إعداد الأسير/ شادي الشرفا خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين
مقدمة لابد منها:
لا يعيش الإنسان إلا ضمن حياة اجتماعية فهو اجتماعي بطبعه، وإن عزله عن محيطه الاجتماعي يعني محاولة تفريغه ( الإنسان الأسير) من محتوياته الإنسانية، ولعل استخدام الأجهزة الأمنية الصهيونية سياسة العزل للأسرى هو من أقدم السياسات الاحتلالية وأكثرها رسوخاً في المؤسسة الصهيونية وجهازها الاعتقالي، وقد عانى مئات المعتقلين من شعبنا الفلسطيني من هذه السياسة لفترات متفاوتة وصلت في بعض الأحيان إلى عقود، الأمر الذي ساهم في وضع الحركة الوطنية الأسيرة موضوع مقاومة هذه السياسة على رأس سلم أولوياتها النضالية، وقد أحرزت نسبة لا بأس بها من النجاح.
الوضع القانوني:
جاء في قانون العزل لإدارة مصلحة السجون ما يلي " وضع أسير بالعزل هو وسيلة منع وليس عقاب، وحقوق الأسير تكون مثل حقوق كل أسير آخر بناءً على ظروف تواجد الأسير بالعزل" .
لقد جاء البند السابق ضمن القوانين العامة التي تلزم إدارة مصلحة السجون الصهيونية، خاصة وأنها حصلت على تصويت أعضاء البرلمان الصهيوني ما يُسمى بالكنيست عام ( 1971) فهناك فجوة كبيرة بين ما نص عليه البند القانوني المذكور أعلاه وبين حقيقة الأمر داخل السجون، حيث أن سياسة العزل التي تتبعها إدارة السجون " الشاباص" تعتمد العقاب والانتقام بالدرجة الأولى.
إن هذه الحقيقة نابعة من تتبع لسياسة العزل منذ الخمسين عاماً الماضية، بل إن العقاب والانتقام من الأسرى السياسيين تتخذ طابعاً ممنهجاً يشّكل العزل أحد أفظع أشكالها، ويرتبط مفهوم العزل بسلسلة إجراءات وعقوبات تسلب الأسير أبسط حقوقه الإنسانية في أغلب الأحوال، وتفرض عليه شروطاً حياتية مختلفة عن باقي الأسرى رغم تنوع أشكال العزل، والتي سنستعرضها لاحقاً، فإن أصعب أنواع العزل هي العزل الانفرادي الذي يستهدف من خلاله النيل من معنويات الأسير وكسر نفسيته وإرادته وإذلاله المستمر في بعض الحالات اغتياله كما جرى مع الرفيق الشهيد إبراهيم الراعي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
إن سياسة العزل لا يبررها أي سبب كان فهي تسلب الأسير هويته المعنوية والإنسانية وتمّثل إهانة لكرامته وشخصيته، لذلك فإن تقنين العزل يعتبر سمة عير حضارية وغير إنسانية مهما كانت المبررات التي تسوقها الأجهزة الأمنية المختلفة، فمنع الأسير من الاختلاط مع باقي الأسرى، وعزله عن الحياة الاجتماعية هو تعذيب بحد ذاته.
يتمتع جهازان بصلاحية التوصية بالعزل، بالتنسيق مع وزارة الأمن الداخلي، وهو جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، وإدارة مصلحة السجون " الشاباص" . إن إقرار العزل بعد 6 شهور يتطلب قرار قضائي من المحاكم الإدارية حيث يمثل الأسير أمام قاضي ويقدم الشاباك أو الشاباص أو كلاهما تقارير ما، غالباً ما تكون سرية، تطالب بعزل الأسير لمدة 3 أو 6 شهور أو عام كامل، وتتعدد أسباب العزل والتي سنوضحها لاحقاً، وعادة ما يقبل القضاء توصية الادعاء بالعزل؛ فالمحكمة ما هي إلا وسيلة صورية وتمديد قانونية شكلية تمتلك الأجهزة الأمنية كافة مفاتيحها، لذا فإن إنهاء العزل حسب التجربة يتم من خلال خوض إضرابات ونضالات الحركة الاسيرة، والتي لا تعّول على القضاء الصهيوني باعتباره شريكاً في جريمة العزل.
إن سياسة العزل قديمة جداً بعمر الاحتلال ويواجه الأسرى السياسيين عدة أنواع من العزل، ما بين عزل انفرادي، وجماعي، حيث تتعدد أسباب العزل تبعاً للظروف التي يواجهها الأسير، أو بناءً على توصية للجهة العازلة، وللتوضيح نورد أنواع العزل على النحو التالي:
العزل الانفرادي:
وهو أقسى وأصعب أنواع العزل، حيث يوضع الأسير لوحده أو مع أسير آخر لمدة شهر قابلة للتمديد شهرياً أو 6 شهور أو سنوياً. وبالجدير ذكره أن كافة السجون المركزية لديها أقسام للعزل الانفرادي حيث يوجد زنازين تتسع الزنزانة الواحدة لأسيرين كحد أقصى، أما أقسام العزل فتتسع ما بين 4 إلى 8 أسرى كحد أقصى، وتوزع هذه الأقسام على مختلف السجون مثل (الرملة، شكما " عسقلان" ونفحة وريمون وايشيل والسبع وهوليدكار السبع وآيلي وجلبوع وشطة " بيسان"، كفاريونا وريمونيم، هداريم، ومجدو، الجلمة، وصرفند وأماكن سرية أخرى...)، وقد وضُع عدة أسرى في ظروف العزل الانفرادي لمدة سنوات طويلة، وأكثر من عقد لبعض الأسرى بناء على خلفيات متعددة، ومجحفة وتتنافى مع أبسط الحقوق الإنسانية، وللتوضيح حول العزل الانفرادي، نورد التالي:
يصنف "الشاباك أو الشاباص" الأسرى السياسيين كأسرى أمنيين خطرين، ولهذا يتم عزلهم بناءً على التالي:
وجود معلومات مفترضة للمساهمة في إعداد مجموعات عسكرية أو التخطيط لعمليات عسكرية خارج الأسرى.
معلومات حول نية بالاعتداء أو الضرب لسجانين أو اعتداء حصل فعلاً.
معلومات حول نيتهم للهرب وتصنفهم بـ " ساقاف" أي احتمالية هرب عالية، أو هربوا فعلاً وتمت إعادة اعتقالهم.
عزل انفرادي لمن تعتقد أو تفترض الأجهزة الأمنية أنه يمتلك معلومات خطيرة، وتضر بالمصالح الأمنية مثل خبراء تصنيع المتفجرات ..الخ.
غالباً ما تكون المعلومات المقدمة إلى المحاكم سرية، ولا يسمح لمحامي الدفاع الاطلاع عليها، بحجة عدم كشف المصادر، لذا تستغل الأجهزة الأمنية ذلك بتقديم ما تشاء من تقارير كاذبة على الأسرى للمحاكم الصهيونية الصورية أصلاً، لطلب تجديد العزل، ولا يتسع المجال للحقوقيين للدفاع عن موكليهم الأسرى بسبب التواطؤ الفج بين المحاكم والأجهزة الأمنية.
على مدار نشأة الحركة الأسيرة تنتهج إدارة مصلحة السجون بالتعاون مع باقي الأجهزة الأمنية عزل عدة أسرى كونهم قيادات هامة ومؤثرة للحركة الأسيرة أو خارج الأسر، لذا تعتمد عزلهم لفترات طويلة تحت ظروف تنكيل مستمر، وخير مثال على ذلك عزل الرفيق أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والذي تم إخراجه من العزل بفعل إضرابات ونضالات طويلة للحركة الأسيرة.
غالبية العزل بناءً على أبعاد انتقامية سواء ضمن قيادات سياسية أو عسكرية أو اعتقالية كما ذكر سابقاً، أو ضد مناضلين قاموا بعملية نوعية، أو لكونهم مؤثرين، أو لأغراض أخرى منها استهداف الفكر، وربما الإسقاط وغيرها، وقد تبينت صحة فرضية العزل الانتقامي خاصة بعض خوض الأسرى إضرابات مفتوحة عن الطعام للمطالبة بإخراج المعزولين حيث عبّر جهاز "الشاباص" عدة مرات عن استيائه من عزل "الشاباك" لبعض الأسرى دون سبب وجيه، سوى أنهم رموز عسكرية وسياسية فلسطينية مثل عزل الأمين العام للجبهة الرفيق أحمد سعدات، وأحمد ياسين الزعيم الروحي ل حركة حماس ، ومروان البرغوثي من قيادات حركة فتح وقيادات عسكرية بارزة مثل الرفيق عاهد أبو غلمة من الجبهة الشعبية، وعزل الأسرى عبدالله البرغوثي وإبراهيم حامد وحسن سلامة من حماس لأنهم نفذوا عمليات نوعية أدت بحياة مئات القتلى في صفوف الصهاينة، ويضاف إلى هؤلاء الكثير من الأسرى.
تعمد الأجهزة الأمنية إلى عزل أسرى عرب على خلفيات سياسية وعسكرية أو لاعتبارات أخرى منها الابتزاز السياسي، وقد عانى قطاع كبير من أسرى الدوريات ظروف عزل قاسية جداً، والذين ينتمون لأحزاب فلسطينية ولبنانية ولعل أبرزهم المناضلان مصطفى الديراني وعبد الكريم عبيد من حزب الله وحركة أمل والذين أُفرج عنهم في صفقة تبادل مع حزب الله عام 2004. وقد أمضيا كافة فترة اعتقالهما داخل العزل، كما وضُع في العزل جزءاً يسيراً من أسرى حزب الله في بداية اعتقالهم ناهيك عن أسرى مصريين وأردنيين.
تمنع أجهزة الأمن أي نوع من التواصل بين أسرى سياسيين يهود مع باقي الأسرى الفلسطينيين وتضعهم غالباً في أقسام لوحدهم، على غرار ما حدث مع "مردخاي فعنونو" الذي هرب معلومات نووية إلى صحيفة الجارديان البريطانية حيث مكث كافة محكومياته البالغة 18 عاماً في العزل، أغلبها في عزل "شكما" في عسقلان حتى أفرج عنه، كذلك الأمر بالنسبة إلى كليم برق الذي اتهم أنه جاسوس هرب معلومات بيولوجية، وعنبر وهو عميل سابق للموساد ورجل أعمال خرج عن طوع الموساد، وعقد صفقات تجارية مع الجمهورية الإيرانية وهناك عميل شركسي الأصل وجندي اتهم بالجاسوسية وتمت تبرئته لاحقاً. وجميع هؤلاء عاشوا في ظروف عزل قاسية، حيث عزلوا عن العالم الخارجي، وعن باقي الأسرى.
عُزل أجانب حاربوا في صفوف المقاومة الفلسطينية، أبرزهم المناضل الياباني كوزوموتو والذي نفذ عملية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مطار اللد عام 1972، وقد عُزل في ظروف لاإنسانية ووحشية في عزل الرملة، ومورس بحقه أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وقد عانى من مشكلات نفسية نتاج العزل الأمر الذي لم يشفع له لدى الأجهزة الأمنية، وقد أُفرج عنه عام 1985 في صفقة التبادل مع ( 1150) أسيراً فلسطينياً وعربياً مقابل ثلاث جنود صهاينة أسروا في حرب لبنان.
إن أبرز ما مكث في العزل فترات طويلة حتى إعدامه بقرار قضائي " ادولف آيخمان" القيادي النازي الألماني الذي اتُهم بالإشراف والمشاركة والتآمر لإبادة يهود في الحرب العالمية الثانية، أما حديثاً فيوجد بضعة أجانب معزولين بتهمة العمل مع حزب الله و إيران بغرض التجسس على الكيان.
تعمدت أجهزة الأمن الصهيونية إنكار وجود عزل انفرادي سري لديها، لكن الحقائق التاريخية أثبتت عكس ذلك، حيث أن عدد من الأسرى الذين أُفرج عنهم أكدوا وجودهم في أماكن عزل سرية بعضها تحت الأرض وأخرى قرب البحر، يعتقد أنها في حيفا، كما كشفت الصحف الصهيونية قبل حوالي العقد من وجود مثل هذه الزنازين تحديداً مجمع ( 471 ) والذي كان تابعاً لجهاز المخابرات العسكرية "أمان"، وبه أقسام تحقيق وتعذيب ناهيك عن العزل، ويمكن تقسيم العزل السري إلى صنفين: الأول من حيث مكان العزل حيث توجد أماكن عزل سرية، وهناك أماكن عزل معروفة مثل الرملة لكن تحتوي أشخاص معتقلين سرياً مثل فضيحة السجين ( x ) حسب تصنيف "الشاباص"، وهو يهود استرالي عمل مع الموساد وانتحر داخل زنزاته وما كان من الممكن الكشف عن هويته لولا فضيحة انتحاره، وربما تصفيته، ومن فضائح العزل السري المشهورة كشف عزل مجموعة فدائية في القرن الماضي تابعة لحركة فتح انطلقت من السواحل الليبيى وقد قامت أجهزة الأمن الصهيونية بقصف السفينة بعرض البحر وخطفت (7) من روادها منهم (حازم دغلس والسعدان وأبوحفيظة وجهاد عودة)، وقد أنكرت دولة الكيان وجودهم عندها حتى كُشف أمرهم، فاخرجوا من العزل بعد سنة ونصف تقريباً، ونُقلوا إلى السجون المركزية، وقد أكدوا تواجدهم في سجن سري وعزلهم تحت الأرض قرب مستوطنة " تل أبيب" ويُعتقد أنه سجن "صرفند" والذي ينفي الاحتلال وجوده.
تعزل إدارة مصلحة السجون أسرى معينين لغرض الحماية منهم أسرى جنائيين معرضين للقتل من عصابات، أو أسرى جنائيين ضمن برنامج الشهود للادعاء، وكذلك أسرى يُنصفون بأنهم أمنيين كُشف تعاونهم مع المخابرات الصهيونية، أو يُشتبه بهم وُطردوا أو هربوا بإرادتهم من أقسام الأسرى السياسيين، وتستخدم الأجهزة الأمنية جزءاً منهم في غرف العصافير ( العار).
هناك الكثير من الأسرى الذين يعانون من أمراض نفسية ويصعب العيش معهم في الأقسام، ويُوضعوا بالعزل إما لكونهم يشكلون خطراً على باقي السجناء والسجانين، أو أن باقي السجناء لا يستطيعون رعايتهم والتعايش معهم ويرفضون استقبالهم في الأقسام. ولذلك فإن سياسة "الشاباص" لا تقوم على الرعاية والعلاج النفسي، بل على التخدير عبر أدوية أعصاب تنهك الأسير وتحول دون إمكانية علاجه مسبقاً.
قد يمتد عزل الأسير المعتقل لأكثر من ثلاثة شهور، متواصلة ضمن برنامج التحقيق، حيث لا يرى الأسير سوى المحققين طوال الفترة، ويتعرض خلالها للتعذيب النفسي والجسدي، ويتم تمديده عبر قرار قضائي حسب طلب جهاز "الشاباك"، وقد يُسمح له برؤية محامي الدفاع بعد انقضاء بضعة أسابيع على اعتقاله.
هناك عدة أنواع وأسباب للعزل الجماعي، بحيث يكون عدد من الأسرى في داخل القسم ومن الممكن أن يلتقوا فيما بينهم، ولكن معزولين عن باقي الأسرى ضمن شروط حياتية خاصة، وللتوضيح نورد التالي:
بعد اتفاقية أوسلو بدأت عملية الإفراج عن الأسرى ضمن دفعات متتالية، ثم بدأت الحكومات الصهيونية تستثني من الدفعات المفرج عنها أسرى من حركتي الجهاد وحماس، إضافة إلى أسرى متهمين بالقتل، هذه التصنيفات جاءت كي تتنصل الحكومة الصهيونية من التزاماتها بالإفراج عن الأسرى، لذلك افتُتح قسم في "هداريم" لأسرى حركتي حماس والجهاد في أواخر التسعينات من القرن الماضي. لكن تجدر الإشارة في هذه الصدد إلى نقطتين، الأولى أن هذا العزل لم يلبث طويلاً حيث أنه وبعد فترة وجيزة تم دمج أسرى من تنظيمات منظمة التحرير في هذا القسم، أما الثانية فهي أنه لم يكن هذا العزل يشمل كافة أسرى الحركات الإسلامية، فقد ظل جزءاً يسيراً منهم في السجون المركزية مع باقي الفصائل.
في مطلع السبعينيات كان أسرى القدس والداخل معزولين عن باقي الأسرى، وتواجدوا في أقسام الرملة، ولكنهم دُمجوا مع باقي الأسرى بعد بضعة سنوات، أما عام 1999 فقد اُفتتح قسم في شطة للأسرى لحملة الهوية الزرقاء الإسرائيلية من المقدسيين وأسرى الداخل، إضافة إلى أسرى الجولان السوري المحتل، وقد جاء هذا العزل ضمن قرار سياسي يهدف إلى استثنائهم من الإفراجات التي ضمت أعداداً كبيرة من أسرى الضفة وغزة ضمن الاتفاقيات السياسية التي عُقدت بين السلطة الوطنية وحكومة الاحتلال لاحقاً ، بعد بضعة سنوات وُزع أسرى قسم "شطة" على باقي السجون ثم في مطلع عام 2004 أعيد افتتاح قسم خاص في "الرملة" لحملة الهوية الزرقاء لكن بقي عدد محدود من أسرى القدس والداخل في باقي السجون المركزية.
بعد عام 2007 وعلى إثر الانقسام الفلسطيني وسيطرة حماس على غزة، قامت إدارة مصلحة السجون باستغلال الحدث عبر فصل أسرى حركة حماس عن أسرى منظمة التحرير في عدة سجون منها (عسقلان و نفحة والرملة ومجدو والسبع ورامون) وبعض السجون رفضت هذا الفصل، وسياسة العزل الجماعي على خلفية سياسية، ونجحت جزئياً في ذلك، لكن حالياً أسرى حماس يعيشون في أقسام خاصة باستثناء سجن "هداريم". فقد استمر العزل للأسف الشديد بناءً على مطلب الكل من أسرى فتح وحماس، حيث يبدو من عندهم الرضا لهذه الحالة، وتسعى الجبهة لإنهاء هذه الحالة عبر الحوارات والمبادرات الوطنية العدة، كما أنها رفضت الفصل منذ البداية، ويعيش أفرادها موزعون بين أقسام حماس واقسام منظمة التحرير، وتسجيل موقف رافض للعزل والفصل، علماً أن شروط حياة أسرى حماس مختلفة سلباً خاصة بعد تطبيق قانون "شاليط" الانتقامية العقابية.
بدأت سياسة العزل الجماعي أي وضع مجموعة من الأسرى في أقسام محددة بناءً على خلفيات معينة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي في سجن نفحة حيث أُطلق عليهم مصطلح " الرؤوس اليابسة والناشفة" وعزلت به إدارة مصلحة السجون قيادات الحركة الأسيرة الأكثر صلابة في بداية تبلورها من مختلف الفصائل، تحديداً من الجبهة الشعبية وفتح وتلى هذه التجربة افتتاح سجن "نفحة" عام 1980، وعزلت قيادات وكوادر الحركة الأسيرة في ظروف قاسية خاصة تختلف عن باقي السجون، واستمر العزل هناك قرابة العام فقد تغير الوضع لاحقاً إثر إضراب الأسرى عام 1980 والذي استشهد على إثرها الرفيق القائد اسحق مراغة " أبو جمال" من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وكانت تجربة عزل أخرى في مطلع التسعينات من القرن الماضي في سجن الرملة، حيث أنشئ قسم عزل للأسرى الذين اتهموا بتنفيذ عمليات نوعية حيث كان معظم الأسرى المعزولين من أسرى حماس والجهاد الإسلامي، ثم في مطلع الانتفاضة الثانية افتُتح قسم عزل جماعي في سجن "ايشيل" ببئر السبع، وآخر في "هداريم" ووزعت بها مصلحة السجون أسرى من مختلف الفصائل غالبتيهم من الكوادر العسكرية والسياسية والاعتقالية المعروفة.
انتهجت إدارة مصلحة السجون سياسة عزل للأسرى الإداريين سواء جماعياً أو فردياً بين الحين والآخر، ووضعهم في ظروف خاصة، لكن ظروف "الشاباص" وعدم توفير أماكن وأقسام كافية دفعتهم إلى دمج الأسرى الإداريين مع باقي الأسرى، وحالياً هم الآن موزعون على ثلاثة سجون هي (مجدو، وعوفر والنقب) مع باقي الاسرى.
يُعزل المضربون عن الطعام عن باقي الأسرى، وتفُرض عليهم ظروف صعبة للغاية، وشروط قاسية ويتم التنكيل والاستفراد بهم من أجل الضغط عليهم لكسر إضرابهم، وقد يكون عزل فردي أو جماعي تبعاً لظروف المضربين.
تختلف شروط الحياة في العزل تبعاً لطبيعة العزل (جماعي أو فردي)، وتبعاً للظرف السياسي، ولظروف الحركة الأسيرة وتأثيرها، إضافة إلى طبيعة المعزولين فلا يمكن مقارنة ظروف العزل السابقة قبل عقود بظروف اليوم، وإنما بشكل عام فإن ظروف الأسير المعزول في السجن الانفرادي يعيش في زنزانة ضيقة حيث يمكنه الجلوس أو التمدد فقط، ويُسمح له الخروج إلى الفورة لمدة ساعة واحدة يومية فقط وغالباً لوحده، كما يخرج للفورة مكبل اليدين والقديمين، وأحياناً يظل مكبل حتى الفورة، كما يُحرم من امتيازات شراء اللحوم والخضار كباقي الأسرى، ويوجد في بعض الزنازين كاميرات مراقبة يومية للأسير حتى في المرحاض، ويتعرض الأسير في العزل للتفتيش، وغالباً ما تكون بغرض التنكيل بالأسير وإذلاله والعبث بمحتوياته، وتعتمد إدارة مصلحة السجون سياسة التعرية الجسدية بحق الأسرى المعزولين بشكل ممنهجي، وتحرمهم من زيارة الأهل بحجة المنع الأمني، بغرض تقليل احتكاكه بالعالم الخارجي قدر المستطاع، وتضييق من إمكانية الشراء من مرفق الكانتينا، وعادةً ما يُنقل الأسير كل سنة كقاعدة إلى أقسام عزل أخرى بغرض تشتيته وعدم الاستقرار، ويستفرد السجانين بالأسير المعزول حيث وثُقت حالات كثيرة تم الاعتداء عليها بالضرب، كما وثُقت حالات استشهاد لمناضلين واغتيالهم في العزل، وأبرزها اغتيال القائد العسكري في الجبهة الرفيق إبراهيم الراعي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن ظروف العزل الانفرادي وبعد سنة تحديداً تدمج إدارة مصلحة السجون أسيرين مع بعضهم البعض في زنزانة العزل ( إلا في حالات معينة وتعتمد في كثير من الأحيان وضع أسرى متناقضين من أجل افتعال المشاكل، أو تعتمد في إحضار أسير يعاني من مشاكل نفسية صعبة مع أحد الأسرى السياسيين بغية إرهاقه وتحويل حياته في العزل إلى عذاب يومي)، وقد جرت عدة محاولات لإسقاط أسرى معزولين أمنيا أخلاقياً حيث تكرس الأجهزة الأمنية مصادر بشرية وتقنيات متعددة لهذه الأغراض الرخيصة، وقد وُثقت عدة تجارب عن هذه المحاولات من قبل عدة أسرى.
بعض المعزولين أنهوا عزلهم من قبل الأجهزة الأمنية الصهيونية بعد عدة شهور، وقلة آخرين بقرار من المحكمة بعد استنفاذ قرار العزل وعدم ممانعة الأجهزة الأمنية، لكن الغالبية العظمى من الأسرى المعزولين أنهوا عزلهم عبر ضغط باقي الأسرى السياسيين بالمطالبة المستمرة، أو من خلال خوض الإضرابات المفتوحة عن الطعام، وقد خاضت الحركة الأسيرة إضرابات مفتوحة عن الطعام، استطاعت خلالها انجاز إخراج عدد كبير من الأسرى المعزولين، وهذه الاستعدادية العالية من الحركة الأسيرة لخوض معركة الأمعاء الخاوية لإخراج الأسرى المعزولين هي نتاج وعي لخطورة العزل وصعوبته وضرورة انهاؤه، وتجاهل المؤسسات الحقوقية الدولية لهذه الجرائم، ومن ضمن الإضرابات التي أخرجت المعزولين على مدار الحركة الاسيرة:
إضراب عام 1970 في السجون المركزية "عسقلان" وقد كانت المطالبة بتحسين شروط الحياة إضافة إلى انهاء العزل، وقد كانت ظروف الأسرى جميعاً.
إضراب عام 1980 وقد كانت أهم المطالب تحسين شروط المعزولين من أسرى نفحة، حيث كان السجن الجماعي هناك يتسع لثمانين أسير، وقد أنهى هذا الإضراب حالة العزل، والظروف الخاصة لنفحة وشارك في الإضراب (400) أسير من بئر السبع، و(400) أسير من عسقلان، و(50) أسير من الرملة، وحوالي (100) أسير في "كفار يونا" أي قرابة ( 1000) أسير.
عام 1984 إضراب آخر في السجون المركزية قام بتحسين ظروف الأسرى، وساهم في إخراج المعزولين.
إضراب عام 1992 وهو إضراب فرسان الحرية في السجون المركزية، وقد ساهم في إخراج كافة الأسرى المعزولين وكان عددهم قرابة (33) أسير، كما ساهم في تحسين شروط حياة الأسرى عموماً بشكل نوعي.
إضراب في 27/3/ 1987 احتجاجاً على إلغاء التمثيل الاعتقالي، وسوء المعاملة. واستمر لمدة عشرين يوماً، ونجح في إسقاط مدير السجون وتحقيق إنجازات متنوعة.
إضراب عام 1995، وهو إضراب سياسي تحّول إلى مطلبي، وساهم في إخراج أربعة معزولين.
إضراب عام 2000 وقد ساهم في إخراج جميع المعزولين.
إضراب عام 2012 حيث نجح في إخراج (21) معزولاً من أصل (23) والاثنين الذين ظلوا خرجوا فيما بعض، هما (عوض الصعيدي وضرار السيسي)، ومن بينهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق أحمد سعدات والرفيق عاهد أبو غلمى.
ظل أن نشير أنه لولا دعم الحركة الأسيرة وإضراباتها المتكررة لظل المعزولين في عزلهم حتى هذه اللحظة، وحتى انتهاء فترة محكوميتهم، فقد أثبتت التجربة أن المحاكم متواطئة مع الأجهزة الأمنية، وفي موضوع العزل، كما في كافة الموضوعات الأخرى.