاحتلال باعتقال ما يقارب ال750.000 فلسطيني منذ العام 1967، فمن الصعب جداً إيجاد عائلة فلسطينية لم يعتقل أحد أفرادها، وبالتالي يمكن اعتبار هذا الأمر من أهم الأسباب التي جعلت قضية الأسرى محور أساسي في وجدان كل فلسطيني.

وفقاً للقانون الدولي يحق لجميع المعتقلين الحصول على زيارات عائلية، إلا أن دولة الاحتلال تستمر بمنع هذه الزيارات بشكل ممنهج كإجراء عقابي، فبعض الأسرى الفلسطينيين لم يروا عائلاتهم منذ سنوات، وتقوم دولة الاحتلال باحتجاز الغالبية العظمى من المعتقلين السياسيين الفلسطينيين في أراضي 1948 مما يشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي، ولذلك يتوجب على الفلسطينيين المتواجدين في أراضي الضفة الغربية تقديم طلب للحصول على تصريح دخول الى الاراضي المحتلة عام 1948 من أجل زيارة أقاربهم في السجن، إلا أن العديد من هذه التصاريح تمنع تحت مسمى "الدواعي الأمنية" ودونما الكشف عن ماهية هذه الدواعي من قبل الاحتلال.

كما وتقوم دولة الاحتلال باستخدام منع الزيارات العائلية كإجراء عقابي ضد الأسرى، ففي إضراب المعتقلين الإداريين منتصف العام 2014، قامت قوات مصلحة السجون الإسرائيلية بمعاقبة المعتقلين الذين قادوا الإضراب وحرمتهم من حقهم في استقبال الزيارات العائلية لمدة ستة أشهر والذين أضربوا عن الطعام لمدة أربعة أشهر، وجاء هذا العقاب ضمن حزمة من الإجراءات العقابية التي اتخذتها قوات مصلحة السجون بحق المضربين عن الطعام.

وتبقى القصص الأكثر ألماً عن الاعتقال وأثره على الأسر الفلسطينية لم تروى بعد، فالاعتقال لون كل الذكريات التي يفترض أن تكون جميلة لعائلات الأسرى بالحزن والأسى، فأعياد الميلاد والأعراس والمناسبات كلها ذكريات ناقصة دون إطلاق سراح الأسرى وإعادة شملهم الى عائلاتهم.

المصدر: الضمير